تونس.. سعيّد يقيل رئيسة الحكومة بودن ويعين الحشاني خلفًا لها
٢ أغسطس ٢٠٢٣أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد قرابة منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء (الثاني من آب/أغسطس 2023)، إنهاء مهام رئيسة الحكومة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفًا لها، طالبًا منه مواجهة "تحديات كبيرة" والحفاظ على "الدولة".
ولم يُعط أيّ سبب رسمي لقرار إعفاء بودن وتعيين مسؤول سابق في المصرف المركزي التونسي بدلًا منها، لكنّ عددًا من وسائل الإعلام المحلية سلّط الضوء على استياء سعيّد من نقص في عدد من المواد في البلاد، ولا سيّما الخبز في المخابز المدعومة من الدولة.
وجاء في مقطع فيديو وبيان نشرتهما الرئاسة ليل الثلاثاء أنّسعيّد "قرّر مساء اليوم... إنهاء مهام السيّدة نجلاء بودن رمضان" التي كانت أوّل امرأة تقود حكومة في تونس. وكان الحشاني يعمل في البنك المركزي ودرس في كلّية الحقوق بجامعة تونس حيث كان سعيّد مدرّسًا، حسبما قال رئيس الحكومة الجديد في صفحته بموقع فيسبوك.
وعلى الفور، أدّى رئيس الحكومة الجديد، غير المعروف لدى عامّة الناس، اليمين الدستوريّة أمام سعيّد، حسبما أظهر مقطع فيديو نشرته الرئاسة. وفي أعقاب تأديته اليمين، تمنّى له سعيّد "التوفيق في هذه المسؤوليّة التي سيتحمّلها في هذا الظرف بالذّات". وقال سعيّد إنّ هناك "تحدّيات كبيرة لا بدّ أن نرفعها بعزيمة صلبة وبإرادة قويّة للحفاظ على وطننا وعلى دولتنا وعلى السلم الأهلي".
في الأيام الأخيرة، عُقِدت اجتماعات عدّة داخل الحكومة، وبين الرئيس والوزراء، بشأن مشكلات نقص الخبز المدعوم في مناطق عدّة. وذكرت وسائل إعلام أن سعيّد قال في الآونة الأخيرة إنّ "الخبز خطّ أحمر بالنسبة إلى التونسيّين" وأنه يخشى تكرار أحداث الخبز التي أودت بحياة 150 شخصًا عام 1984 في عهد الحبيب بورقيبة.
وتدعم الحكومة التونسية المواد الاستهلاكية الأساسية من محروقات وخبز وقهوة وسكر وأرز. وتشهد البلاد منذ أشهر نقصًا متكرّرًا في المنتجات الأساسية كالسكر والحليب والأرز، عزا خبراء اقتصاديون أسبابها إلى طلب المورّدين دفع مستحقاتهم مسبقًا، وهو ما يصعب على تونس القيام به في ظل أزمة مالية حادة تعانيها.
رفض إصلاحات تشمل خفض دعم الغذاء
ودعمت حكومة نجلاء بودن برنامجًا للإصلاح الاقتصادي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لكن سعيد رفض أي إصلاحات من شأنها أن تشمل خفض دعم الغذاء والطاقة قائلًا إن القيام بذلك قد يتسبب في توترات اجتماعية حادة. وكان صندوق النقد الدولي أعطى ضوءًا أخضر لتونس في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، بإعلان موافقة مبدئية لمنحها قرضًا. لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1,9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية العام 2022 ولم تتقدم قيد أنملة.
ويبلغ دين تونس 80 % من إجمالي ناتجها المحلي وهي بحاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي (حوإلى 680 ألف موظف اداري وما لا يقل عن 150 ألف في الشركات العامة)، فضلًا عن نفقاتها الأخرى. وكان سعيّد قد عيّن بودن في 11 تشرين الأوّل/أكتوبر 2021، بعد ما يزيد قليلًا عن شهرين من احتكاره كامل السلطات منذ 25 تموز/يوليو 2021. ومنذ ذلك الوقت، تفرّد سعيّد بحكم البلاد من خلال مراسيم، واقترح دستورًا جديدًا أقر عبر استفتاء في صيف 2022. وبودن قليلة الظهور في وسائل الإعلام ونادرًا ما تدلي بتصريحات علنية. وغالبًا ما تواجه بانتقادات من المعارضة بكونها "ظل الرئيس" و"تفتقد إلى الفعالية الكافية".
وبعدما حلّ المجلس التشريعي السابق، أجرى سعيّد انتخابات برلمانية أقيمت على دورتين في كانون الأول/ديسمبر 2022 وكانون الثاني/يناير 2023، قاطعتها أحزاب المعارضة واقتصرت نسبة المشاركة فيها على زهاء 10 في المئة. وقام سعيّد مرارًا خلال الأشهر الماضية بإعفاء عدد من الوزراء من مهامهم، بمن فيهم وزير الخارجية عثمان الجرندي، من دون تقديم أسباب لذلك.
ومنذ شباط/فبراير الماضي، تم توقيف ما يناهز 20 معارضًا وشخصية سياسية في إطار حملة توقيفات واسعة طالت أيضًا زعيم حزب النهضة والرئيس السابق للبرلمان راشد الغنوشي. وتمت ملاحقة غالبية الموقوفين بتهمة "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" وقد وصفهم الرئيس التونسي بأنهم "إرهابيون". وتتّهم المعارضة سعيّد بتطويع القضاء لتصفية خصومه السياسيين، لكن الرئيس يكرّر أنّ "القضاء مستقلّ".
وأثارت الأزمة السياسية الناجمة عن خطوة سعيّد الذي حظي في بادئ الأمر بمساندة العديد من التونسيين، قلق المنظمات غير الحكومية التونسية والدولية التي أسفت لتراجع الحريات. وقالت منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي إنه "منذ احتكار الرئيس السلطة، واصلت السلطات طريق القمع عبر سجن عشرات المعارضين السياسيين ومنتقدي النظام، منتهكة استقلالية القضاء (و) ألغت ضمانات مؤسساتية في مجال حقوق الإنسان".
وتترافق الأزمة السياسية مع صعوبات مالية واقتصادية. فالدولة شبه عاجزة عن تمويل أي استثمار جديد، الأمر الذي يجعل البلاد تمر بركود اقتصادي مع نمو ضعيف يبلغ حوالي 2% وبطالة تزيد عن 15%. كذلك، تسعى الدولة بشكل متزايد إلى الاقتراض الداخلي عبر المصارف المحلية، مما يقوض سمعتها الدولية.
م.ع.ح/ع.ج.م (د ب أ ، أ ف ب ، رويترز)