تونس- حكومة جديدة أمام تحديات كبيرة.. فما فرص نجاحها؟
١٣ أكتوبر ٢٠٢١تصريحات إيجابية استُقبل بها خبر تعيين نجلاء بودن رئيسة لوزراء تونس، إذ اعتبر البعض ذلك مؤشراً لبداية خروج البلاد من نفق مظلم دخلته بعد احتدام الخلاف السياسي بين الرئيس قيس سعيد والبرلمان والحكومة، وما تبع ذلك من قرارات اتخذها الرئيس جمع بموجبها كافة الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في يده.
تحديات ضخمة
وستواجه حكومة بودن تحديات كبيرة لإنعاش الاقتصاد العليل ومكافحة الفساد. وقالت بودن، وهي استاذة جامعية متخصصة في علوم الجيولوجيا، إن من بين أولويات الحكومة أيضاً استعادة الثقة في الدولة واستعادة ثقة الشباب في نفسه إلى جانب استعادة ثقة الأطراف الأجنبية في تونس سياسياً واقتصادياً.
وقالت عقب أداء اليمين الدستورية إنها لن تجري تعديلات على هيكل الوزارات لضمان استمرارية العمل الإداري وإتاحة المجال للحكومة من أجل الشروع الفوري في العمل.
ورغم إعلان الرئيس التونسي عن الحكومة الجديدة، فإنه لم يلمح إلى موعد تخليه عن سيطرته على معظم السلطات التي جمعها بين يديه منذ يوليو/تموز، خاصة مع استمرار تعطيله للبرلمان عن العمل. وبموجب القواعد التي أعلنها الرئيس سعيد الشهر الماضي، عندما ألغى معظم مواد الدستور في إجراءات وصفها منتقدوه بأنها انقلاب، فإن الحكومة الجديدة ستكون مسؤولة في النهاية أمامه بدلاً من رئيسة الوزراء نجلاء بودن، وأيضاً ليس أمام البرلمان المنتخب.
أزمة اقتصادية خانقة
وفي أول بيان لها، قالت بودن إن "أولوية الحكومة ستكون خلق توازنات للمالية العامة للدولة العمومية وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، تهدف لتحسين مستوى عيش التونسيين وتحسين القدرة الشرائية". والإصلاحات التي أشارت إليها، كان عدد من المقرضين قد طالبوا بها بهدف إنعاش الاقتصاد، بينما ترزح البلاد تحت أسوأ أزمة مالية.
وكان البنك المركزي التونسي قد أعرب الأسبوع الماضي عن قلقه من النقص الحاد في الموارد المالية الخارجية، وحذر من أن تمويل عجز الميزانية ينطوي على مخاطر اقتصادية بما في ذلك زيادة التضخم وانخفاض احتياطياته من النقد الأجنبي وتراجع قيمة العملة المحلية. وتحتاج تونس هذا العام إلى ما لا يقل عن 3,5 مليار دولار لتمديد أجل الديون الخارجية ودفع رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام.
ومن المقرر أن تزور بودن باريس في أول مهمة رسمية لها خارج البلاد بهدف حشد الدعم المالي والسياسي لحكومتها، وذلك في الوقت الذي تتعالى فيه الانتقادات لفرنسا "لمساندتها إجراءات ديكتاتورية في تونس" بحسب ما وصفه معارضون.
ترحيب دولي وقلق مستمر
وفور الإعلان عن تشكيل الحكومة، هنأت عدة دول عربية وغربية تونس بهذه الخطوة. فمن الدول العربية، رحبت مصر بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، مُثمنة ما وصفته بـ "الجهود الوطنية المُخلصة التي تبذلها الدولة التونسية للاستجابة لتطلعات الشعب التونسي الشقيق نحو الازدهار والنماء".
فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان صحفي نشرته السفارة الأمريكية في تونس: "نهنئ تونس على تشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيسة الحكومة السيدة نجلاء بودن رمضان".
وكانت واشنطن قد أبدت "قلقها وخيبة أملها إزاء ما ورد من تونس في الآونة الأخيرة من تقارير عن "تجاوزات طالت حرية الصحافة والتعبير ومن توظيف للمحاكم العسكرية للتحقيق في قضايا مدنية". وقالت إنه "من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان كما ينص على ذلك الدستور التونسي ويؤكده المرسوم الرئاسي عدد 117".
وحثت الولايات المتحدة الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الجديدة على الاستجابة لما يدعو إليه الشعب التونسي من "وضع خارطة طريق واضحة المعالم للعودة إلى عملية ديمقراطية شفافة، تشمل المجتمع المدني والأطياف السياسية المتنوعة".
وفي هذا السياق، من المقرر أن تعقد لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي جلسة استماع بشان تونس في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بهدف "دراسة وضع الديمقراطية والخطوات القادمة للولايات المتحدة".
ضغوط دولية
ويضغط شركاء تونس ومن بينهم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، من أجل إطلاق حوار وطني يشمل الأحزاب والمنظمات ومكونات المجتمع بشأن الإصلاحات السياسية والتسريع بالعودة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية.
وكان أعضاء منظمة الفرنكوفونية قد توصلوا إلى قرار توافقي يقضي بتأجيل القمة الـ18 للمنظمة المقررة بجزيرة جربة التونسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لمدة عام. وقال ممثل تونس في الهيئة الدائمة لمجلس رابطة الدول الفرنكوفونية سليم خلبوص إن "المجلس الدائم للفرنكوفونية التابع للمنظمة الدولية للفرنكفونية، الذي شاركت في اجتماعه، قرر السماح بتأجيل تنظيم مؤتمر القمة العالمي للفرنكوفونية في جربة بتونس لمدة سنة".
يأتي هذا القرار في أعقاب الدورة الاستثنائية للمجلس الدائم للمنظمة بمشاركة ممثلي الدول والحكومات الأعضاء، وبعد أسبوعين من المشاورات التي أجرتها الأمينة العامة للمنظمة، لويز موشيكيوابو، مع السلطات التونسية وعدد آخر من الدول الأعضاء. ودارت نقاشات بشأن "مدى جاهزية تونس لاحتضان القمة في ظل تباطؤ التحضير اللوجيستي والأشغال في الجزيرة السياحية".
لكن وبحسب خبراء ومتابعين للشأن التونسي فإن القرار جاء بضغوط من المعارضة التونسية والجهات الفاعلة التي ترى أن الرئيس التونسي ينحى بتصرفاته منحى قادة تونس في عهد الديكتاتورية. وربما كان هذا هو ما دعا الرئيس التونيسي لاتهام معارضين بالتحريض ضد الدولة في مسعىً لإلغاء القمة، رداً على قراراته بإعلان التدابير الاستثنائية.
ضغوط داخلية
رغم أن قرارات سعيد الاستثنائية لقيت في البداية بعض الترحيب من أطياف مختلفة داخل تونس، لكن مع توسع الرئيس سعيد في تركيز السلطات المختلفة في يده وحده، بدأت الأصوات المعارضة في الارتفاع والازدياد.
وعلى مدى الأيام الماضية شهدت البلاد عدة تظاهرات حاشدة رفضاً لقرارات سعيد خوفاً من عودة البلاد الى عهود ما قبل ثورة الياسمين. وقبل أيام، طالب الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في تونس، بألا تطول الفترة الاستثنائية في البلاد وتوضيح الرؤية بعد الإعلان رسمياً عن الحكومة الجديدة.
ودعا سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد الذي يتمتع بثقل سياسي، إلى الإسراع أيضاً بوضع أجندة واضحة لتوضيح الرؤية بشأن الخطوات المتعلقة بوضع البرلمان وبالمراجعات الدستورية والقانونية لقانون الانتخابات وقانون الأحزاب والجمعيات.
ووجه الاتحاد في وقت سابق انتقادات بسبب التباطؤ في تكوين حكومة جديدة وعرض خارطة طريق لإدارة المرحلة وطرح الإصلاحات السياسية على طاولة حوار وطني، وهو ما لم يشر إليه الرئيس سعيد بشكل واضح ولكنه أكد أن الحوار سيكون مع "الشعب وممثلي الشباب في الجهات بالخصوص".
من جانبه، ألقى عبد الوهاب هاني الناشط الحقوقي التونسي والخبير الأممي في حقوق الإنسان باللوم في "إلغاء وتأجيل 3 ثلاث محطات دبلوماسية بباردو وتونس وجربة"، على قرارات الرئيس التونسي "واهتزاز الأداء السياسي والدبلوماسي للديوان الرئاسي وضعفه في تقدير الموقف الدولي".
ولعل هذه التحركات، وخصوصاً تلك التي قامت بها أطراف معارضة خارج البلاد، هي ما دفع الرئيس التونسي للحديث عن "أحد الأشخاص" والذي قال إنه تواصل مع عشرات الدول لإثنائها عن تنظيم القمّة بتونس، منتقداً بشدة هذا التصرف، وقال إن "التحضيرات للقمّة تم الانفاق عليها من أموال الشعب التونسي وإن عدم انعقادها يعني ضياع أموال الشعب "بفعل المغرضين".
وكان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، قد أكد في حوار أجراه مع قناة " فرانس 24" أنه سعى لإفشال عقد القمة الفرنكوفونية باعتبار أن "تنظيمها في بلد يشهد انقلابا هو تأييد للدكتاتورية" على حد قوله.
عماد حسن