تونس: خطر انتشار الفوضى والخوف من المستقبل
٩ فبراير ٢٠١٣خرجت DW عربية إلى شوارع تونس العاصمة بعد المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن على خلفية اغتيال القيادي البارز في الجبهة الشعبية وخلال يوم تشييع جنازته. حضرت قوات الأمن بقوة وسط غضب كبير على ما يحدث في تونس وإحساس بالخوف لدى فئات كبيرة من الناس. المحلات مغلقة بسبب الإضراب العام الذي دعت إليه أحزاب المعارضة وأكبر النقابات في البلاد.
تحدت جموع التونسيين الاضراب العام ووطأته على الناس وتحدت الأمطار والبرد القارس القادم من مرتفعات الشمال الغربي التي تشهد سقوط الثلوج. نزل الآلاف إلى الشوارع للتعبير عن خوفه على مستقبل البلاد وتشييع السياسي والحقوقي بلعيد.
التقت DW عربية عدداً من الشباب وحاورتهم حول رؤيتهم لمستقبل بلادهم على ضوء الأحداث التي يعيشونها. رغم مشاعر الخوف والألم والغضب الذي يعصر قلوب الجميع على الأوضاع التي آلت إليها بلادهم، عبر لنا كثير من التونسيين عن الخوف من الفوضى، ولكن تحدث بعضهم عن بصيص أمل في مستقبل أفضل.
أبواب الفوضى مفتوحة على مصراعيها
يرى العديد من الشباب أن تونس تعيش مرحلة من الفوضى قد تتواصل لأشهر، إذا لم تصل الأطراف السياسية إلى توافق عام. وتقول إيمان التي كانت ترافق زوجها إلى جنازة الفقيد شكري بلعيد "لا أفق اليوم واضح للوضع في تونس، إذ أصبحت خائفة أكثر من ذي قبل". وتضيف بغضب وألم "أنا أرقد يوميا ثم أقوم على الخوف، خوف لم أشعر به من قبل رغم أني بلغت الثلاثين، خوف علي بلدي، خوف على عائلتي...".
ويرى آخرون أن أهل السياسية يساهمون بشكل كبير في نشر الفوضى، إذ لا تحتاج تونس المزيد من التوتر والفوضى، والدعوة التي أطلقتها النقابات وأحزاب المعارضة غير مبررة اطلاقا. ويقول وليد مهني، موظف بشركة خاصة، وقد قابلناه وهو في طريقه إلى العمل "لا يوجد أي مبرر اطلاقا للإضراب العام اليوم وفي هذا الظرف الاقتصادي الصعب". ويصف حالة البلاد بأنها فتنة قائمة ويتمنى أن يستفيق الشعب التونسي لدرء الفتنة وتجنب الفوضى. ويقول وليد "هناك أيادٍ خارجية تقف خلف تأجيج حالة الفوضى، وأنه أصبح خائفا اليوم على تونس".
ويعرب البعض الأخر من الشباب عن احباطه من عدم تحقيق أهداف الثورة من حرية وكرامة وشغل، والتوجه بخطى حثيثة نحو الفوضى. ويعتبر صلاح الطيبي أن تونس تشهد بوادر "حرب أهلية" غير معلنة وصراع سياسي عنيف بين التيارات الفكرية والتكتلات السياسية المختلفة. ويوضح الطيبي أنه يخاف اليوم على تونس وعلى نفسه وعائلته وعلى كل مواطن مهما كان توجهه السياسي. ويأمل أن لا ترد الجبهة الشعبية، التكتل السياسي للفقيد شكري بلعيد، على العنف بالعنف، مما قد يولد دوامة من العنف والفوضى لن تنتهي.
الخوف على المستقبل
ويتفق الشباب التونسيون على أن بلادهم تعيش أزمة سياسية كبيرة تحتاج فيها النخب إلى تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة. ويرى كثيرون أن مبادرة السيد حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية تحمل في طياتها بذور حل وتوافق وطني، ولكن رفض جزء كبير من حركة النهضة الاسلامية لفكرة حكومة تكنوقراط يمكن أن يجهض في المهد مبادرة أمينها العام. ويرى آخرون أن حمادي الجبالي تنازل كثيرا لصالح أحزاب المعارضة التي ما فتئت تطالب بحكومة مستقلة عن الأحزاب وأن الانتخابات أعطت النهضة الأغلبية وعليها التمسك بها لتنفيذ مشروعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ويقول وليد المهني في هذا الصدد "حمادي الجبالي عمق الأزمة السياسية التي تعيشها تونس بفعل تسرعه في إعلان مشروع حكومة كفاءات. ورغم تقديره لموقف رئيس الحكومة الذي يعبر عن خوف صادق على مصلحة البلد، إلا أنه لا يوافقه فى طرحه ويرى أن عليه استشارة حكومته وحركته السياسية.
ولا يوافق صلاح الطيبي على هذا الطرح إذ يرى أن الجبالي فهم الوضع العام للبلاد وقدم مبادرة فردية وأصبح بين يوم وليلة معارضا لحزبه الذي يتمنى الطيبي أن يوافق على هذه المبادرة السياسية الجديدة ويجنب البلاد المزيد من الفوضى.
ويلاحظ بعض الشباب أن على الأحزاب الوطنية تقديم تنازلات لإنجاح المرحلة الانتقالية التي لا يمكن أن ينفرد بتسييرها شق سياسي واحد وإن تمتع في فترة ما بأغلبية مريحة، إذ أن التوافق أساسي في المراحل الانتقالية بجل البلدان التي عاشت ثورات وتحولات سياسية.
الخوف من التشدد وعودة النظام القديم
ويعبر العديد من الشباب الذين التقتهم DW عربية، عن الأمل في أن تتوحد البلاد ضد مظاهر التخلف والعنف، ويتمنى كثير منهم أن يكون اغتيال المعارض التونسي فرصة لإعادة بناء اللحمة الوطنية وتعاون مختلف الأطراف السياسية لإنقاذ البلاد.
ولا يخفي البعض خوفه من عودة النظام القديم للتشكل في ظل التجاذب الايديولوجي وفشل النخبة السياسية في بناء المؤسسات القادرة على حماية البلاد من السقوط مجددا تحت وطأة الديكتاتورية القديمة أو الانزلاق نحو الفوضى.
ويعرب الكثير من الشباب عن الخوف من نشأة دكتاتورية دينية مستبدة لا تضمن الحريات العامة وتنتهك الحريات الفردية. ولا يخفي البعض تخوفهم من التيارات الدينية المتشددة التي ظهرت للعلن بعد الثورة وباتت تهدد السلم الاجتماعي.