بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد ـ تونس أمام منعطف جديد؟
٧ فبراير ٢٠١٣لا تكاد تونس تخرج من أزمة سياسية حتى تجد نفسها قد دخلت أخرى. فبعد الإعلان عن التوصل لصيغة توافقية لتسوية الخلاف بين الأحزاب المٌشكِّلة للائتلاف الحاكم بسبب التعديل الحكومي الذي كاد يعصف بالائتلاف، استفاقت تونس يوم أمس الأربعاء (السادس من شباط/ فبراير) على وقع جريمة اغتيال شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين المنتمي لتحالف الجبهة الشعبية اليسارية. والذي قضى على يد مجهولين بعد إصابته بطلقات نارية في أول اغتيال سياسي تشهده البلاد.
الحبيب عمار، وهو منسق جهوي لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد في جهة قفصة وعضو في اللجنة المركزية للحزب، يقرأ في هذا الاغتيال رسالة مفادها أن "تونس لا تتسع لمن لا يتفق مع برنامج حزب النهضة" الذي يحمله مسؤولية اغتيال شكري بلعيد باعتباره الحزب الأكبر الذي يقود التحالف الحكومي. ويقول الحبيب عمار في حوار مع DW عربية "نحن نعتقد ونؤمن أن من يحكم البلاد هو المسؤول على أمن المواطنين، كما هو جار به العمل في كل دول العالم. الحكومة بقيادة حركة النهضة، الحزب الأكبر في الحكومة، هي المسؤولة" عن هذا الاغتيال.
ومن جهته، يرى لوتس روغلر، الباحث الألماني المتخصص في قضايا الإسلام السياسي في مصر والمغرب العربي، أن اغتيال شكري بلعيد هو "نتيجة لحدة الاستقطاب السياسي الذي تشهده تونس" منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة، معتبرا أن هذا الحادث بمثابة صورة للأزمة السياسية التي تمر منها البلاد منذ عدة أشهر. وتوقع روغلر أن يكون لهذا الحادث تأثيرات سلبية على عملية الانتقال الديمقراطي ستزيد من الصعوبات السياسية، إلا أنه أشار أيضا إلى أن حدث الاغتيال يمكن أن يكون بداية البحث عن توافق جديد بين القوى السياسية المتعارضة في تونس.
حكومة كفاءات وطنية كان مطلبا لبلعيد
وفي أول رد فعل ذي طابع إجرائي على مقتل شكري بلعيد، أعلن رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي عزمه تشكيل حكومة كفاءات وطنية لا تنتمي لأي حزب سياسي في مهمة محدودة، وهي تسيير شؤون البلاد حتى تحديد موعد للاستحقاقات الانتخابية، وذلك بهدف إنقاذ البلاد من الفوضى ووقف مسار الانتقال الديمقراطي. وهذا مطلب كان قد دعا إليه المعارض المغتال شكري بلعيد في المؤتمر الوطني للحوار الذي انعقد في 16 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي تقييم لمبادرة الجبالي، قال لوتس روغلر، في حواره مع DW عربية إن"هذا الإجراء جاء، من جهة، استجابة لمطالب قوى المعارضة. ومن جهة أخرى يعتبر رد فعل لتجنب الصعوبات السياسية التي منعت تشكيل حكومة ائتلافية جديدة في تونس لحد الآن". في حين اعتبر الحبيب عمار ما أقدم عليه الجبالي من الدعوة لحكومة تكنوقراط التفاف جديد على مطلب اعتبره وطنيا. ونبه عمار إلى أن الجبالي قال "لم أستشر أحدا وإنما استشرت ضميري فقط". واستطرد قائلا " الجبالي ليس هو ضمير الأمة وليس مؤهلا لأن يحدد خيارات تونس، فتونس يحدد خياراتها كافة أبنائها بكل أطيافهم السياسية". وشدد على أن حكومة الكفاءات الوطنية يجب أن تُكون باتفاق وطني، وليس الجبالي من له الحق في تكوينها بمفرده".
وفي تطور جديد، أعلنت حركة النهضة التونسية رفضها لخطة رئيس الحكومة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة غير سياسية، مشيرة على لسان نائب رئيسها إلى أن الجبالي تسرع في قراره، مما من شأنه أن يدخل الحركة في حالة انقسام شديد بعيد اغتيال المعارض بلعيد. وكان هذا الإعلان متوقعا خاصة وأن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي كان قد دعا إلى عكس ما ذهب إليه حمادي الجبالي، حيث اقترح تشكيل حكومة وطنية تجمع كل الأحزاب السياسية.
الإجراءات الكفيلة باحتواء الأزمة
ويرى الحبيب عمار أن طريق الخروج من الأزمة يمر عبر "إسقاط الحكومة الحالية، وتكليف المجلس التأسيسي بتأليف حكومة كفاءات وطنية" تحظى بإجماع كافة القوى السياسية. ومن بين الحلول التي يقترحها عمار أيضا لاحتواء الأزمة "إنهاء إجراءات وضع الدستور الجديد من طرف المجلس التأسيسي في أسرع وقت ممكن، ووضع هيئة عليا للانتخابات وهيئة عليا لقضاء مستقل وأخرى للإعلام". ثم إجراء انتخابات تنقل تونس من مرحلتها الانتقالية إلى وضع مستقر.
وعلى ضوء المعطيات الجديدة التي تنذر باستمرار الخلاف بين قوى المعارضة والحكومة من جهة، وبين قيادات حركة النهضة فيما بينهم بخصوص تشكيل حكومة غير سياسية من جهة أخرى، يبدو أن أياما عصيبة تنتظر تونس مهد ثورات الربيع العربي. ولعل استمرار الغليان والاحتقان الذي يعرفه الشارع التونسي، خاصة بعد اغتيال شكري بلعيد قد يكون مؤشرا على أن الأزمة قد أخذت منعطفا جديدا.