تونس: اغتصاب الطفلة عزيزة يتحول إلى قضية رأي عام
٥ أبريل ٢٠١٣انتقلت DW عربية إلى ضاحية المرسى الجميلة التي تغنى بها فريد الأطرش في أغنيته "بساط الريح". البياض الناصع يلف الأزقة وشمس الضحى الساطعة تزيد من جمال المكان، ولكن عندما يتخيل الإنسان ما حصل لبنت في عمر الزهور في روضة الأطفال التي تؤمها عند كل صباح لتتعلم بعض الحروف وتغني بعض الأناشيد البريئة، يغيب كل الجمال المحيط وينسى الإنسان أنه في المرسى.
وإثر الكشف عن حادثة الاغتصاب باشر قاضي تحقيق في تونس العاصمة التحقيق في الملف، وتتجه المؤشرات لحد الآن إلى اتهام حارس حضانة الأطفال التي وقعت فيها حادثة الاغتصاب للطفلة. وقد جرى تمثيل الجريمة في موقع الحادثة.
بحثنا عن منزل العائلة، ولم نكن نتصور أن كل من سألناه يعرف القصة وروضة الأطفال ومكان سكن العائلة في هذه الضاحية الكبيرة، فالحادثة تشغل كل الناس في المنطقة بمختلف شرائحهم، والكل مهتم بما حصل ويسأل عن آخر الأخبار والتحقيقات حول الموضوع. لم يدم بحثنا طويلا عن المنزل. وقفنا وكانت هناك قناة تلفزيون محلية تقوم بالتصوير أمام المنزل المتواضع للعائلة. طرقنا الباب وانتظرنا لبرهة، استقبلتنا امرأة شابة في مقتبل العمر، والدة البنت عزيزة. كان كل شيء في ملامحها يوحي بالتعب والإرهاق. رحّبت بنا ثم تركتنا لبرهة لتجيب على الهاتف ثم عادت لتجيب مرة أخرى على الجوال. اعتذرت منا قائلة "هاتفي يرن طول الوقت، منذ أن ظهرت قضية ابنتي للعلن وتتالى الزيارات يوميا لمنزلنا حتى إني أفكر جديا في تغيير مقر سكني".
الرعاية النفسية ضرورية
تقول والدة عزيزة أن حالتها النفسية وكل عائلتها بما في ذلك طفلتها صعبة. "نحن متعبون بشكل كبير مع ابنتي، حالتها النفسية متدهورة إذ ترفض أن يحضنها والدها وتخاف كل الرجال، لقد تحسن وضعها قليلا عما كان عليه في الأيام الأولى التي تلت الحادثة إلا أنه لم يتحسن كثيرا. ورغم متابعة الطبيب النفساني، الذي وضعته مندوبية الطفولة التابعة لوزارة المرأة والطفولة، لعزيزة، إلا أن حالتها لا تزال صعبة". وتبين والدتها أن طفلتها لا تزال تعيش كل يوم جريمة الاغتصاب وتكشف في كل يوم عن تفاصيل جديدة. وإنها فقدت شهية الأكل وانخفض وزنها لقرابة العشرة كيلوغرامات."
كانت الأم تحدثنا عن عزيزة وكيف كانت تتصرف قبل الحادثة، عندما ولجت الغرفة طفلة رقيقة الملامح ضعيفة البنية تجاوزت ربيعها الثالث ببعض الأشهر، جاءت تسأل أمها نقودا لتشتري بعض الحلوى من المحل المجاور لمنزلهم... وتبعتها جدتها داخل الغرفة لترافقها إلى الشارع وفي عينيها بعض الحزن والأسى والعطف.
وحول مستقبل عزيزة، تقول أمها إنها ستعمل على توفير الرعاية اللازمة لابنتها خصوصا في الأشهر القادمة واختيار مؤسسة تعليمية تتوفر فيها شروط الرعاية. وتُحمل مسؤولية ما جرى لابنتها على روضة الأطفال وغياب الرعاية اللازمة من قبل الجهات التربوية بالروضة.
ظاهرة العنف ضد الأطفال قديمة جديدة
وبعد الاهتمام الإعلامي الكبير بحادثة اغتصاب عزيزة التي هزت الرأي العام بدأت الألسن وصفحات الجرائد في تداول عديد القضايا الأخرى، التي حدثت في بعض المناطق. وحول هذه الظاهرة يقول الدكتور معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل في حديث لـ DW عربية إن العنف بمختلف أشكاله من تحرش جنسي واغتصاب وعنف جسدي موجود منذ سنين وقد تفاقم بعد الثورة وأصبح محل متابعة من الإعلام. ويؤكد أن الاغتصاب موجود في مراكز رعاية الطفولة المندمجة وسجون الأحداث والمدارس والمعاهد. وتحاول عائلات الضحايا في أغلب الأحيان كتمان الخبر ومداراة "الفضيحة" إذ أن المجتمع التونسي لا يرحم الجاني ولا الضحية على حد السواء.
ويصف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل واقع مؤسسات الطفولة "بالصعب والرث"، إذ يبين أن هناك تراجع في منظومة حماية الطفولة وتعدد الانتهاكات في ظل غياب دور مندوب حماية الطفولة في تفعيل القوانين التي تحمي الأطفال والتي تخول له دخول أي مؤسسة تربوية أو غيرها لمراقبة واقع الطفولة بها.
ويعتبر المختصون أن الواقع الحالي للطفولة يحتم رعايتها وتوفير تعليم لها يتماشى وسن الطفولة المبكرة ويأخذ بعين الاعتبار حاجيات الفئات المهددة من رعاية نفسية واجتماعية واقتصادية. ويتساءل معز الشريف "أين الدولة في مجال رعاية الطفولة في الأحياء الصعبة والمدارس الريفية؟" ويبين بأن الدولة غائبة وغير موجودة، ملفتا إلى أن بين 60 ألف أو 80 ألف طفل ينقطعون عن التعليم مبكرا ويصبحون ضحية الانحراف والعنف والاستغلال الجنسي وغيره.
مقاومة رياض الأطفال العشوائية
وتحت ضغط الرأي العام اثر حادثة اغتصاب عزيزة، "ستطلق الحكومة حملة لإغلاق رياض الأطفال غير المرخص لها" حسب تصريحات إعلامية لسهام بادي، وزيرة المرأة والطفولة، التي تلاقي تهديدا بسحب الثقة منها بالمجلس التأسيسي، ونقدا من الناشطين في مجال رعاية الطفولة على خلفية الحادثة. وتشير جمعيات رعاية الطفولة ومهنيي قطاع رياض الأطفال إلى "انفلات كبير" في فتح رياض الأطفال والمدارس الدينية التي تعمل خارج القانون وبعيدا عن الرقابة التربوية والصحية لأجهزة الدولة.
ويعاني قطاع محاضن الأطفال من تنامي ظاهرة المدارس "الفوضوية" و"المدارس القرآنية" التي تفاقمت بعد الثورة والتي تنشط تحت أسماء جمعيات دينية أو خيرية. ويعتبر أهل المهنة أن هذا النوع من المؤسسات يعتبر تهديدا وخطرا محدقا بالطفولة و"متاجرة باسم الدين" و"مغالطة" للأولياء الذين يبحثون عن مؤسسات قادرة على احتضان أطفالهم وتوفير الرعاية لهم.
ويرى كثير من المتتبعين لملف رياض الأطفال في تونس أن الموضوع أصبح محل تجاذب ومزايدات سياسية، ولكن يقرون بأن ذلك لا يحجب أن الإشكاليات والتحديات التي تواجه رعاية الطفولة في تونس حقيقية وأن إصلاح المنظومة التربوية ككل أصبح ضروريا.
وفي انتظار جلسة المحكمة، تعالت الأصوات في تونس منادية بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام على المتهم في قضية اغتصاب الطفلة عزيزة، بيد أن منظمة هيومن رايتس ووتش حذرت من هذا المنحى واعتبرته "انتكاسة لأن تونس أوقفت تنفيذ حكم الإعدام (..) وهذا خطير جدا".". ونفذ آخر حكم بالإعدام في تونس عام 1991 ضد منحرف أدين بقتل 14 طفلا بعد اغتصابهم. وتواصل المحاكم التونسية النطق بعقوبة الإعدام رغم أن تنفيذها متوقف منذ 22 عاما.