قضية الفتاة المغتصبة "مريم"، هل توقف مخاوف التونسيات؟
١٦ أكتوبر ٢٠١٢في عين زغوان الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، على مسافة عشرة كيلومترات من وسط المدينة، وعلى الطريق الذي يقود إلى المرسى، ضاحية شاطئية وسكنية هادئة، وقعت فيها عملية اغتصاب ارتكبها ثلاثة من رجال الشرطة على فتاة تونسية تبلغ من العمر 27 سنة عندما كانت برفقة صديقها ليلاَ في جولة على متن سيارة.
وقد تفاعلت قضية الفتاة المغتصبة وتحولت إلى قضية رأي عام في تونس، وتسود حاليا أجواء ترقب لصدور حكم القضاء النهائي في القضية، وقد أبدت فعاليات عددية تضامنها مع قضية الفتاة المغتصبة، وخاصة من خلال صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. ووصفت بعض صفحات فيسبوك وزارة الداخلية تهكما ب"وزارة الاغتصاب الشرعي" ونشروا على صفحات الفيسبوك تعاليق عدة مثل "هي اغتصبوها ثم اتهموها" و"اصمتوا، الشرطة تغتصب التونسيات".
مروى الفقيه طالبة 25 سنة قالت في حديث لـDW عربية أن ما حصل للفتاة "مسألة خطيرة وانتهاك لحقوق المرأة وتعد على حرمتها الجسدية". وأضافت"كل ما نطلبه الآن هو استرجاع حق هذه الفتاة المتضررة، وفرض أشد العقوبات على رجال الشرطة الذين اعتدوا عليها حتى يكونوا عبرة لغيرهم". وأضافت"حتى لو كانوا ضبطوها في وضع مخل مع خطيبها كما يزعمون، فهؤلاء أخلوا أولاً بواجبهم الوظيفي، ثم ارتكبوا الفاحشة رغما عن الطرف الآخر، فضلا عن جريمة الرشوة، حقا انه فعل لا يغتفر".
تفاصيل الجريمة
بعيون باكية وصوت خافت سردت الضحية لـDW عربية وقائع الجريمة: "في الليلة الفاصلة بين 3 و4 سبتمبر أيلول وتحديدا عند الساعة منتصف الليل، كنت برفقة خطيبي في سيارتي نتحدث حينما اقتربت منّا سيّارة مدنية داخلها ثلاثة شبّان، نزل ثلاثتهم وتوجهوا نحونا فعرفنا بأنهم أعوان أمن، تقدم أحدهم لمرافقي وأمره بالنزول" وأضافت قائلة "اقتادني الآخران إلى سيارتهم ووضعاني في الخلف ثم صعد زميلهم الثالث في سيارتنا ناحية المقود وأخذ رفيقي وابتعد به عن المكان ليبتز منه مبلغ 300 دينار(اليورو يعادل 1.8 دينار تونسي)".
وقالت الفتاة التي يطلق عليها اسم "مريم" تفاديا لذكر اسمها الحقيقي، إن رجلي الشرطة توجها إليها بأسئلة عما يمكنها أن تقدمه لهما، وأنها أخبرتهم بأن لديها 40 دينارا،لكن الرجلين "سخرا من كلامي وأخبراني أنّهما يريدان شيئا آخر، وقام احد الأعوان بالجلوس قربي"..وقالت الفتاة بتأثر كبير"باشر باغتصابي بينما لازم زميله مكانه في انتظار دوره، حيث أخذ مكانه في مرحلة ثانية وتداولا على اغتصابي، وتواصل ذلك تقريبا لأكثر من ساعة، فحتى توسلاتي ودموعي لم تفلح في صدهم ".
وبعد أن غادر رجال الشرطة مكان الواقعة، تروي الفتاة "توجهت رفقة صديقي إلى اقرب مركز شرطة لتقديم شكوى ضد المغتصبين وكذلك إلى المستشفى أين عاينني الطبيب الشرعي ليؤكد وقوع الجريمة". وقالت انه رغم محاولات رجال الشرطة إقناعها بالتنازل عن القضية إلا أنها رفضت وتمسكت بحقي في تتبعهم.
والأخطر بالنسبة للفتاة، أنها لم تكن تتوقع حدوث ضرر وهي بحضور رجال الشرطة حيث مهمتهم الأساسية مكافحة الفساد وحماية أمن المجتمع. ووصفت الفتاة الحادثة قائلة" الذي حصل في حقي بشعا وفظيعا وعمل وحشي وجريمة لا تغتفر".
الضحية تتحول إلى متَهمة
قضية الفتاة "مريم"، سرعان ما تحولت من حادثة اغتصاب إلى قضية رأي عام شغلت ولاتزال تشغل العام في تونس، خاصة بعد أن تحولت في بدايتها الفتاة من ضحية إلى متهمة بـ"المجاهرة بما ينافي الأخلاق الحميدة" والتي تصل عقوبتها إلى السجن إلى 6 أشهر وغرامة مالية قدرها ألف دينار وفقا للقانون التونسي. وقد اعترفت الفتاة أن صدمتها من الحادث دفعها إلى محاولة الانتحار"حاولت وضع حد لحياتي بعد هذه التهمة، كنت انتظر معاقبة الفاعلين وتجريمهم، فإذا بهم يحولونني إلى مذنبة ويتهمونني بالإخلال بالآداب العامة، فقط من اجل تبرئة أعوانهم".
وأضافت أن المساندة التي وجدتها من التونسيين ومنظمات المجتمع المدني زادها تمسكا بقضيتها وعزيمة للدفاع عن حقها حتى يأخذ المجرمون جزاءهم. "اليوم لا مجال للخوف والسكوت وأدعو كل فتاة انتهكت حرمتها الجسدية أن تدافع عن نفسها، فما حصل معي يمكن أن يحصل مع أي فتاة أخرى خاصة في الوضع الحالي للبلاد".
وقد قوبلت التهمة التي وجهت للفتاة "بخدش الحياء العام"، بموجة رفض واحتجاج من قبل العديد من المنظمات الحقوقية وخاصة النسائية، التي اعتبرت أن الفتاة ضحية، ولا يجب أن تتحول إلى جانية أو متهمة. وتطوع ما يفوق 20 محاميا ومحامية للدفاع عن الشابة المغتصبة ومن بينهم محاميات من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وأعضاء بالمجلس التأسيسي التونسي.
المحامية وأستاذة القانون منية بوسالمي ترى في حوار لـDW عربية أن "هذه الحادثة برهنت على استمرار تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وخصوصا المرأة في البلاد بعد الثورة". وأضافت بأن لاشيء يبرر الاغتصاب مهما كان الوضع الذي وجدت فيه الفتاة رفقة خطيبها مشيرة انه كان من الضروري أن يُتعامل معها طبقا للقانون لا اغتصابها.
وتحت وطأة ضغط هيئات المجتمع المدني والصحافة المحلية والدولية، أبدت الحكومة التونسية من جهتها تغييرا في طريقة تعاطيها للموضوع، فبعد ان اعلنت وزارة الداخلية في بداية ظهور القضية ان الفتاة متهمة في قضية "خدش للحياء العام"، تحدث وزير العدل التونسي نور الدين البحيري القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، بنبرة مختلفة، قائلا أن الشرطيين "المتورطين" في اغتصاب الفتاة سيعاقبان وفق القانون، نافيا أن يكون القضاء التونسي "حوَل المتضررة إلى متهمة".
حريات المرأة هل هي في خطر؟
وبرأي الخبيرة القانونية التونسية، منية بوسالمي، فإن" ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة سواء اللفظي المادي او المعنوي تضاعفت 3 مرات على ما كانت عليه في ظل نظام بن علي" وعللت ذلك بما وضفته "سياسة صمت ولا مبالاة من قبل أجهزة الدولة على الانتهاكات التي ترتكب كل مرة ضد حقوق المرأة وحرياتها".
وقد كشفت دراسة أعدتها الديوان التونسي للأسرة (مؤسسة حكومية)نشرت نتائجها مطلع الشهر الحالي، أن 47 % من النساء التونسيات تعرضن للعنف على الأقل مرة واحدة في حياتهن، وأن المجتمع التونسي يجعل من المرأة كائنا خاضعا للسيطرة الذكورية وسلطة المجتمع والتقاليد والأعراف.
احلام بالحاج رئيسة منظمة النساء الديمقراطيات، تعزو تراجع أوضاع المرأة التونسية إلى "التسامح والتساهل الذي تبديه وزارتا الداخلية والعدل تجاه الجماعات المسؤولة عن هذه الاعتداءات" مشيرة إلى ان "ذلك يعد ثمرة من ثمرات حكم الاسلاميين". وقال الناشطة التونسية لـDW عربية إن اغتصاب فتاة من قبل رجال شرطة "فعل لا يمكن تبريره" مشيرة إلى ان القاء التهمة على الضحية وإخضاعها للمحاكمة بتهمة خدش الحياء العام أمر غير مقبول من شانه التشجيع على مزيد ارتكاب العنف الجنسي والجسدي على المرأة وفتح الباب أمام مزيد من الاعتداءات عليها. واتهمت الناشطة التونسية، في هذا الصدد، مؤسسات الدولة بمحاولة "التضييق على حريات النساء تحت غطاء الحفاظ على الأخلاق الحميدة في إطار خطة ممنهجة لإضفاء الطابع الإسلامي في المجتمع وتدمير المكاسب الحداثية".
وقالت الناشطة التونسية"يبدو أننا أمام حملة أخلاق تقودها الشرطة تطبيقا لأوامر قيادييها تستهدف حريات النساء خاصة حرية اللباس والتنقل" واعتبرت ان حريات المرأة وحقوقها "باتت مهددة اليوم أكثر لأنها أصبحت تعاني عنفا اخطر تمارسه السلطة التنفيذية وخاصة البوليس ضد النساء المتحررات تحول في بعض الاحيان إلى حملة مداهمات واعتقالات وغالبا بسبب طريقة لباسهن".
وفي رده على الانتقادات الموجهة للحكومة، أبدى رئيس الوزراء حمادي الجبالي، القيادي في حزب النهضة تأييده لمطالب هيئات المجتمع المدني بمعاقبة الجناة وإضفاء البعد الحقوقي على قضية الفتاة بدل الحديث عنها كقضية خدش للحياء. وقال الجبالي مقابلة مع صحيفة "لو سوار" البلجيكية قال إن "هذا التصرف من رجال شرطة امر لا يغتفر، ولا يوجد أي مبرر لهذا الفعل الهمجي الذي يتعارض مع كل قيمنا الاخلاقية". وضاف "بصفتي رئيسا للحكومة أدين فعل هذين الشرطيين اللذين سيحاكمان بقسوة". وتابع "ربما تكون هناك، وفقا للسلطة القضائية، حالة خدش حياء، لكن المهم في هذه القضية هو الاعتداء المرفوض على كرامة امرأة".