تنصيب البشير بين "الواقعية السياسية" و"ثقافة الإفلات من العقاب"
٢٧ مايو ٢٠١٠بدا الموقف اليوم (الخميس 27 مايو/أيار 2010) سرياليا في مقر البرلمان السوداني في الخرطوم خلال مراسم حفل تنصيب الرئيس السوداني عمر البشير لفترة رئاسية جديدة مدتها خمسة أعوام، ليس فقط بسبب عملية انتخابية صاحبتها مقاطعات ومزاعم تزوير ولكن أيضا بسبب غموض موقف المجتمع الدولي الذي حضر بعض ممثليه حفل تنصيب رئيس مطلوب رسميا لدى المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بالوقوف وراء عمليات قتل جماعية في دارفور. وحضر الاحتفال ممثلون عن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودبلوماسيون من دول الاتحاد الأوروبي وزعماء عرب وأفارقة.
حضور وإن تفاوت مستوى تمثيله الدبلوماسي بين دولة وأخرى، إلا أنه يطرح أكثر من علامة استفهام حول المنطق الذي يحكم علاقة المجتمع الدولي بشخص البشير، في ظل احتجاجات المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها منظمة العفو التي اعتبرت "المشاركة في حفل تنصيب البشير رسالة مرعبة إلى ضحايا دارفور والعالم". واتسمت نبرة انتقاد منظمة "هيومان رايتس ووتش" بنفس الحدة التي قالت في بيان لها اليوم "إن الدبلوماسيين الذين يحضرون تنصيب البشير سيثيرون السخرية من دعم حكوماتهم للعدالة الدولية". ولكن هل يمكن تحقيق العدالة الدولية هكذا بمجرد جرة قلم تتجاهل تعقيدات الواقع السياسي السوداني ومتاهاته؟
هل الاحتفال إفلات من العقاب؟
في حديث لدويتشه فيله اعتبرت آنيا دارغاتس Anja Dargatz الخبيرة في الشؤون السودانية وممثلة مؤسسة فردريش ايبرت Friedrich-Ebert-Stiftung الألمانية، أن موقف المجتمع الدولي الغامض هذا "لم يبدأ بحفل التنصيب بل قبل ذلك حينما تم الاعتراف بشرعية الانتخابات" وأضافت أن هذا الموقف "كان أيضا موقف معظم المنظمات الدولية". وإذا كان المراقبون يقرون من الناحية المبدئية بصعوبة تنظيم انتخابات في بلد كالسودان، إلا أن الخبيرة الألمانية اعتبرت أنه كان من المفروض تبني موقف بناء ومتوازن يسجل "عدم استجابة الانتخابات للمعايير الدولية" من جهة و"التفكير في حل انتقالي بالدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة" من جهة أخرى.
أما الأمم المتحدة فكلفت مديري بعثتي حفظ السلام التابعتين لها في السودان بحضور مراسم أداء البشير اليمين الدستورية في خطوة قد تضعف من مصداقية المنظمة الدولية. وتزامنت هذه التطورات مع تقديم المحكمة الجنائية الدولية وثيقة لمجلس الأمن الدولي تتهم السودان بالمماطلة في تسليم الوزير السابق أحمد هارون وقائد للمسلحين، وكلاهما مطلوب مطلوب للمحكمة. غموض موقف الأمم المتحدة هذا يضع مصداقيتها على المحك خصوصا وأن منظمة العفو الدولية ركزت في تقريرها السنوي الذي صدر اليوم على ما أسمته انتشار ثقافة الإفلات من العقاب مشيرة إلى حالة دارفور أو إسرائيل وحركة حماس حيث لم تتمكن العدالة الدولية من قول كلمتها بعد حرب غزة لاعتبارات "الواقعية السياسية".
مستقبل السودان على يد عفريت؟
حالة الرئيس البشير بالتحديد تختزل لوحدها تناقضات العدالة الدولية وحدودها في نفس الآن. وفي هذا السياق اعتبرت آنيا دارغاتس أن حضور المجتمع الدولي في السودان لم يتوقف أبدا وعل جميع الأصعدة حتى بعد صدور مذكرة الاعتقال، واستطردت قائلة "المنظمات الدولية تتحدث يوميا مع السلطات السودانية بما في ذلك ممثلو الرئاسة". وقللت الخبيرة الألمانية من شأن المشاركة في احتفال التنصيب من عدمه وأوضحت بهذا الصدد "حتى لو افترضنا أن الانتخابات السودانية كانت نزيهة، فإن ذلك لن يغير شيئا في مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية"، معتبرة أن الانتخاب الديمقراطي ليس صكا للغفران ينقذ صاحبه من المتابعة القانونية.
وعلى هذا الأساس تثير حالة البشير أسئلة تتجاوز المستوى القانوني لتشمل تعقيدات سياسية في بلد يوجد على حافة بركان، فبالإضافة إلى الوضع في دارفور وغليان المشهد السياسي الداخلي فإن السؤال المحوري الذي تطرحه معظم التقارير الدولية الخاصة بالسودان، يتعلق بمستقبل هذا البلد في أفق تنظيم استفتاء تقرير المصير عام 2011 طبقا لما أقرته اتفاقية نفاشا، استفتاء قد تفجر نتائجه حربا أهلية لا تحمد عقباها. وأمام هذا السيناريو يبدو مستقبل السودان في يد عفريت خصوصا أمام غياب تصور دولي واضح لمرحلة ما بعد الاستفتاء. فهل الأولوية لإلقاء القبض على البشير أم لاستقرار السودان؟ وتتقاسم الخبيرة الألمانية آنيا دارغاتس هذا التشاؤم وهي التي تعيش في الخرطوم، إذ لاحظت أن "الوضع في تشنج مطرد مقارنة مع الفترة التي سبقت الانتخابات"، ما يعني أن الأخيرة لم ولن تحل مشاكل السودان.
الكاتب: حسن زنيند
مراجعة: هيثم عبد العظيم