تقنية "ستريت فيو": بين السياحة المجانية وانتهاك الخصوصية
٢١ أغسطس ٢٠١٠هل تحلم بزيارة مدينة الأضواء باريس؟ ماذا عن لندن؟ هل يحول غلاء أسعار تذاكر السفر والإقامة في الفنادق دون ذلك؟ شركة غوغل العملاقة للإنترنت ابتكرت تقنية جديدة تسمح لمستخدمي الإنترنت بزيارة مناطق عديدة حول العالم دون أن يبرحوا منازلهم أو يفارقوا شاشات الكمبيوتر. وتسمي غوغل تقنيتها الجديدة "ستريت فيو" أو استعراض الشارع، وهي تقنية مدمجة في الخرائط الإلكترونية التي تقدمها غوغل عبر محرك بحثها.
"ستريت فيو" في ألمانيا
ولا تقتصر هذه التقنية فقط على من لا يملك مالاً كافياً للسفر، بل تمتد أيضاً إلى من يريد حجز تذاكر الطائرة وغرف الفندق ويرغب في الاطلاع على موقع الفندق الذي سينزل فيه، ومدى قربه أو بعده عن المزارات السياحية في المدينة. وعلى مدى عدة سنوات جابت سيارات لشركة غوغل شوارع عدد من كبرى مدن أمريكا وأوروبا وآسيا، حاملة كاميرات خاصة تلتقط صوراً للشوارع في هذه المدن ومن ثم ربطها بشكل إلكتروني، مشكلة في النهاية خريطة سياحية إلكترونية ثلاثية الأبعاد للمدينة.
وتنوي الشركة الأمريكية في نهاية العام الحالي ضم عشرين مدينة في ألمانيا إلى المدن التي تشملها هذه التقنية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية حول مدى انتهاك هذه التقنية للخصوصية الفردية. فمن جهته يقول أشهر صاحب مدوّنة إلكترونية (بلوغ) في ألمانيا، ساشا لوبو، أن تقنية "ستريت فيو" "تسمح لي بشكل منفرد وبعيداً عن أي إعلانات أو منشورات دعائية بتكوين فكرة مستقلة عن أي منطقة. فصاحب منزل معروض للإيجار لن يضع في منشوره الدعائي صورة لمكب نفايات يقع قبالة منزله مباشرة".
أما السياسي الألماني هانز كريستيان شتروبله عن حزب الخضر فيرفض هذه التقنية، مضيفاً "إنني لا أرغب في أن تعرض واجهة المنزل الذي أقطن فيه للعالم بأكمله ولشركات تستغل هذه الفرصة للدعاية، أو حتى لأفراد ينوون أموراً سيئة". ويعيب الساسة الألمان عدم قدرة قانون حماية المعلومات الألماني على مواكبة التطور التكنولوجي السريع في العالم، مؤكدين على ضرورة عدم تجاهل مخاطر تقنية "ستريت فيو" وتأثيرها على الحرية الشخصية في ألمانيا.
السياحة بضغطة ماوس
إحدى المدن الألمانية التي ستضمها غوغل إلى "ستريت فيو" هي برلين، والتي يقصدها ملايين السياح سنوياً. عن طريق "ستريت فيو" يستطيع مستخدم الإنترنت التنقل بين بوابة براندنبورغ الشهيرة، ومبنى البرلمان الألماني (البوندستاغ)، متجولاً بين شوارع برلين المتعددة وأحيائها التي كانت في السابق جزءاً من برلين الشرقية، مستعرضاً المحلات والمقاهي والمطاعم المتناثرة على جانبيها.
أما في مدينة أمستردام المتوفرة منذ فترة ليست بالقصيرة عبر تقنية "ستريت فيو"، فيستطيع السائح الافتراضي استعراض قوائم الطعام أو الشراب لعدد كبير من المقاهي التي يراها في الشوارع، وذلك عن طريق الضغط على أيقونة خاصة أمام المطعم أو المقهى، لينتقل منها إلى صفحة الإنترنت الخاصة بذلك المكان، التي يمكنه من خلالها الاتصال وحجز طاولة أو الاستفسار عن مواعيد العمل مثلاً.
وتراعي شركة غوغل مؤخراً أثناء تصويرها للشوارع المشاة وسائقي السيارات الذين يتصادف وجودهم مع مرور السيارة الإلكترونية. وتقوم الشركة بإخفاء معالم الوجه الخاصة بالمارة، بعد تذمر عدد كبير منهم عن ظهورهم على صفحة "ستريت فيو" في مواقف محرجة أو أمام أماكن لم يزوروها.
وتوفر خدمة "ستريت فيو"، التي تعرضها الشركة الأمريكية العملاقة مجاناً على صفحتها على الإنترنت، صوراً إضافية وشرحاً وحتى مقاطع فيديو للمعالم السياحية الشهيرة في العالم، مثل برج إيفل الشهير بباريس أو ساعة "بيغ بن" بمدينة لندن البريطانية.
تقنيات مستقبلية أكثر جدلاً
ومواجهة للضغوط التي يمارسها السياسيون الألمان على الشركة الأمريكية أعلنت غوغل عن فتحها لصفحة إنترنت يمكن عن طريقها للأفراد الاعتراض على عرض واجهات منازلهم عبر تقنية "ستريت فيو"، إذ ستقوم الشركة بتغيير معالم المنزل لجعلها غير واضحة لمستخدمي الإنترنت. إلا أن تحكم عملاق الإنترنت بفيض المعلومات الذي سيعقب ضمها للمدن الألمانية لا يزال مثار قلق للعديد من السلطات.
لكن ساشا لوبو يؤكد بأن تقنية "ستريت فيو" في طريقها للتحول إلى تقنية قديمة، مقارنة بما يتم طرحه في الأسواق حالياً. "على سبيل المثال هناك تقنية يمكن من خلالها لأي شخص في أي مكان في العالم الحصول على صور حية للمكان الذي يتواجد فيه، وتركيبها بشكل مشابه لخريطة. شركة مايكروسوفت قامت بتقديم تقنية مشابهة في العام الماضي، وهو شيء مثير للاهتمام، إلا أن هذا الأمر يطرح العديد من التساؤلات".
هذا ولا تخلو تقنية "ستريت فيو" من العثرات لمن يرغب في البحث عنها، ففي مدينة وورتشستر البريطانية مثلاً، تظهر صورة لأحد الشوارع فتاة على الأرض تبدو ميتة، لكن الأمر اتضح في النهاية أنه مزحة. ومن المؤكد أن مستخدمي الإنترنت والسياح الإلكترونيين سيبحثون عن هذه "العثرات" عند طرح المدن الألمانية للعرض على صفحة الشركة الإلكترونية.
هانز فايفر/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: طارق أنكاي