خطط مزعومة لتفكيك البوسنة والهرسك وإعادة تشكيل خارطة المنطقة
١٧ أبريل ٢٠٢١في الوقت الذي تعاني منه البوسنة والهرسك من ارتفاع عدد الإصابات والوفيات بسبب وباء كورونا والاحتجاجات التي تشهدها البلاد بسبب تأخر توزيع لقاحات كورونا، خرجت إلى العلن مشكلة جديدة تؤرق البوسنيين وهي وثيقة وقعتها كرواتيا وسلوفينيا والمجر وبلغاريا وقبرص وتم تقديمها يوم 22 مارس/أذار للاتحاد الأوروبي عبر وزير الخارجية الكرواتي غرليش رمدمان. وتهدف هذه الوثيقة في ظاهرها إلى مساعدة البوسنة والهرسك على الانضمام للاتحاد الأوروبي.
لكنها تتضمن دعم الحزب الديمقراطي الكرواتي الحاكم لجهود حزبه الشقيق، حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي البوسني، لتغيير قانون الانتخابات في البوسنة والهرسك بحيث يصبح بالإمكان السيطرة والتأثير بشكل مستمر على صنع القرار في البلاد من جانب كرواتيا. وحقيقة أن هذه الخطوة قد تفتح الطريق أمام كيان ثالث، وفي نهاية المطاف الدفع بالبلاد إلى الارتباط كليا بكرواتيا.
لكن الأكيد هو أن "الورقة غير الرسمية" قد تسببت في استياء الكثيرين على غرار النائب عن حزب الخضر بالبرلمان الألماني والمتحدث باسمه فش شؤون سياسة أوروبا الشرقية مانويل سارازين الذي تقدم بسؤال للحكومة الألمانية بخصوص موقفها من الإصلاح الانتخابي في البوسنة والهرسك، وجاء جواب الحكومة واضحا: " تلتزم الحكومة الألمانية بوحدة أراضي البوسنة والهرسك مع كياناتها القائمة. ولا يمكن أن يكون إنشاء كيان ثالث، بالإضافة إلى اتحاد البوسنة والهرسك الحالي وجمهورية صربسكا، من منظور الحكومة الاتحادية هدفا لجهود الإصلاح".
"تفكيك سلمي" للبوسنة والهرسك؟
وكرد على الوثيقة الكرواتية قام عضو هيئة الرئاسة في البوسنة والهرسك، زيليكو كومشيتش – بإرسال وثيقة أخرى إلى بروكسل في 2 أبريل/نيسان انتقد فيها ما أسماه السياسة غير الواضحة للاتحاد الأوروبي، والتي تأثرت بشدة بكرواتيا وحكم الاتحاد الديمقراطي الكرواتي هناك، فضلاً "عن الافتقار إلى الحياد من جانب وفد الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك". وأشار كومشيتش في تلك الوثيقة، من بين أمور أخرى، إلى تدخل صربيا وكرواتيا في الشؤون الداخلية للبوسنة والهرسك، فضلاً عن ضغوط روسيا بسبب تطلعات البوسنة والهرسك إلى الناتو.
ودعا في تلك الرسالة إلى مزيد من المشاركة النشطة من جانب الاتحاد الأوروبي والمساعدة في فك قيود مؤسسات الدولة، وإلا، كما قال كومشيتش ، فإن الوضع في البوسنة والهرسك سوف يزداد سوءًا. ودعا جميع الأطراف السياسية إلى تجنب التكهنات وخلق توتر لا داعي له.
وقبل أيام قليلة فقط، أكد زيليكو كومشيتش أن الرئيس السلوفيني بوروت باهور، خلال زيارته الأخيرة للعاصمة البوسنية سراييفو في 5 مارس/آذار سأل أعضاء الرئاسة في البوسنة والهرسك عما إذا كان من الممكن تحقيق "تفكيك سلمي" للبوسنة والهرسك. وهو ما رفضه كومشيتش، والعضو البوسني في الرئاسة شفيق دافروفيتش، في حين أعرب ميلوراد دوديك، العضو الصربي في مجلس الرئاسة عن إمكانية حدوث ذلك وفقا أفاد به كومشيتش.
الوثيقة السلوفينية
رئيس وزراء سلوفينيا، يانيز جانشا، وهو صديق جيد لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربانس، أرسل أيضًا "وثيقة" إلى رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، في فبراير، بشكل غير رسمي بعنوان "غرب البلقان - الطريق إلى الأمام"، والتي نُشرت هذا الأسبوع على الموقع السلوفيني "necenzurirano.si" ، ووصفت بأنها استمرار للسياسة القومية لصربيا والحزب الكرواتي الحاكم HDZ تجاه البوسنة والهرسك. ووفقًا لبعض المعلومات، تمت كتابة جزء من المحتوى في بودابست، ولكن في بروكسل يطلق عليها "الوثيقة السلوفينية". وينفي جانشا أن يكون هو من وراء تلك الوثيقة.
وتسببت "الورقة غير الرسمية" السلوفينية في الكثير من الإثارة لأنها تقترح إعادة ترسيم الحدود الخارجية في غرب البلقان بحيث ستصبح هناك صربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى وألبانيا الكبرى ويتم تقسيم البوسنة والهرسك بين كرواتيا وصربيا ولن يتبقى سوى جزء صغير من البلاد للبوشناق. لذلك فليس من الغريب أن تتعالى الأصوات الرافضة لتلك الوثيقة في البوسنة والهرسك وفي الجبل الأسود أيضا. بل إن هناك حديث عن نزاعات مسلحة محتملة. وتتحدث الوثيقة عن وجود "جس نبض سري" بين صانعي القرار في المنطقة والمجتمع الدولي حول ما إذا كان يمكن تنفيذ الخطة المقترحة.
ولم ينف جانشا مباشرة مثل هذه الادعاءات. وشدد على أن سلوفينيا "تبحث بجدية عن حلول لتنمية المنطقة وفق منظور الاتحاد الأوروبي لغرب البلقان" مشيرا إلى أن الادعاءات بوجود وثيقة تتضمن خطط التقسيم "تسعى لمنع مثل هذه الأهداف".
الاتحاد الأوروبي مطالب بالتصدي للقومية
سفارة الولايات المتحدة في سراييفو ردت على الخطط الواردة في الوثيقة السلوفينية ببيان واضح التزمت فيه بمعاهدة دايتون للسلام ورفضت أي ترسيم جديد للحدود وأكد البيان: "البوسنة والهرسك دولة ديمقراطية ومتعددة الأعراق وذات سيادة ومستقلة.."
من جهته قال متحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي إن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن غرب البلقان والحدود يبدو واضحًا للغاية: "لا يوجد شيء يجب تغييره".
ويبقى من غير الواضح لماذا وقعت سلوفينيا، التي ستتولى قريباً رئاسة الاتحاد الأوروبي، على"الورقة غير الرسمية" الكرواتية. لكن من الواضح أن أفكار الثمانينيات التي جلبها سلوبودان ميلوسيفيتش وفرانجو تويمان إلى العالم لا تزال حية إلى حد كبير حتى اليوم.
لذلك بات الاتحاد الأوروبي مطالبا بأن ينأى بنفسه عن الجهود القومية والفاشية، بما في ذلك من داخل صفوفه، وأن يتخذ سياسة واضحة وشفافة تجاه غرب البلقان وخاصة البوسنة والهرسك. وهذا الأمر أيضًا مهم للغاية بسبب تنامي القوى القومية داخل الاتحاد الأوروبي.
كريستيان شفارتس شيلينغ/ هـ. د/ع.ج.م