تفاؤل حذر لدى التونسيين بألمانيا إزاء أوضاع بلدهم بعد عامين من الثورة
٢٢ يناير ٢٠١٣هندة السباعي ،34 سنة، تونسية مقيمة بألمانيا تشتغل بمستشفى، كانت تحمل بين يديها كأسا من الشاي وبصدد الحديث مع ابنها الصغير صحبة أختها المرافقة لها، تحدثت لـDW عربية حول الأوضاع في تونس التي تشهد حسب رأيها "تحسنا ملحوظا بالمقارنة بالوضع السابق وأن الأمور تتعافى بشكل تدريجي". وقد أعربت هندة عن رضاها إلى حد الآن على أداء الحكومة الحالية برئاسة حمادي الجبالي (أمين عام حزب النهضة الإسلامي). "صحيح أن الكثير من المشاكل مازالت عالقة ولكن في الإجمال الحكومة تقوم بواجباتها على أحسن ما يرام" على حد تعبيرها.
وعلى بضع أمتار من هند كان كمال فريضي ، 44 سنة، يقف في بهو القاعة يتأمل أعمالا لفوتوغرافيين تونسيين وأجانب لخصت أهم محطات الثورة في تونس. وبعد التقاطه بعض الصور من المعرض، توقف كمال متحدثا لـ DW عن موقفه لما حققته بلاده إلى حد الآن من مكاسب بعد أكثر من سنة من تولي التحالف الثلاثي مقاليد السلطة. فهو يرى على عكس هندة بأن الأمن لم يستتب بعد ولم نتخلص بعد من النظام القديم، هذا إضافة إلى ارتفاع الأسعار." وهذا ما يفسر حسب رأيه "اهتزاز الثقة لدى المواطن التونسي" . كمال لم يخفي مخاوفه في سقوط البلاد "في دوامة الجهويات والطائفية الحزبية"، وهو يرى بأنه لابد من"إشراك كافة القوى السياسية في البلاد دون أي إقصاء لأي طرف بعينه" ذلك حتى تتفادى البلاد مزيدا من التأزم في أوضاعها "فالوفاق الوطني هو كل ما تحتاجه تونس في الوقت الحالي" حسب اعتقاده.
تباين الآراء إزاء المكتسبات من الثورة
في مدينة هيرث المجاورة لكولونيا، غرب ألمانيا، أقامت هيئات تونسية ناشطة في المجتمع المدني بألمانيا نهاية الأسبوع الماضي، حفلا خيريا، إحياءا للذكرى الثانية للثورة التونسية تحت عنوان "طريق الحرية..ثورة واحدة وأمل واحد". وتم الحفل برعاية القنصل العام التونسي هشام المرزوقي، ولئن كان مناسبة اجتمعت فيها الجالية التونسية بكل أطيافها للاحتفال وتبادل الآراء حول أوضاع بلدهم، فإن مواقفهم إزاء الانتقال الديمقراطي وأداء حكومة الجبالي كانت متباينة جدًا، كما رصدتها DW عربية.
أمين بطيخ ،54 سنة، يتساءل بقلق عن ما آلت إليه البلاد في زمن الرئيس التونسي منصف المرزوقي، وبرأيه فإن "حكم الترويكا(الإئتلاف الحزبي الثلاثي) نكسة لتونس"، ويضيف أمين الذي يعمل مديرا للتسويق في مؤسسة خاصة، أنه "لم يتغير شيء يذكر منذ الثورة عدا حرية التعبير والتنظيم". بل إن "نسبة الفقر قد ارتفعت ـ حسب رأيه ـ 25 بالمائة من التونسيين يعيشون تحت خط الفقر إضافة إلى انتشار الفوضى والأوساخ وتدهورالأمن وبروز ظاهرة الإرهاب ومخازن الأسلحة" وهذا ما يدعو للقلق حسب رأيه. وأمين بطيخ هو واحد من المئات الذين منعوا طيلة فترة حكم بن علي من دخول التراب التونسي لآرائه السياسية. وفي رده على سؤال حول السبيل للخروج من الأزمة الراهنة، يجيب أمين أن "لا أحد في تونس يملك عصا سحرية فالحل يكمن في توافق جميع القوى لاغير" ودعا في الأخير التونسيين "للإبتعاد عن التطرف الديني وإلا فإن البلد سيصبح مرتعا للإرهاب".
أما زينب مشرقي والتي كانت تتابع باهتمام العرض الموسيقي الملتزم الذي قدمته فرقة "شمس" والفنان الشعبي فوزي بن قمرة، فهي تبدو متفائلة بما وصلت إليه البلاد إلى حد الآن. تهتم الطالبة ذات الـ 22 سنة كثيرا بالشأن السياسي باعتبار أنها تدرس العلوم السياسية والدراسات الأمريكية. وهي ترى أن التغيير ليس سهلا كما يعتقد البعض "الوضع معقد ويحتاج لـ20 سنة على الأقل حتى يكون هناك تغيّر جذري على غرار البلدان الأوروبية فمثلا الثورة الفرنسية احتاجت لأكثر من 50 سنة لتحقيق غاياتها. وفي تونس لابد أن تتغير أيضا، إلى جانب السياسة، عقلية التونسي حتى يعرف كل واحد حقوقه التي يجب أن يتمتع بها." كما تقول.
ولا تختلف صديقتها صفاء ، 22 سنة، كثيرا عنها فطالبة الهندسة الميكانيكية ترى بأن الديمقراطية هي التي تحدد مصير الشعوب المتقدمة وبناءا عليه فإنّ المكتسبات التي كافح الشعب التونسي من أجلها كثيرة لكنّ "الثورة مازالت متواصلة لذلك فإن جل أهدافها لم تتحقق بعد، ومن الضروري اليوم الالتفاف على الشرعية ومساندتها لأنها تمّثل مطلب الشعب التونسي الذي يسعى الكثير للانقلاب عليه."
وقد تميز الحفل بأجواء تونسية امتزجت فيها الايقاعات الموسيقية الشعبية والثورية قدمتها فرقة "شمس" التونسية والفنان الشعبي فوزي بن قمرة، مع روائح أطباق وحلويات تونسية، كما كانت السخرية حاضرة من خلال أشعار شعبية ألقاها الشاعر واللاجئ السياسي السابق الطاهر تليش. وقد خصص حيز هام للوحات زيتية لرسامين عرب تم بيعها في مزاد علني بالحفل. وحسب منظمي الحفل فإن جميع المداخيل سيتم التبرع بها لفائدة مشاريع تنموية في تونس.
تحديات تواجه المهاجرين
يشكو العديد من التونسيين مثلهم كباقي المهاجرين العرب في البلدان الأوروبية من بعض المشاكل الإجتماعية، فالجيل الجديد، كما يقول عدد من التونسيين الذين تحدثوا لـ DW، يعاني أزمة هوية بينما تواجه الجالية التونسية مشكلة التشتت.
عبدالحق بن عثمان، 45 سنة، كان حاضرا في الجناح المخصّص للتعريف بالسياحة والمشاريع التونسية الفتيّة، تحدث لـ DW عن وجود "الكثير من المشاكل" التي تواجه الجالية التونسية بالمهجر وخاصة بألمانيا. والأهم منها، بالنسبة إليه، شكاوي أبناء الجالية خاصة من انعدام التنشيط الثقافي. ويقول عبد الحق، وكان بصدد توضيب معلقاته وأغراضه في الجناح، "ألمانيا بلد مشهور بالثقافة ومن منطلق مهنتي كفنان حر، قررت منذ سنتين بعث كورال موسيقي للأطفال التي تتراوح أعمارهم بين ثلاث و15 سنة لكنني للأسف لم أجد آذانا صاغية لمشروعي رغم اتصالي مرارا بالمصالح الرسمية التونسية هنا بألمانيا وفي تونس".
واختتم الحفل الذي امتد حوالي ثمانية ساعات بمنبر حوار ساخن طرح فيه الحاضرون أسئلة على وزير النقل عبد الكريم الهروني (حزب النهضة) والوزير مدير الديوان الرئاسي عماد الدايمي (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) الذين حضرا من تونس ضيوفا على الحفل، وقد تحدثا عن آخر المستجدات السياسية والتحديات التي تواجه الحكومة وعن مستقبل البلاد.
وهيمن على الحوار بين الوزيرين وأفراد الجالية الحاضرين، قضايا يواجهونها عند عودتهم لأرض الوطن ومطالبتهم أيضا بتكوين ما سمونه "دار التونسي" للم شمل التونسيين تحت سقف واحد وعن ضرورة الإسراع بإنهاء الدستور والتحضير للانتخابات القادمة. كما تم التطرق أخيرا لمشاكل اللاجئين السياسيين سابقا والتساؤل عن مصير الأرشيف البوليس السياسي الذي نفى هشام المرزوقي القنصل التونسي العام بمدينة بون، وجوده بالمصالح الرسمية التونسية في ألمانيا.