شارع الحبيب بورقيبة، معقل ثورة الياسمين تتجاذبه السلطة وشباب الثورة
١٤ يناير ٢٠١٣الاغاني "الملتزمة" كما يسميها شباب ثورة الياسمين، تصد في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية مع انطلاق "مهرجان الأغنية الملتزمة"، وعلى بعد أمتار فقط نصبت شاشة الكترونية عملاقة اقتصرت على بث موسيقى الراب والريغي وسط تجمع لافت للشباب. وبالقرب من مقر وزارة الداخلية انكب شبان على رسم وطلاية لوحات تشكيلية غلبت عليها عناوين ثورية، بينما تم تركيز استوديو في شكل خيمة بنوافذ بلاستيكية خصص لحوارات فكرية وأدبية.
مشاهد تمثل إيذانا ببداية الاحتفاء بالذكرى الثانية للثورة التونسية وتختم في تاريخ الرابع عشر من يناير/كانون ثاني. ولكن تلك المشاهد لا تعكس في الواقع انطباعا موحدا تجاه هذه الاحتفالات وسط الشارع الذي اكتسب شهرة واسعة وبات رمز الاحتجاجات والحرية.
"نحن نمتلك شارع الحبيب بورقيبة"
فوزي الدعاسي (28 عاما) ينتسب لجمعية المعطلين عن العمل كان حاضرا ضمن الجماهير التي احتشدت امام مقر وزارة الداخلية في الرابع عشر من يناير قبل عامين، والتي توجت بسقوط نظام الاستبداد وفرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي خارج البلاد. ولكن الدعاسي وحينما التقيناه في شارع الحبيب بورقيبة بعد عامين لا تظهر على وجهه اي علامات تدل على اهتمام يذكر بما يحدث من حوله في الشارع الرمزي.
تحدث الدعاسي إلى DW عربية قائلا "كسبنا أمرا هاما دون شك وهو كسر حاجز الخوف والتمرد على الشارع. عدى ذلك لم يتغير شيء، الوضع الاقتصادي والاجتماعي من سيء إلى أسوأ"، وأضاف "لا اعتقد ان هذه الأجواء الكرنفالية في الشارع تنسجم مع القيمة الرمزية والنضالية لصور الشهداء والجرحى والمناضلين المعتقلين التي اشاهدها هنا وهناك، لذا فقد قررت انا والكثير من المعطلين تنظيم وقفة احتجاجية ضد هذه الاحتفالات الكرنفالية التي تحاول إيهام التونسيين بان الثورة نجحت وحققت أهدافها". وأضاف الدعاسي "كنا نعتقد أننا كسبنا هذا الشارع لكنهم يحاولون اليوم وبشتى الطرق افتكاكه".
شارع بورقيبة "المسيَج"
ونجح التونسيون بالفعل ابان الثورة في تحويل شارع الحبيب بورقيبة الى ساحة "هايد بارك" وقبلة المسيرات والاحتجاجات بشكل يكاد يكون يوميا، وهو أمر لم تكن لتسكت عليه السلطات الانتقالية في البلاد بدعوى التنظيم و"استعادة هيبة الدولة". وأدى الأمر في كثير من الأحيان الى صدامات عنيفة اعطت انطباعا بأن هناك تدابير تسعى لسحب البساط من المتظاهرين والمحتجين في الشارع الشهير.
وفرضت وزارة الداخلية بالفعل تراخيص مسبقة لكل مسيرة او نشاط ثقافي في شارع الحبيب بورقيبة، كما حددت مواقيتها معللة خطوتها بالحفاظ على مصالح المحلات التجارية وحركة المرور. لكن مثل هذه الخطوات قد تكون غير كافية لاستعادة الشارع من قبل وزارة الداخلية.
ماهر الماجري (23 عاما) خريج معهد الفنون والحرف بمدينة القيروان كان بصدد وضع آخر التعديلات على لوحته التشكيلية بينما تجمهر أمامه عدد من المارة بداعي الفضول والاكتشاف. تحدث الماجري لـ DW عربية قائلا "أنا هنا اليوم لأعبر عن رأيي الذي لم استطع ابلاغه قبل الثورة. وهذه اللوحة ترمز الى "صرخة وطن" أطلقها الشعب التونسي. أما اختياري لهذا الشارع فلأنه انطلفت منه صرخة "ديكاج" (ارحل) في وجه النظام. نحن امتلكنا هذا الشارع وخاصة في المناسبات الوطنية على غرار الاحتفاء بعيد الثورة. هو ملكنا ولا أحد يمكن أن يفتكه منها".ويضيف الماجري بنبرة حماسية "من المهم تكثيف الأنشطة الثقافية في شارع الحبيب بورقيبة حتى يظل محافظا على حيويته وإشعاعه".
شارع بورقيبة هجره السياح
وشارع الحبيب بورقيبة ضارب في العراقة والقدم وكان يطلق عليه في القرن التاسع عشر خلال فترة حكم البايات بشارع البحرية ولكن ومع دخول المستعمر الفرنسي الى تونس عام 1881 أصبح يطلق على الشارع اسم جول فيري بدءا من عام 1900 الى غاية تاريخ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وبات من حينها يحمل اسم الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد الاستقلال.
ويحمل الشارع بين جنباته فضاءات ثقافية ودينية ومقرات حساسة على غرار كاتدرائية سانت دي بول (كاتدرائية تونس) المعروفة ببرجيها العاليين والمسرح البلدي وكلاهما يعود تشييدهما الى مطلع القرن الماضي، الى جانب مقري السفارة الفرنسية ووزارة الداخلية.
ولكن الشارع الذي كان يؤمه نحو مليون سائح سنويا قبل الثورة يبدو اليوم في اسوأ ايامه بينما تنتشر عربات الجيش والأسيجة الأمنية في بعض جوانبه.محمد ماطري (24 عاما) يعمل بكشك ملاصق لكاتدرائية "سانت دي بول" منذ أكثر من ست سنوات يؤكد لـDW عربية ان المردود المالي للمحل يشهد تراجعا مستمرا عن ذي قبل.
وقال محمد "لا نعرف حتى متى يمكننا الصمود. السياح لا يأتون كما في السابق. في الأشهر الماضية افتقد الشارع الى الأمن ما شجع اللصوص والمندسون الى التواجد بكثرة في الشارع يحاولون استغلال اي مسيرة لبث الفوضى والسطو على المحلات. الآن تراجعت هذه الظاهرة لكن الشارع لم يستعد بعد كامل حيويته. نامل ان تتحسن الأوضاع سريعا".
ولا يختلف سامي البرهومي (26 عاما) وهو نادل بمطعم بمنتصف الشارع، في رأيه عما ذهب إليه الماطري.وتحدث سامي إلى DW قائلا "مدير المطعم اضطر لتسريح عدد من العاملين. الناس لا يأتون كما في السابق ولكننا مع ذلك نحافظ على الحد الأدنى من الربح". ويضيف سامي "لا نعارض المسيرات في الشارع ولكن عندما تكون مؤطرة ومنظمة سيكون هذا في صالح الجميع. عندها يمكننا ان نستفيد من ذلك تجاريا، في المقابل فإن اي انفلات سيؤدي الى نتائج وخيمة على عملنا".