تعليق: بعد قمة مكة.. الملف السوري في ملعب الغرب
١٦ أغسطس ٢٠١٢
تزامنا مع إفتتاح قمة منظمة التعاون الإسلامي ، جاء تحذير الولايات المتحدة من أن واشنطن ستبذل كل ما في وسعها للحيولة دون محاولة إيران " تحديد مستقبل سوريا". التصريح الأمريكي ورد على لسان وزير الدفاع ليون بانيتا عشية القمة يوم الثلاثاء (14 آب/أغسطس)، حيث قال الوزير الأمريكي في تصريحاته لوسائل الإعلام العالمية إن مستقبل سوريا مسألة تخص الشعب السوري وحده.
كلام جميل..لكنه للأسف خاطئ فالحقيقة هي أن الصراع في سوريا لم يعد صراعا بين قوى داخلية فحسب، إذ أن قوى أجنبية ذات مصالح متضاربة دخلت حلبة الصراع منذ فترة وتحاول كل منها الحفاظ على مصالحها. ولعل الاضطرابات الأخيرة وعمليات الخطف في الجارة لبنان مثالا قويا على ذلك.
تأثير قوى خارجية
تشيردلائل كثيرة إلى أن إيران تدعم حليفتها سوريا بخبراء عسكريين وربما بأسلحة أيضا. في الوقت نفسه هناك مؤشرات لا تقل وضوحا على وجود دعم سعودي وقطري وتركي وأمريكي وأوروبي أيضا للثوار الذين يناضلون ضد النظام السوري.
الواضح أن دولا خليجية تدعم الثوار بأسلحة وبأموال أيضا لكن ماذا عن الحلفاء الغربيين؟ من السذاجة الاعتقاد بأن المساعدات الغربية تقتصر دائما على مساعدات إنسانية أو لوجيستية كما يقال دائما ، لأن هذا معناه تسليم الثوار الأضعف تسلحا إلى نظام معروف عنه تعذيب وقتل معارضيه.
هيمنة "المعسكر السني"
تُبرز قمة مكة مرة أخرى مواقف القوى المختلفة، إذ قررت غالبية الدول الإسلامية، بقيادة السعودية تعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي لكن إيران، الدولة الشيعية الأهم، لم تشارك في هذا القرار وحافظت على وفائها للنظام السوري الذي تعتبره طهران قريبا من مذهبها.
ويمكن القول إن دول المنظمة ترسل إشارة قوية للنظام السوري بقرارها تعليق عضوية سوريا بالرغم من أن القرار كان متوقعا بسبب هيمنة دول الخليج على المنظمة. لكن الأرجح هو أن تأثير هذا القرار لن يزيد عن تأثير قرارات مشابهة صدرت عن الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية ردا على سفك الدم السوري.
ويوضح الصراع السوري يوما بعض يوم مصالح القوى الخارجية ومواقفها إذ تقف إيران في جهة مع حليفتها سوريا في حين يقف في الجهة الأخرى "المعسكر السني" المكون من دول الخليج وتركيا والمدعوم من قوى غربية التي ترغب في الحيلولة دون تسلح إيران نوويا كما أنها تتمتع بشراكة طيبة مع تلك الدول.
موقف الغرب
لكن السؤال الآن: هل هذا الدعم الغربي يتمتع بالذكاء السياسي؟ الإجابة هي: نعم لكن بشروط. فمن المهم النظر إلى طريقة تطبيق هذا الدعم الغربي لسوريا فالدول الغربية ملتزمة من الناحية الأخلاقية بدعم الثورة ضد نظام بشار الأسد الذي يرتكب انتهاكات شديدة للإنسانية حتى وإن كانت بعض العناصر المتمردة تستخدم عنفا مشابها ضد مدنيين وترتكب في بعض الحالات ما تصفه الأمم المتحدة بجرائم الحرب، وهو أمر لا يبشر بخير في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد. ولكن ورغم ذلك ودون أدنى شك فأن عدم سقوط نظام الأسد في أقرب وقت ممكن يعني استمرار معاناة الشعب السوري لذلك يتعين على الغرب الآن العمل على تحقيق هذا الهدف بشكل مشترك كما فعلت غالبية دول منظمة التعاون الإسلامي.
لكن من المهم ألا تعطي أمريكا وأوروبا انطباعا بأنها تدعم القوى السنية في المنطقة على حساب الشيعة لأسباب لها علاقة بالسياسات الأمنية وتغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في الخليج فهذه المنطقة لم تعد تحتمل ازدواجية المعايير.
راينر زوليش
مراجعة: حسن ع. حسين