تصريحات الجبير عن ترامب.. حماس عابر أم تقارب ضرورات؟
٢١ فبراير ٢٠١٧في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تصريحاته ومواقفه المثيرة للجدل بخصوص المسلمين ودول في الشرق الأوسط، وكان آخرها قوله إنه يريد إنشاء "مناطق" آمنة في سوريا وغيرها للاجئين على أن تتحمل دول الخليج التكاليف كاملة، كانت تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودية "المتحمسة" لترامب ملفتة للانتباه في مؤتمر ميونخ للأمن.
مواقف الجبير الإيجابية تجاه ترامب بدت واضحة سواء في كلمته في المؤتمر أو في المقابلات الصحفية التي أجريت معه على هامش المؤتمر. ففي حوار أجرته معه صحيفة دير شبيغل الألمانية، قال الجبير إن ترامب ليس شخصاً مجنوناً كما يعتقد الجميع، كما عبر عن تفاؤله من الإدارة الأمريكية الجديدة. وصرح الجبير أيضا في مقابلة لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية بوجود إمكانية إرسال قوات خاصة إلى سوريا للقتال بجانب الولايات المتحدة، فما سر تصريحات الجبير، هل تعبر بالفعل عن تقارب جديد من إدارة ترامب؟
إيران تُقرب بين الرياض وترامب
علاقات دول الخليج، وتحديداً السعودية، مع واشنطن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لم تكن في أحسن حالاتها خاصة بعد توقيع الأمريكان للاتفاق النووي التاريخي مع إيران. لكن الحملة الانتخابية لترامب أثارت أيضا مخاوف الخليجيين بعد تصريحاته التي تعهد فيها بجعل دول الخليج تدفع ثمن الحماية الأمريكية لها، وتصريحاته المعادية للمسلمين وغيرها من المواقف المثيرة للجدل. ومع وصول ترامب للحكم يرى الكثيرون أن تصريحاته لم تكن مجرد شعارات انتخابية، وباتت حتى الدول الغربية تنتقد السياسات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي على أكثر من صعيد، وآخرها قرار حظر مواطني سبع دول ذات أغبية مسلمة.
لكن يبدو أن التوافق حول الموقف من إيران بدأ يخلق تقارباً رغم كل ما سبق. وهذا ما قد يفسر التودد لترامب في خطاب الجبير وتصريحاته الصحفية. ويقول الصحفي والكاتب عبد الوهاب بدرخان إن تصريحات الجبير تعبر عن السياسة السعودية الحالية تجاه ترامب والتي تتميز بالتقارب في أكثر من موضوع وخصوصاً الملف الإيراني. ويضيف بدرخان في حوار مع DW عربية: "من الواضح أن السعودية كانت محبطة من تعامل أوباما مع إيران، والآن هناك توافق طالما أن ترامب أبدى بشكل علني موقفه المناهض لإيران. هو يركز أيضاً على محاربة داعش، والسعودية لم تكن راضية عن إدارة أوباما للحرب ضد الإرهاب وبالتالي قد يكون هناك تقارب في هذه النقطة أيضاً. ثم لا ننسى العلاقات التاريخية القوية التي تربط بين الجمهوريين وحكام السعودية".
حرب اليمن أصبحت أيضاً موضوع توافق كما يعتقد بدرخان، ويقول في هذا السياق: "بعدما كانت هناك تغطية لواشنطن عن دور إيران في اليمن و إفساح المجال للحوثيين ليكونوا طرفاً في الصراع وبالتالي طرفاً في أي حل سياسي للأزمة، نرى اليوم تغطية عكسية، إذ أن الأمريكان الآن يغطون على إنجازات السعودية في اليمن على حساب الحوثيين عكس الضغط الذي كان يمارسه كيري على الرياض".
تصريحات مثيرة للجدل
أما تصريحات ترامب السابقة بخصوص ضرورة دفع دول الخليج وعلى رأسها السعودية تكاليف حماية الولايات المتحدة لأمنها، وتخوفات السعوديين من تفعيل ترامب لقانون "جاستا"، فيقول بدرخان إن ترامب طالب الأوروبيين أيضاً بدفع المزيد للناتو، وبالتالي فتصريحاته هذه لا تعني هجوماً على دول بعينها، "ثم إذا أصبحت الأمور جدية فسيتم التطرق إلى أن السعودية ودول الخليج سبق وأن صرفت الكثير على ملفات بطلب من الولايات المتحدة أو تسويات سياسية كما حدث في لبنان ومع الفلسطينيين". أما قانون "جاستا" فيرى بدرخان أن السعوديين أطلقوا حملة كبيرة في الولايات المتحدة بعد صدور هذا القانون، وهم غير قلقين كثيرا حيال هذا الموضوع في الوقت الحالي، حسب قوله.
ويبدو أن العلاقات بدأت تتوثق بالفعل، فبعد الاتصال الذي أجراه ترامب بالعاهل السعودي الملك سلمان وتطرقا فيه لمسألة المناطق الآمنة في سوريا، استقبل الملك سلمان اليوم في الرياض رئيس اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الجمهوري جون مكين، لبحث مواضيع على رأسها العلاقات العسكرية بين البلدين. ويرى بدرخان أن مطالبة واشنطن للرياض ودول الخليج بدفع تكاليف مناطق آمنة لا تعارضها السعودية بالضرورة. ويشرح ذلك قائلاً: "تكاليف إقامة مناطق آمنة أكبر بكثير من تكاليف تسليح المعارضة السورية، ثم إن هذه المناطق يمكن أن تتحول إلى نوع من مناطق النفوذ التي يمكن للرياض التفاوض بها مستقبلاً، ولا ننسى أن إقامة هذه المناطق سيؤدي إلى تقليص سلطة الأسد".
وتفاعلت الكثير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية مع تصريحات الجبير بخصوص ترامب، وربطت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية بين قرار ترامب حظر سفر مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة من جهة وتصريحاته حول حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة أخرى، وتصريح الجبير بأن ترامب يمكن أن يكون صديقا للعالم العربي. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لقي الموضوع أيضاً تفاعلاً كبيراً، وعلق عدد من مستخدمي تويتر على تصريحات الجبير فيما يتعلق بالحرب في اليمن وإيران وإرسال قوات إلى سوريا.
تصريحات مثيرة
وبينما يرى بدرخان أن تصريحات الجبير تمثل توجهات السعودية حالياً والتقارب الحاصل مع واشنطن، لا يعطي آخرون أهمية كبرى لما صرح به الجبير ويدرجونه ضمن ما يعتبرونه تصريحاته التي تبحث عن إثارة الاستفزاز والجدل.
وفي هذا السياق لطالما أطلق الجبير تصريحات حادة في عدد من المواضيع على رأسها الملف السوري، فقد سبق أن صرح أن الخيارين الوحيدين أمام الأسد، هما الرحيل أو مواجهة الخيار العسكري، معتبراً أنه في حال لم يتم حل الأزمة السورية من خلال عملية سياسية، سيتم حلها بالسلاح. وسبق أن صرح كذلك بأن بلاده تفكر في تزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض جو وهو ما اعتبره البعض وقتها تهديداً غير مباشر لروسيا.
وجاء الجبير إلى منصب الخارجية بعد إعفاء سعود الفيصل من مهامه كوزير للخارجية وهو المنصب الذي قضى فيه أربعين عاما. ويقول بردخان إن الجبير ليس صانع سياسات كما كان الأمير سعود الفيصل، بل هو يعبر عن السياسات المتوافق عليها في مراكز القرار السعودية. ويعتبر الجبير من أهم الشخصيات الدبلوماسية في السعودية فقد كان يشغل منصب سفير السعودية في واشنطن وهذا ما جعله خبيرا بخبايا الشأن الأمريكي. وتسلم الجبير الذي لا ينتمي للعائلة المالكة للسعودية على غرار الكثير من المسؤولين هناك، الخارجية في وقت باتت فيه هذه الوزارة أكثر نشاطاً مع وصول الملك سلمان إلى الحكم في يناير/ كانون الثاني 2014. وقد سلطت الأضواء بشكل كبير على الجبير منذ انطلاق العملية العسكرية السعودية في اليمن إذ ظهر بشكل كبير في وسائل الإعلام لشرح أسباب العملية وأهدافها.
سهام أشطو