الصداقة غالية الثمن بين طهران والأسد
٣ ديسمبر ٢٠١٦أدلى الرئيس الإيراني روحاني بداية الأسبوع الجاري بتصريح حول سوريا قال فيه: "سنحرر الشعب السوري من الإرهاب". وفي وقت سابق كشفت مصادر إيرانية رسمية عن فحوى مكالمة هاتفية بين الرئيس الإيراني ونظيره الروسي مساء الاثنين الماضي، جاء فيها "تعاوننا مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب في سوريا أدى إلى انتصار تاريخي". وقبل تلك التصريحات أصبح معروفا بأن نظام الأسد وحلفاؤه حققوا بعض النجاح في معركة حلب. وفي حال حسمت قوات النظام السوري المعركة في حلب بدعم من الميليشيات اللبنانية والإيرانية والضربات الجوية الروسية، فإن ذلك سيعني استعادة النظام السيطرة على جميع المدن الرئيسية.
دعم يصب في المصلحة الوطنية الإيرانية
ومن جانبه، قال السياسي الإصلاحي الإيراني السابق عباس عبدي في حوار مع DW إن "دعم الأسد يخدم المصلحة الوطنية الإيرانية". وأشار عبدي إلى التاريخ الطويل من العلاقات السورية الإيرانية. فخلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي كانت سوريا الداعم الرئيسي لطهران في المنطقة. "بفضل دعم سوريا لم يتحول الهجوم العراقي على إيران إلى حرب بين العالم العربي وإيران"، يوضح عبدي. وبعد مرور وقت وجيز على سيطرة الثوار الشيعة على السلطة في طهران، أعلن الرئيس العراقي السابق صدام حسين الحرب ضد إيران في شهر سبتمبر/ أيلول 1980. وأراد صدام حينها استغلال الاضطرابات التي شهدتها الجارة إيران ما بعد الثورة. وكان هدف صدام حسين من خلال "الحرب الخاطفة" إلحاق هزيمة بطهران بدعم من العائلة السنية المالكة في السعودية. لكن الخطة جاءت بنتائج عكسية وتحول النزاع إلى حرب مدمرة لمدة ثماني سنوات.
علاقة تاريخية طويلة
وخلال الحرب العراقية الإيرانية لم يكن النظام السوري العلوي ذو الجذور الشيعية يدعم طهران بالسلاح فقط، فدمشق وضعت صعوبات أمام تصدير النفط العراقي. وتم إغلاق خط أنابيب ينقل النفط العراقي من الخليج الفارسي ومن شمال العراق إلى البحر الأبيض المتوسط. وكمقابل على الدعم السوري لها دعمت إيران سوريا مع حلفائها الشيعة في لبنان. ففي عام 1976 بعد عام على الحرب الأهلية اللبنانية، أقدمت سوريا على غزو الجارة لبنان. ولا تزال لسوريا وإيران مصالح مشتركة في لبنان إلى اليوم. كما أن التأثير الكبير لسوريا وحزب الله الشيعي على الوضع السياسي في لبنان لم يكن يروق لدول الخليج السنية. ويرى الخبير الإيراني عبدي أن هدف إيران "هو التصدي لتأثير المملكة العربية السعودية في المنطقة".
تنافس سني ـ شيعي على الشرق الأوسط
النفوذ الإيراني في سوريا - وفي المنطقة ككل ـ لا يروق المملكة العربية السعودية. فطهران تعد أكبر منافس لها لفرض الهيمنة اقليميا. ويرى مرهاد كونساري، الدبلوماسي الإيراني السابق وكبير المستشارين في مركز الدراسات العربية والإيرانية في لندن، أن "السعودية تدعم الأقلية السنية الساخطة على الأوضاع في العراق وعلى الحدود مع سوريا". ويضيف الباحث الإيراني أن ذلك الدعم السعودي تهدد من خلاله العائلة السعودية الحاكمة أن يحدث انقسام في العراق وسوريا وهو "ما من شأنه أن يعرض منطقة الشرق الأوسط بكاملها للخطر. وإيران ليست وحدها من لا مصلحة لديها في ذلك بل الغرب أيضاَ".
ومن جانبه أوضح الجنرال قاسم سليماني من فيلق القدس الإيراني أنه يتم الدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية في سوريا. فهذه القوات الخارجية التابعة للحرس الثوري الإيراني تنشط في الحرب الأهلية السورية. وخلال الخمس سنوات الأخيرة نُشرت الكثير من الصور والتقارير حول الجنرال قاسم سليماني في وسائل الإعلام الإيرانية، تقدمه كأحد أهم قادة الميليشيات الشيعية في التي تحاري ضد مقاتلي التنظيم الإرهابي لما يمسى "الدولة الإسلامية". أما وسائل الإعلام الأمريكية فتعتبر سليماني أحد الرجال الأكثر نفوذا في الشرق الأوسط، ورجلا استراتجيا في الحرب الأهلية السورية.
طهران تدعم الأسد بكل ثمن
ويبدو أن الشعار الذي تتبعه طهران هو "لن نترك الأسد ينهار مهما كان الثمن". وخلال العام الماضي قدر ستيفان دي مستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، إنفاق إيران في سوريا إلى أكثر من ست مليار دولار. لكن خبراء إيرانيون يقدرون الأرقام بأكثر من ذلك ويتحدثون عن دعم تتراوح قيمته ما بين 15 إلى 20 مليار يورو. فبشار الأسد في نهاية المطاف لا يقاتل ضد المتمردين المعتدلين الذين تدعمهم الولايات المتحدة، ولكن على الخصوص ضد الميليشيات السنية المتطرفة التي تحصل على التمويل والأسلحة بشكل خاص المملكة العربية السعودية وقطر.
وفي الـ26 نوفمبر/ تشرين الثاني قالت قطر ـ المتهمة من قبل سوريا بإرسال آلاف الجنود إلى ترابها ـ إنها ستواصل إمداد المتمردين السوريين بالأسلحة، حتى في حال أوقف دونالد ترامب دعم بلاده للمعارضة السورية.
حقول الغاز تزيد من حدة الصراع الإيراني القطري
وتحول نظام بشار الأسد منذ فترة طويلة إلى شوكة في حلق قطر. هذه الأخيرة مهتمة بخط أنابيب الغاز في حقل غاز الشمال (الذي تتقاسمه مع إيران)، ويتوفر على أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في الخليج الفارسي (الذي تسميه الدول العربية الخليج العربي). فقطر تريد أن ينقل ذلك الغاز عبر السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.
ولم تنجح الخطط لبناء خط أنبوب الغاز مع بشار الأسد، فثلث حقول الغاز في تلك المنطقة هي في ملكية إيران. وتحلم طهران منذ سنوات بتشييد خط أنابيب لنقل الغاز من إيران عبر العراق وسوريا في اتجاه البحر الأبيض المتوسط. وفي يوليو/ تموز 2011، أعلنت إيران عن رغبتها في إطلاق مشروع بقيمة عشرة مليارات دولار لهذا الخط، ووقعت اتفاقا مع الأسد في يوليو/ تموز2012، لكن المشروع لم ير النور.
وبالنسبة لمرهاد كونساري، الخبير في مركز الدراسات العربية والإيرانية في لندن، فإن إيران من خلال دعمها للأسد "ترسل إشارة إلى كل حلفائه في المنطقة، مفادها: الولاء لنا يؤتي ثماره". ويضيف الخبير مرهاد كونساري أن الصراع في سوريا "هو حول شخص بشار الأسد، ولكن أيضا حول سوريا كدولة في البحر الأبيض المتوسط ولها أهمية إستراتيجية في الحدود مع إسرائيل. والتأثير الإيراني في سوريا يُظهر قوت إيران في الشرق الأوسط بكامله".
شابنام فونهاين / عبد الرحمان عمار