تساؤلات حول السياسة الأمريكية تجاه مصر

لا السياح المنبهرون بأهرامات الجيزة، ولا أولئك الذين يستمتعون بدفئ الشمس على شواطئ البحر الأحمر يشعرون بأن مصر تحكمها حقا منذ ثمانية وعشرين عاما قوانين طوارئ. وهذا المصطلح يثير نوعا من الفزع والارتباك لأن الطوارئ توحي بمشاهد الحرب الأهلية والمليشيات المسلحة وانتشار العربات المدرعة. والواقع أن مصر بعيدة، ولحسن الحظ، عن هذا وذاك رغم أن الأعوام الماضية شهدت اندلاع أعمال عنف محلية واعتداءات إرهابية كان لها وقع الزلزال في البلاد.

إلا أن هذا لا يعني أن حالة الطوارئ محض خيال أو مجرد افتراض خصوصا بالنسبة لضحاياها، فهي الإطار الذي يسمح في مصر بمتابعة المدنيين أمام محاكم عسكرية واعتقالهم دون ضمانات قانونية. وقد أعدت منظمة هيومان رايتس ووتش قائمة بأسماء المعتقلين المعنيين ينتمون إلى كل الأطياف: من الناشط الديموقراطي إلى المدون المنتقد للدين وصولا إلى المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. والقاسم المشترك بينهم قبوعهم في السجن بسبب آرائهم السياسية، وادعاء أنهم تحدوا إما السلطة أو القيم الأخلاقية السائدة.

معضلة سياسة الغرب في الشرق الأوسط

وفي محادثات واشنطن، وكما جرت عليه العادة، طالب الطرف الأمريكي من مصر شكليا، بتحسين وضعية حقوق الإنسان. وهذا الموقف يقودنا في حد ذاته إلى جوهر المعضلة التي تعترض السياسة الغربية تجاه دول كمصر. فمصر مبارك ليست فقط بلدا تداس فيه حقوق الإنسان وتنظم فيه انتخابات مشكوك في مصداقيتها، وإنما هي أيضا شريك استراتيجي للغرب موثوق به في عدد من القضايا. فهو أول بلد عربي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وهو بلد يقوم بأدوار وساطة حيوية بين أطراف النزاع في المنطقة، بما في ذلك رعاية الحوار بين الإخوة الأعداء الفلسطينيين.

أما جماعة الإخوان المسلمين فليس الغرب وحده الذي ينظر إليها بعين الريبة والحذر، فنظام مبارك يعمل على احتوائها تارة بالوعد وتارة أخرى بالوعيد. وهي قوة سياسية قد تكون قادرة على الوصول إلى السلطة في حال تمكنت من المشاركة في انتخابات نزيهة وشفافة.

كل هذا يكتسي أهمية بالغة للأمريكيين الذين جعلوا من مصر ثاني أكبر بلد يتلقى لمساعداتهم المالية في المنطقة. وهم إذ يفعلون ذلك إنما يدعمون نظاما بعيدا عن المثل الديموقراطية. وهذه سياسة تعطي انطباعا خطيرا قد يكون وخيم العواقب يوحي بأن الغرب يكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بموضوع الديموقراطية في المنطقة.

رفع الطوارئ و ضرورة الإصلاحات

ليس هناك حل سحري لتجاوز هذه المعضلة، إلا أن هناك حاجة إلى بلورة إستراتجية متوازنة وبعيدة المدى تراهن على تجاوز عهد مبارك من خلال اصلاحات الديموقراطية ودعم المجتمع المدني. إستراتجية تنطلق من ممارسة الضغط على الشريك مباراك لحمله على الدخول إلى جانب القوى الأخرى في عملية تقود في النهاية إلى انسحابه هو وحاشيته من السلطة، وبالتالي تفادي مبايعته من جديد أو تنصيب ابنه على كرسي الرئاسة. إنها مهمة ليست بالسهلة حتى بالنسبة لباراك اوباما السياسي الأقوى نفوذا في العالم. ومع ذلك فهذا لا يقلل من حاجة مصر الملحة إلى إصلاحات بتصورات وأهداف واضحة، ناهيك أن استمرا حالة الطوارئ الدائمة تضعف من فرص وآفاق التنمية الاقتصادية في هذا البلد.

تعليق: راينر زولش

مراجعة: هيثم عبد العظيم