تزايد زواج القاصرات في المغرب رغم مدونة الأسرة
٢٢ مايو ٢٠١١"اجلس مكانك، سئمت تصرفاتك" هكذا تخاطب مريم ذات العشرين ربيعا بتذمر ابنها محمد الذي رأى النور قبل أربع سنوات ، ومنذ ذلك الحين وهذه الفتاة التي تزوجت في سن المراهقة تعاني الأمرين من صعوبة المسؤولية التي وجدت نفسها متورطة فيها دون سابق إنذار. فمريم، كما تحكي، اعتبرت الزواج منذ البداية مجرد حلم جميل أرادت تحقيقه بجانب أحد الشبان الذي تقدم لخطبتها وسنها لم يتجاوز الرابعة عشرة " لقد قام بحجزي، حتى لا يسبقه أحدهم، وما إن مرت سنة بعد الخطبة حتى وجدت نفسي في عش الزوجية" هكذا توضح مريم بحنق قبل أن تكمل أن هذا العش تحول إلى قفص بعد مرور ستة أشهر على الزواج، خاصة وأن زوجها يكبرها بعشرين سنة، واضطرت بعد الزواج إلى تحمل أعباء البيت الذي تشاركها فيه حماتها، وتضيف مريم أنها تتمنى لو عاد بها العمر سنوات إلى الوراء حتى تغير مصيرها وتكمل " أتمنى لو أحصل على الطلاق، لأنني اكتشفت أنني كنت مجرد صفقة بين زوجي وأبي، لكن من الصعب حصول ذلك، فعائلتي لن تتقبل فكرة طلاقي."
تعيش مريم في قرية صغيرة توجد قرب مدينة الدار البيضاء تدعى "أولاد زيان"، وتحاول تقبل وضعيتها التي حتمها عليها القدر، لاسيما وأنها أم لطفلين لا تعرف حتى طريقة تربيتهما " كيف لي أن أربي أولادي وأنا ما زلت أحتاج إلى عناية وحنان والدي ؟!" هكذا تستفهم مريم التي لا تجد جوابا شافيا لسؤالها.
“زواج القاصر اغتصاب لطفولتها”
هذا التساؤل المشروع لمريم يؤكده الباحث الاجتماعي علي شعباني عندما يبين أن الفتاة في سن صغيرة لا يمكن أن تكون مؤهلة للزواج ومسؤولياته، لأنها ما زالت طفلة وتحتاج إلى التربية والتعليم والتأهيل والتنشئة الاجتماعية، وليس الزواج، ويضيف أن الآثار تكون وخيمة على المستوى الصحي والنفسي للفتاة وحتى على مستقبل الأسرة، ويستدرك مبينا أن الكثير من العائلات تتعاطى لهذا النوع من الزواج دون أن تكون واعية بهذه المخاطر التي يتسبب فيها تزويج البنات في سن صغيرة. ويصف هذا الباحث الاجتماعي. زواج القاصر باغتصاب للطفولة وحقوقها.
وفي حديث عن الأسباب التي تجعل هذا النوع من الزواج لا يزال حاضرا في المجتمع المغربي بالرغم من تحديد مدونة الأسرة سن الزواج بالنسبة للفتاة بسن الثامنة عشرة، يرى علي شعباني أن الأمية والتهميش والجهل عوامل مهمة تجعل هذه الظاهرة تتفشى، ليضيف قائلا " في مجتمع تصل نسبة الأمية إلى أكثر من 60 في المائة من الساكنة، يجب أن نتوقع هذه الحالات " ليكمل قوله موضحا أنه ما دام المجتمع لم يتغلب على الآفات الأساسية المتمثلة في الأمية والجهل، فلا يمكن أن نتكلم عن وقف العديد من الظواهر بما فيها زواج القاصرات. ويضيف قائلا " هؤلاء الآباء الذين يزوجون بناتهم في سن مبكرة لا يعلمون بوجود المدونة، فقد ورثوا عن أجدادهم هذه العادات، وبالتالي فهو لا يرى البنت إلا في بيت زوجها كيفما كان سنها." ليفسر علي شعباني قوله بأن شرائح واسعة من المجتمع المغربي لا تعرف الأخطار الوخيمة لزواج القاصرات، ولهذا فهذه الظاهرة ستظل حاضرة فيه إلى أن يتم الرفع من مستوى المعرفة والوعي، على حد تعبير الباحث الاجتماعي.
خرق القانون يرفع من نسبة زواج القاصرات
من جهة أخرى ترى نجاة أنوار، رئيسة جمعية "ما تقيسش ولدي" بمدينة أكادير أن هناك ارتفاعا في عدد الملفات المتعلقة بزواج القاصرات وهذا يدل حسب رأيها على خرق القانون والتحايل عليه. وتضيف هذه الحقوقية أن الظاهرة تعرف انتشارا كبيرا في القرى وهو ما يعني أن ورش تعميم مدونة الأسرة على جميع مناطق المغرب لا يزال محتاجا للكثير من الجهود، على حد تعبيرها، لتسترسل موضحة أن النسيج الجمعوي بالمغرب يقوم بمبادرات من أجل التوعية والقضاء على هذه الظاهرة، لكنها تبقى غير كافية حسب نجاة أنوار طالما أن هناك "جهات تقاوم هذه المبادرات الرامية إلى السمو بوضعية المرأة وتحقيق المساواة الفعلية بين الجنسين في جميع الميادين" تقول نجاة أنوار قبل أن تكمل " نحن في الجمعية، يبقى هذا هو مطمحنا و نتمنى أن يستجيب المتدخلون جميعهم لهذه المطالب المشروعة من أجل حماية مجتمعنا."
وارتباطا بنفس الموضوع ترى نجاة أنوار أن موضوع زواج القاصرات يجب أن يكون محط دراسة ميدانية يعهد بها إلى متخصصين من أجل الوقوف بالملموس عند حجم الانحرافات التي يتسبب بها التطبيق السيئ للقانون والتحايل عليه، ومعرفة الآثار النفسية والجسدية التي يتركها الزواج في سن مبكر.
فتاوى دينية مثيرة للجدل
أعاد الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي، فتواه الشهيرة التي أطلقها سنة 2008 والتي أجاز من خلالها زواج بنت التسع سنين، إلى الواجهة في لقاء معه قبل ثلاثة أسابيع بمدينة بمراكش. الشيخ المثير للجدل حسب الأوساط الحقوقية المغربية أكد أن بنات التسع سنين قادرات على الزواج، شأنهن شأن بنات العشرين، في تضارب مع مدونة الأسرة التي تجرم زواج القاصرات.
لكن علي شعباني نفى هذه الفتوى التي تداولتها مختلف المنابر الإعلامية، ليوضح قائلا "الشيخ المغراوي لم يكن يفتي، فهو أعطى رأيه حول الزواج انطلاقا من زواج عائشة زوجة الرسول في سن التاسعة، لذلك لا يمكن أن نقول أنها فتوى"، ليستكمل رأيه موضحا أنه سواء تعلق الأمر بفتوى أو غيرها فذلك مخالف للطبيعة، لأنه لا يمكن أن نقطف الثمرة قبل أن تكون ناضجة على حد تعبير الباحث الاجتماعي الذي يضيف أن الأمر يخالف الشرع، ويورط بعض الآباء في تزويج بناتهم في سن صغيرة.
من جانبها ترى نجاة أنوار، أن وجود هذا النوع من الفتاوى يوضح على أن المجتمع لا يزال يعاني من هذه الطينة من أشباه العلماء، عبر مغالطات وقراءة لا تاريخية للنصوص المقدسة، ويتشبثون برؤى ظالمة وظلامية، حسب قول أنوار مضيفة أن الجمعية لن تتوانى في فضح هذه الكائنات التي تتغذى من الجهل والأمية لتنشر سمومها. "سوف نعمل على عقد ندوات ولقاءات لفرض موقف مدني يجابه هذه المواقف الشاذة،" تقول نجاة أنوار، رئيسة جمعية "ما تقيسش ولدي".
الاستثناءات واردة في مدونة الأسرة
مدونة الأسرة الصادرة سنة 2004 حددت سن الزواج بالنسبة للجنسين بسن الثامنة عشرة، غير أن هذا التحديد الوارد في المادة 19 أُلحق بنص معطوف عليه في المادة 20 يعطي لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، صلاحية السماح "بزواج الفتى والفتاة القاصر" دون السن القانوني، بعد تعليل طلب الزواج يبين المصلحة والأسباب المبررة لذلك، وعادة ما يكتفي قاضي الأسرة في الإذن بتزويج الفتاة بتصريحات الولي، واعتماد نفس مبرراته، مثل توفر القاصرة على القدرة الجسدية لتحمل أعباء وواجبات الزواج، أو وجود روابط عائلية بين المخطوبين، أو كون عادات أهل المنطقة تسمح بتزويج الفتيات في مثل سن الفتاة المعنية؛ أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفتاة القاصر؛ أو اقتراب القاصرة من السن القانوني للزواج.
ووفقا لإحصائيات وزارة العدل لسنة 2008 تم تزويج 31 ألف فتاة قاصرة ما سجل ارتفاعا بالمقارنة مع عام 2007 التي لبى فيها قضاء الأسرة 29847 إذنا بتزويج القاصرات.
سارة زروال - الدار البيضاء
مراجعة: هيثم عبد العظيم