تركيا والاتحاد الأوروبي ـ الكبرياء التركية أهم من العضوية؟
لا شك أن الشروط الجديدة التي وضعها البرلمان الأوروبي على انضمام تركيا ـ وان كانت غير ملزمة لحكومات الدول الأعضاء ـ احدثت خدشا ظاهرا في كبرياء الشعب التركي، هذا الشعب الذي مازال يعيش في ظلال الماضي القريب عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تحكم شرقا وغربا حتى وصلت إلى أبواب فيينا. ومن يدرك مدى تشبث الأتراك بقوميتهم وكبرياءهم، يمكن أن يتفهم الرفض التركي القاطع لأي شكل من أشكال الانضمام المنقوص الى الاتحاد الأوروبي كفكرة "الشراكة المميزة" التي تدعمها الأحزاب المسيحية المحافظة في ألمانيا والنمسا.
ومن يعرف عن مدى اعتزاز الأتراك بتاريخهم "العظيم" ومساهماتهم في "تقدم الإنسانية" يدرك أن اعترافهم بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية عن المذابح ضد الأرمن في بدايات القرن الماضي أمر لن يتحقق أبدا. يشار الى البرلمان جعل في جلسة الأربعاء الماضي 28 سبتمبر/ أيلول من اعتراف الأتراك بمسؤوليتهم عن تلك المذابح، التي وقعت ما بين 1915ـ 1923 وراح ضحيتها 1.5 مليون أرمني، شرطا لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
تركيا ودورها في استقرار اوروبا
لطالما كانت عملية توسيع الاتحاد الأوروبي واحدة من أهم نجاحاته بحيث جلبت الاستقرار والديمقراطية الى بقاع تلك القارة. فمن خلال التوسع شرقا وضم بولندا ودول البلطيق وهنغاريا، تمكن الاتحاد من توسيع دائرة الأمن الجغرافي والجيوسياسي للدول المؤسسة للاتحاد في أوروبا الغربية. وعلى الرغم من عدم وجود تباين في مواقف الأحزاب الأوروبية الكبرى بشأن أهمية التوسع شرقا من الناحية الاستراتيجية، الا أن الأمر يختلف مع تركيا، أكبر وأهم بلد يتقدم بطلب العضوية فيه حتى الآن.
لقد أثبتت هجمات11 سبتمبر/ أيلول في نيويورك وواشنطن اضافة الى عمليات مدريد ولندن أن إشراك بلد مسلم كبير في "النادي الأوروبي" لم يعد مجرد مسألة مساعدة بلد مهم استراتيجيا على مواجهة تحديات الحداثة والدمقرطة فحسب، بل هو يمثل أيضا اختبارا فيما اذا كان الغرب عموما راغب في تشجيع إسلام ديمقراطي وعصري قادر على استيعاب التوجهات المتطرفة في إطار القانون. لذلك يرى الكثير من المراقبين ان فشل عملية انضمام أكبر بلد إسلامي علماني إلى الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحدث نوعا من التباعد الثقافي ويجعل الهوة ما بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية الغربية أكبر مما هي عليه الآن. كما أن من شأن ذلك أن يجعل الاتراك يتجهون الى إقامة تحالفات أخرى مع روسيا أو إيران مثلا. من المؤكد أن تركيا ليست بلدا ديمقراطيا بالمفاهيم الغربية، والعرب مثلا لا ينظرون اليها على انها مثالا يحتذى به في الشرق الاوسط، غير ان كثيراً من العرب سينظرون الى رفض عضوية تركيا كنفاق او حتى عنصرية من جانب الغرب.
مخاوف قد تكون مبررة
سألت صحيفة "فاينانشال تايمز دويتشلاند" أحد سكان برلين يوما عن رأيه في انضمام تركيا الى الاتحاد فأجاب قائلا: "انا ضد دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، فطريقة حياة الاتراك وديانتهم لا تتناسبان مع حياة الأوروبيين." قد يبدو هذا صحيحا، ولكن من قال أن طريقة حياة القبارصة واليونانيين والبرتغاليين تشبه نظيرتها في برلين ولندن وباريس مثلا. كما أنه ليس من المطلوب أن يغير أي عضو من أعضاء الاتحاد الأوروبي ديانته أو أسلوب حياته ليصبح عضوا في الاتحاد، بل عليه أن يلتزم ببعض القيم الإنسانية التي يمكن أن يجدها المرء في أي دين وفي أية ثقافة.
لكن من الواضح أن تركيا مشكلة خاصة، فالأمر لا يتعلق بدولة لا يتعدى عدد سكانها بضعة ملايين، وانما الحديث هنا عن واحدة من أكبر الدول "الأعضاء" في الاتحاد. وبحلول عام 2015 سيتجاوز عدد سكانها سكان ألمانيا، أكبر الدول الأعضاء من حيث عدد السكان، ما سيكون له تبعات تثير القلق على وزنها في عملية التصويت وفي تمثيلها في الاتحاد. وهناك مسألة أخرى وهي أن الاتحاد الأوروبي ينفق غالبية أمواله على الزراعة وتقديم المساعدات الى المناطق الفقيرة في الدول الأعضاء وتركيا تحتاج الى الاثنين بصورة كبيرة، الأمر الذي سيثقل الميزانية الأوروبية التي تعاني أصلا من مشاكل تمويلية خطيرة وتحتاج الى إصلاحات جدية مع أو بدون تركيا.
معطيات غير مبشرة
تتجه انظار متابعي الملف التركي يوم الاثنين القادم الى بروكسل حيث ستبدأ محادثات الانضمام التي يتوقع لها أن تستمر فترة طويلة من الزمن. قراءة متأنية ومتروية للمعطيات الحالية توحي بأن فرص نجاح المفاوضات محدودة وخصوصا بعد فشل التصويت على دستور الاتحاد في فرنسا وهولندا واحتمالية خسارة تركيا لحليف قوي في الاتحاد وهو الحكومة الألمانية المتمثلة في تحالف الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة شرودر والخضر بزعامة فيشر.
يذكر أن تركيا تقدمت أول مرة بطلب العضوية في المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1959 وفي عام 1963 وقع الطرفان اتفاقية ارتباط تقبل ضمناً ترشّح تركيا. وفي عام 1995 أصبحت تركيا طرفاً في الاتحاد الجمركي. وفي عام 1999 قبل الاتحاد الأوروبي طلب تركيا للترشح لعضويته.
ناصر شروف / دويتشه فيله