تحليل: سياسة ترامب الاقتصادية بين الفشل والوعود على تويتر
٢ نوفمبر ٢٠٢٠سوف ندع الفضائح والأكاذيب وخطب الكراهية الترامبية جانبا، لنركز على وعوده الاقتصادية للأمريكيين خلال انتخابات عام 2016. ولكي لا يقول مؤيدوه أن جائحة كورونا هي السبب في عدم وفائه بها، سيتم اعتماد المؤشرات المتعلقة بهذه الوعود قبل اندلاع الجائحة. بداية نعرّج على أبزر تعهداته بإعادة إحياء وتوطين الصناعات الأمريكية التحويلية التي هجرت الولايات المتحدة بالجملة اعتبارا من تسعينات القرن الماضي إلى الصين ودول أخرى رخيصة العمالة.
وتركزت هذه الصناعات سابقاً في مناطق ما يُسمى اليوم "حزام الصدأ" حيث المعامل المهجورة الواقعة في 8 ولايات ممتدة من بيويورك وحتى ويسكونسن. وكانت هذه الولايات في الماضي تشكل قلب الصناعة الأمريكية أو ما يسمى منطقة "الحزام الصناعي" التي ضمت أهم صناعات الحديد والصلب والسيارات في العالم. السؤال هنا، ماذا حقق ترامب من وعده هذا؟
الفشل في إحياء مناطق الحزام الصناعي
تشير أكثر من دراسة عن فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حتى اندلاع جائحة كورونا إلى فشله في الوفاء بهذا التعهد. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن سياساته الحمائية وحروبه التجارية ضد الصين ودول أخرى أضرت بالكثير من الصناعات التي انقطعت سلاسل توريدها وأضرت بالاستثمار والتوظيف فيها، لاسيما وأن الأوروبيين والصينيين اتخذوا أيضاً إجراءات عقابية مضادة. ولا يغير من هذا الاستنتاج نجاح ترامب المحدود في حماية وتعزيز مكانة صناعة الحديد والصلب في السوق الداخلية الأمريكية بفضل فرض رسوم جمركية أعلى على الحديد والصلب الأوروبي وغير الأوربي المنافس للأمريكي.
لكن في المجمل لم تغيير مكانة الصناعة في الاقتصاد الأمريكي، فحصتها في توفير فرص العمل بقيت حتى اندلاع جائحة كورونا، أي بعد أكثر من 3 سنوات من حكمه بحدود 8 بالمائة، كما أن مساهمتها في الناتج الإجمالي الأمريكي ظلت كذلك بحدود 11 بالمائة، وهي مساهمة تقل بنسبة 50 بالمائة عن دور الصناعة الألمانية في الاقتصاد الألماني. وتشير التقديرات الأخيرة أن قسماً هاماً من عمال وموظفي الصناعة فقدوا عملهم بسبب جائحة كورونا وتهاون ترامب في اتخاذ إجراءات مواجهتها في الوقت المناسب.
العجز في الميزانيات يخرج عن السيطرة
ولكن ماذا بالنسبة لتعهده بتقليص عجز الميزانيات وفي مقدمتها العجز التجاري الذي وصل إلى أرقام خيالية تزيد على مجمل الناتج الأمريكي الذي يزيد على 22 تريليون دولار. تحت شعاره "أمريكا أولاً" ألغى ترامب الكثير من الاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى وبدأ حرباً تجارية طالت حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين وفرض تعرفة جمركية وصلت 25 بالمائة على السلع الصينية. غير أن هذا الإجراء الذي قلص التجارة مع الصين بنحو 26 مليار دولار في عامي 2017 و 2018، أدى إلى زيادة الواردات الأمريكية من فيتنام والمكسيك وماليزيا وتايوان ودول أخرى بمبالغ تقترب تدريجياً من المبلغ المذكور. ومؤخراً وخلال جائحة كورونا اضطرت الولايات المتحدة لزيادة وارداتها الصينية ليس فقط من الكمامات والمعقمات والأجهزة الطبية، بل أيضاً من مكونات وقطع تبديل الأجهزة الإلكترونية على اختلافها. وفيما يتعلق بالميزانية الحكومية فقد فاقمت سياسة ترامب الضريبية من عجزها بسبب تخفيض الضرائب على أثرى الأثرياء من 35 إلى 21 بالمائة مقابل تخفيضها على الأشخاص من ذوي الدخل المحدود من 39.6 إلى 37 بالمائة. وهو أمر جعل الأغنياء أغنى، في حين لم يقود إلى تحسين مستوى معيشة أكثر من 80 بالمائة من الأمريكيين بسبب دخولهم المنخفضة وارتفاع أسعار الكثير من السلع الاستهلاكية اليومية.
التغطية على الفشل بارتفاع مؤشرات الأسهم
يحاول ترامب التغطية على فشله في الوفاء بوعوده من خلال التغني بارتفاع مؤشرات الأسهم الأمريكية بنسب تتراوح بين 40 إلى 50 بالمائة خلال فترة توليه السلطة. صحيح أن قيامه بخفض الضرائب على الشركات والأثرياء ساعد هؤلاء على ضخ مليارات إضافية في سوق الأسهم. غير أن الفضل الأكبر في الارتفاع المذكور وهذا هو رأي الكثير من المحليين يعود بشكل أساسي إلى سياسة التيسير النقدي وخفض الفوائد التي يتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي منذ الأزمة المالية العالمية أيام الرئيس السابق باراك أوباما. وقد أدت هذه السياسة إلى ضخ بلايين الدولارات في سوق الأسهم كاستثمار سهل. وجاء هذا الضخ لصالح شركات كبيرة وعملاقة ناشطة في التكنولوجيا العالية والإنترنت والتجارة الإلكترونية مثل أمازون ونيتفلكس وغوغل وابل ومايكروسوفت وأخواتها.
لا تغييرات مهمة سواء بقي ترامب أم جاء بايدن
لعل من أكثر الأمور غرابة أن ترامب وصل إلى سدة الرئاسة بفضل أصوات ناخبي الطبقة العاملة في الولايات الصناعية سابقاً. وكانت هذه الولايات حتى تصديقها لوعود ترامب الوردية والتويترية تصوت للحزب الديمقراطي بشكل تقليدي. ومع استمرار مشاكل هذه الولايات خلال حكم ترامب وتفاقمها خلال أزمة كورونا بفعل سوء إدارته لها وردود فعله "الصبيانية والغريبة عليها"، يمكن القول أن أمام الرئيس فرصة ضعيفة في الفوز بأصواتها في انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وعلى صعيد الولايات المتحدة ككل ليس في يد ترامب حالياً باستثناء تغريداته الشعبوية ما يقدمه لتهدئة غالبية الأمريكيين بعد انقضاء فترة حكمه الأولى في خضم سلسلة فضائح لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلاً. أما نمو الاقتصاد الأمريكي الذي يتغنى به ترامب وخاصة في قطاع الخدمات فقد جاء لصالح نسبة قليلة جدا من الأمريكيين الذي ضاعفوا ثرواتهم، في حين يعاني أكثر من نصف الأمريكيين الفقر. وزاد الطين بلة أن أكثر من 40 مليون أمريكي فقد وظائفهم بسبب إغلاقات كورونا. كما أن الاضطرابات العنصرية التي صب ترامب الزيت على نارها دفعت الكثيرين من مؤيديه إلى إدارة ظهرهم له حسب آخر الاستطلاعات. ومع ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا إلى مستويات قياسية مؤخراً تتجه أسهم ترامب الشعبوية إلى مزيد من التراجع عشية موعد الانتخابات التي لن تغير نتائجها الكثير على مستوى الولايات المتحدة سواء بقي ترامب في السلطة أم عاد الديمقراطيون إليها مجدداً عن طريق جو بايدن.
ابراهيم محمد