هل تضع أوروبا حداً لخطر ترامب على حرية التجارة؟
٢ يونيو ٢٠١٨لا تشكل رسوم ترامب الجمركية العقابية ضد صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية إلى السوق الأمريكية صدمة قاسية للاتحاد الأوروبي بسبب قيمتها التي يمكن لأوروبا استيعابها دون خسائر كبيرة، فالمشكلة تكمن في أن الرسوم التي تشمل صادرات بقيمة 27 مليار يورو سنوياً طالت حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة على مدى عقود.
غير أن ترامب الذي أسرته السلطة والأنانية فعلها ضد حلفائه الأوروبيين غير آبه بردود الأفعال حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي ترتفع الأصوات فيها ضد هذه الرسوم التي تضر بقطاعات أقوى وأوسع من قطاع الصلب والألمنيوم الذي لايعد من القطاعات الوازنة في الولايات المتحدة مقارنة بقطاع السيارات والطائرات والآلات والتجهيزات، التي تعتمد على الصلب والألمنيوم المستورد على نظاق واسع. فمع فرض الرسوم سترتفع تكاليف الإنتاج التي سيتحمل عبئها المستهلك الأمريكي وسيتراجع قطاع الصادرات الأمريكية مع هذا الارتفاع، الأمر الذي سيؤدي على المدى الطويل إلى عكس ما يريده ترامب، ألا وهو إعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي الخاسر مع الدول التي فرض الرسوم ضدها.
خوف على السيارات الألمانية
ردود الأفعال الأوروبية جاءت رافضة للرسوم ومهددة برسوم مماثلة قيل أنها تشمل الويسكي والجينز والموتورات المستوردة من ولايات أمريكية يحكمها الجمهوريون المؤيديون للرئيس ترامب. وتهدف هذه العقوبات إلى دفع حكام هذه الولايات إلى الضغط على ترامب لثنيه عن موقفه. غير أن تجربة الأشهر الماضية تشير إلى أن الأخير لايأبه للضغوط عندما يقرر فعل شيء.
ومن هنا تخشى دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا من أن تأخذ المشكلة أبعاداً انتقامية بحيث يلي كل رد فعل على قرارات ترامب خطوات مماثلة من قبله بشكل يفتح الباب على مصراعيه أمام حرب تجارية تقود إلى حرب اقتصادية تهدد بحدوث كساد عالمي لا تحمد عقباه على الجميع. وقد كان ترامب واضحاً بهذا الخصوص عندما هدد بتوسيع نطاق فرض الرسوم الجمركية لتشمل السيارات الألمانية وفي مقدمتها مرسيدس في حال لم يقدم الأوروبيون عرضاً لتخفيض رسومهم الجمركية على المنتجات الأمريكية كالسيارات والأغذية وغيرها.
وفي حال شملت الرسوم السيارات الألمانية، فإن ذلك يعني ضربة موجعة لألمانيا التي تصدر سنوياً حوالي نصف مليون سيارة يرتبط بها عشرات الآلاف من أماكن العمل التي تساهم في رفد الميزانية الألمانية بعشرات المليارات من الضرائب والفوائض التجارية. وتحقق ألمانيا أعلى فائضاً تجارياً على الصعيد الأوروبي مع الولايات المتحدة، بقيمة وصلت إلى 50 مليار يورو في عام 2017 من أصل 121 مليار يورو لمجمل الفائض الأوروبي.
في الأزمة فرصة!
يفسر قوة العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والولايات المتحدة ردود الأفعال الألمانية الأقل حدة من نظيرتها الأوروبية على رسوم ترامب. حتى أن بعض ممثلي الاتحادات الصناعية طالبوا الحكومة الألمانية بالعمل على تكثيف المفاوضات الهادفة إلى حل وسط. ومما يعنيه ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بتخفيض الرسوم الجمركية الأوروبية على الواردات الأمريكية وفي مقدمتها المنتجات الزراعية واللسيارات.
الجدير ذكره أن الرسوم الأوروبية على السيارات الأمريكية تصل إلى 10 بالمائة مقابل 2.5 بالمائة تفرضها الولايات المتحدة على السيارات الأوروبية. بموازاة ذلك جاء رد الفعل الفرنسي أكثر قوة مقارنة بنظيره الألماني، فالرئيس ماكرون وصف إجراء الولايات المتحدة بأنه "قومية اقتصادية وتجارية" قد يغلق الباب أمام مناقشة قضايا أخرى مع واشنطن ويقود إلى الحروب في إشارة إلى الحروب المدمرة التي قادت إليها القوميات السياسية والشوفينية في أوروبا وخارجها أيام الحقب الاستعمارية.
ومع بقاء التصور الفرنسي أحد السيناريوهات الممكنة، فإن الإجراء الأمريكي في كل الأحوال يقوي النزعة الحمائية على حساب ليبرالية التجارة العالمية التي لاتخلو بدورها من إجراءات حمائية انتقائية تفرضها حتى أوروبا نفسها على السيارات الصينية وغيرها. أما على المدى الطويل، فإن إجراءات ترامب قد تشكل كذلك فرصة للجلوس على طاولة مفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية بهدف إعادة هيكلة التجارة العالمية بشكل أكثر توازن وعدالة بعيداً عن الاحتكار والهمينة.
وفي حال تمكن الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف موحد بهذا الخصوص، فإن هذه الفرصة تصبح أكثر واقعية نظراً لعلاقاته الكثيفة والمتشابكة مع غالبية دول العالم والقوى التي تدافع عن ليبرالية التجارة العالمية حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. غير أن السؤال التي تصعب الإجابة عليها الآن هو: هل تتمكن أوروبا من اتخاذ هذا الموقف والنجاح في الامتحان الذي فرضته إجراءات ترامب عليها؟
تأثر محدود في العالم العربي
أحد الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، ماذا بشأن تأثير رسوم ترامب على الدول العربية؟ بالطبع ليست هذه الدول عموماً في طليعة الأسواق المنتجة والمصدرة للحديد والألمنيوم. أما الدولتان اللتان تصدران ألمنيوم بما يزيد على 2 مليار دولار سنوياً وهما الإمارات والبحرين، فإن غالبية هذه الصادرات لا تذهب إلى السوق الأمريكية.
وعليه فإن تأثر الدول العربية بقرارات ترامب محدود على صعيد التصدير. أما فيما يتعلق باستهلاك الدول العربية من الصلب والألمنيوم فمن المتوقع تأثره بشكل إيجابي في المدى المنظور. ويعود سبب ذلك إلى أن كبار الدول المنتجة كالصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها سوف تتنافس بشكل أكبر في الأسواق العربية بشكل يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتقليص فاتورة الاستيراد.
ومما يعنيه ذلك أيضاً تراجع تكلفة المنتجات العربية التي تستخدم الصلب والألمنيوم بشكل يجعلها في متناول المستهلكين كأفراد وكشركات بشكل أسهل وأنسب. وتشكل الدول العربية جزءا هاماً في منظومة التجارة العالمية على صعيد الطاقة. ففي حال اتجه العالم إلى الحمائية وعانت التجارة العالمية من الكساد فإن ذلك سينعكس سلباً على صادرات النفط والغاز التي تشكل العمود الفقري للصادرات العربية.