ترحيل العمال الوافدين عن السعودية ولا حديث عن وجهتهم!
٢ فبراير ٢٠١٩مع بدء تنفيذ منع العرب والأجانب من العمل في خمسة أنشطة اقتصادية جديدة في السعودية بحلول كانون الثاني/ يناير 2019 يصبح مصير مئات الآلاف من العمال غير السعوديين الترحيل السريع والقسري قبل نهاية العام الجاري. وتشمل هذه القطاعات متاجر الأجهزة الطبية ومواد البناء وقطع السيارات والسجاد والحلويات. وسبق لوزارة العمل السعودية أن اعلنت أوائل العام الماضي 2018 منع العرب والأجانب من العمل في 12 قطاعا آخر من ضمنها بيع الأجهزة الكهربائية ووسائل الاتصال.
ويزيد الضغط على الباقين منهم بالضرائب وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى فرض رسوم سنوية عليهم وعلى أفراد عائلاتهم بحيث يدفع العامل عن نفسه رسما تزيد قيمته على 160 دولارا أمريكيا وعن كل مرافق من أفراد عائلته أكثر من نصف هذه المبلغ حاليا. ومع تنفيذ خطة لرفع هذه المبالغ خلال العام القادم سيصبح الوضع أصعب وأصعب على العمال العرب والأجانب الذين يتقاضى أكثر من نصفهم أقل من 1000 دولار شهريا كراتب شهري للعامل. ولا يستفيد هؤلاء من المكارم الملكية التي توزع على السعوديين فقط بسبب الارتفاع السريع في تكاليف المعيشة.
رسوم وضرائب وفوقها الإهانة
منع العمل والرسوم وفرض ضرائب جديدة وارتفاع الأسعار إلى جانب إجراءات إدارية وأمنية يتخللها القسر والعنف والإهانة، أدت إلى مغادرة وترحيل ملايين العمال العرب والأجانب خلال الأعوام الأربعة الماضية بشكل سريع يثير القلق على مصير الباقين منهم هناك. وعلى سبيل المثال تقول المعطيات المتوفرة أن أكثر من مليون عامل أجنبي فقدوا وظائفهم في أقل من عامين. وتفيد آخر معطيات الهيئة العامة للاحصاء في السعودية أن عدد العاملين الآجانب هناك تراجع خلال الربع الثالث من العام الماضي 2018 لوحده بأكثر من 315 ألف مقارنة بالربع الذي سبقه من نفس العام، أي أن عدد المغادرين والمطرودين زاد على 100 ألف شهريا خلال الفترة المذكورة. وبهذا الانخفاض الجديد تراجع عدد الأجانب المقيمين في المملكة إلى أقل من 9.6 مليونا بحلول سبتمبر/ ايلول 2018 مقابل أكثر من 12 مليونا قبل أربع سنوات حسب تقديرات رسمية وغير رسمية.
ولعل الملفت في الأمر أن مغادرة وترحيل ملايين العمال العرب والأجانب من السعودية بهذه السرعة لا يحظى باهتمام يُذكر من حكومات بلدانهم الأم ولا يلقى اهتمامها بترتيب عودة تدريجية لهم وتأمين تعويضات تساعدهم على ترتيب وبناء مقومات حياتهم من جديد. كما أن الترحيل المذكور يواكبه ردود أفعال خجولة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية ووسائل الإعلام العربية والعالمية. ويمكن وصف ذلك بالتواطؤ على مصير هؤلاء ومستقبل أبنائهم،لاسيما الذين ولدوا منهم في المملكة وعاشوا فيها طوال حياتهم. ومقابل هذه التعتيم تستمر وسائل إعلام عالمية مثل رويترز وأخواتها بالترويج لصورة السعودية كجنة للاستثمار وفرص العمل رغم هروب الأموال والاعتقالات التي أدت إلى مصادرة عشرات المليارات من أمراء ومسؤولين سعوديين متورطين في صفقات فساد من العيار الثقيل!
الهجرة التالية بعيدا عن الوطن الأم
وتعود أو تُرحّل الغالبية من الخبرات العربية والأجنبية من السعودية ودول الخليج الأخرى مذلولة ومكسورة الخاطر بسبب سوء المعاملة وعدم دفع الرواتب لعدة أشهر ناهيك عن عدم دفع تعويضات عن سنوات الخدمية. وهو الأمر الذي لايساعدها على بناء حياتها مجددا في الوطن الأم الذي لا يعرفه الكثيرون من أبنائها إلا من خلال الحكايات والزيارة. أما القسم الأخر من الخبرات الأجنبية والعربية وخاصة من الأطباء والمهندسين والقيادات الإدارية فيتوجهون إلى ألمانيا وهولندا والسويد وكندا وأوستراليا وبلدان أخرى توفر لهم ولعائلاتهم مقومات حياة أفضل ومستقبل مستقر.
ويساعد على ذلك ترحيب هذه الدول بمثل هذه الكفاءات من جهة، وقيام عدد لابأس به من أصحابها باصطحاب أموال يقومون باستثمارها في شركات ومشاريع تخلق قيما مضافة للاقتصاد وألاف فرص العمل الجديدة في بلدان المهاجر الجديدة. وهذا ما يلاحظه المرء على سبيل المثال في ألمانيا من خلال أعداد متزايدة من سوريين وفلسطينيين ولبنانيين قدموا إليها خلال السنوات الثلاث الماضية من السعودية وبلدان الخليج الأخرى وأقاموا مئات المشاريع والشركات المتميزة فيها. وتشيرعدة معطيات إلى طلبات متزايدة من جهة خبرات مصرية ولبنانية وفلسطينية وسورية عاملة في الخليج للهجرة إلى ألمانيا والعمل فيها. وسوف يساعدهم على ذلك حاجة سوق العمل الألماني لأكثر من مليون من العمال المهرة وقرب تنفيذ قانون جديد يسهّل قدوم العمالة الأجنبية المتخصصة إلى ألمانيا قبل حلول هذه السنة 2019.
"مصائب قوم عن قوم فوائد"
تنوي السعودية حتى عام 2030 سعودة سوق العمل في إطار "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي. وتهدف هذه الخطة إلى تقليص البطالة في صفوف الشباب السعودي إلى 7 بالمائة ورفع نسبة العاملين منهم في مختلف القطاعات الاقتصادية بشكل يوازي نسبة الأجانب فيها على الأقل. ومما يعنيه ذلك ضرورة خلق نحو 7 ملايين وظيفة للسعوديين بحلول نهاية العقد القادم. وسيكون ذلك بالتأكيد على حساب ملايين الوظائف التي يشغلها العرب والأجانب في الوقت الحاضر. بالنسبة للبلدان الأم ومن بينها مصر ولبنان واليمن وسوريا سيعني ذلك ضغطا كبيرا على سوق العمل فيها وتراجعا تحويلات العملات الصعبة إلى هذه البلدان. كما يعني استمرار نزيف عقول أبنائها الذي لايمكن بدونهم حتى الحديث عن فرصة حقيقة لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية تواجه مشكلتي البطالة والفقر المتفاقميتن. وبالمقابل فإن الرابح الأكبر من هذا النزيف هي ألمانيا وبلدان المهاجر الأخرى التي التي تصلها هذه الكفاءات جاهزة بخبرات نادرة ورؤوس أموال كبيرة. وستكون هذه الأخيرة أول المستفيدين من التغيرات التي تشهدها سوق العمل في السعودية وبلدان الخليج الأخرى التي لاتوفر لعمالتها العربية والأجنبية وأبنائها ظروف العيش وبناء مستقبلها بكرامة. ولا يغير من هذا الواقع المر الدخل والإغراءات المالية التي قد تفوق مثليتها في بلدان المهجر الأوربية.
ابراهيم محمد