الاقتصاد السعودي ومأزق التخلص من العمال الأجانب
٢٦ مارس ٢٠١٧في خضم الجدل الساخن حول أوضاع العمال الأجانب وظروف العمل الصعبة وأوجه الاستغلال البشعة للكثيرين منهم في بلدان الخليج، تكثف الحكومة السعودية جهودها للاستغناء عن وظائفهم. ويتم تسليط الأضواء حاليا على الأجانب العاملين والمقيمين بشكل غير مشروع، فبعد مناقشة مجلس الشورى السعودي مشروع قانون لمكافحة ما يسميه "الهجرة الاستيطانية غير الشرعية"، طالبت وزارة الداخلية السعودية مؤخرا المخالفين لقوانين الإقامة بمغادرة المملكة خلال تسعين يوما تحت طائلة العقوبات والمساءلة القانونية.
ويقدر عدد المقيمين والعاملين بشكل غير شرعي في السعودية بحوالي 5 ملايين شخص. وتأتي مطالبة الوزارة هذه بعد خطوات تقلل من حوافز العمل مثل قانون تحصيل ضريبة على المرافقين للعمال الأجانب اعتبارا من صيف 2017 بقيمة 25 يورو عن كل شخص. ومن المقرر رفع قيمة الضريبية 4 أضعاف لتصل إلى 100 يورو بحلول 2020 حسب وكالة بلومبرغ للأنباء. ومن شأن ضريبة كهذه أن تدفع الكثيرين للرحيل كونها ستؤدي إلى تآكل قسم هام من مداخيلهم التي يتراوح معدلها لدى القسم الأكبر منهم بين 2000 إلى 2500 يورو شهريا للعامل الواحد. الجدير ذكره أن عدد الأجانب في السعودية بين عامل ومقيم يقدر بحوالي 10 ملايين شخص قدمت غالبيتهم من الهند والفلبين وباكستان ومصر ولبنان. كما أن قسما كبيرا منهم ولد وترعرع في السعودية.
هدف غير واقعي
تهدف الحكومة السعودية من خلال تشديد القيود على العمال الأجانب إلى إحلال العمال السعوديين مكانهم وتخفيض نسبة البطالة في صفوفهم إلى أقل 9 بالمائة بحلول 2020. وتقدر نسبة البطالة الرسمية في المملكة حاليا بأكثر من 12 بالمائة. وتذهب تقديرات غير رسمية إلى القول بأنها تصل إلى 25 بالمائة أو أكثر في صفوف الشباب. ويبدو قطاع الدولة الذي يشغل ثلثي السعوديين العاملين غير قادر على استيعات العمالة المحلية الفائضة بسبب تراجع أسعار النفط وتزايد عجز الموازنة العامة الذي يؤدي إلى التقشف وتراجع الانفاق على المشاريع الحكومية. وهكذا فإن الحكومة تعول على القطاع الخاص لخلق ملايين الوظائف لقوة العمل السعودية خلال سنوات قليلة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، كيف للسعوديين أن يحلوا مكان الملايين من العمال الأجانب في القطاع الخاص خلال فترة قصيرة في وقت لا يتمتعون فيه بالتأهيل والخبرة، لاسيما وأن نظام التعليم السعودي ما يزال يغلب عليه الطابع النظري والتركيز على التعاليم الدينية والتاريخية دون المواد العلمية والتطبيقية.
تبعات محلية وعربية غير حميدة
من جهة أخرى يعتمد القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 80 بالمائة أو أكثر على العمال الأجانب الذي يشتغلون بشكل شرعي أو غير شرعي. ويعمل القسم الأكبر منهم في مجالات تعوّد غالبية السعوديين على ازدرائها لأنها من وجهة نظرهم لا تليق بهم مثل أعمال النظافة والمطاعم والفنادق والخدمات المنزلية. أما القسم الآخر فيشكل عماد قوة العمل في البناء والصناعة والتجارة والنقل الصيانة والخدمات الصحية. ومن هنا فإن الاستغناء عن الملايين منهم بسرعة سيعرّض قطاعات بكاملها للانهيار، ويخشى الكثيرون من أن ذلك سيحول دون تحقيق أهداف "رؤية 2030" الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط. وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير مخاوف وشكاوي رجال أعمال سعوديين مؤخرا من سياسات الحكومة الحالية التي أدت حسب قولهم إلى تراجع أعمالهم بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والطاقة وانخفاض القوة الشرائية للسكان حسب وكالة رويترز للأنباء.
الجدير ذكره أن الشركات الخاصة الملتزمة بتشغيل النسبة المطلوبة من العمال السعوديين تشتكي من تدني إنتاجية هؤلاء وتخلف الكثيرين منهم عن الدوام والقيام بمهامهم بشكل يعرقل سير العمل ويرفع تكلفته. على الصعيد الخارجي سيعرّض الاستغناء عن العمال الأجانب علاقات السعودية مع دول كثيرة بينهم مصر والسودان ولبنان للتوتر، لأن عودتهم ستشكل ضغطا كبيرا على سوق العمل في بلدانهم. كما تحرم الأخيرة من تحويلات بمليارات الدولارات سنويا. وهو أمر قد يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها.
رغم المأزق هناك فرصة
تبدو السلطات السعودية في وضع لا تحسد عليه، فمع تراجع العائدات النفطية لم يعد بإمكانها تمويل دولة الرفاه التي تمتع بها ملايين السعوديين لعقود دون الاضطرار للعمل، من جهة أخرى فإن تخفيض معدلات البطالة في صفوف السعوديين إلى المعدلات التي تحد من الفقر وتساعد على الاستقرار الاجتماعي في مجتمع يزداد سكانه بسرعة يتطلب خلق ملايين الوظائف الجديدة لقوة العمل المحلية. ويبدو الاستغناء عن الأجانب السبيل الأسهل والأنسب أمام الحكومة لتحقيق ذلك. غير أن الكثيرين يحذرون من تبعات هذا الاستغناء على قطاعي الإنتاج والخدمات. ومن هنا فإن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الحكومة يكمن في مدى النجاح في توظيف عمالة سعودية إضافية دون التخلي عن العمال الأجانب بشكل يؤدي إلى تراجع أداء قطاعات تشكل العمالة الأجنبية عمودها الفقري.
وعلى ضوء خبرات دول كثيرة لا يكمن الحل بالضرورة في ترحيل هؤلاء العمال بقدر ما يكمن في تسوية أوضاعهم، لاسيما وأنهم يساهمون بشكل حيوي في قطاعات إنتاجية وخدمية حيوية. أما حل مشكلة البطالة المحلية وتبعاتها فيكمن قبل كل شيء في إعداد وتأهيل الشباب في إطار نظام تعليمي يقوم على الإبداع لخلق فرص عمل جديدة تساهم في تطوير القطاعات الاقتصادية القائمة وإقامة قطاعات جديدة تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل والتخلص من التبعية للنفط.
ابراهيم محمد