أسعار النفط و"السعودة" تطارد العمالة الأجنبية
١٣ أغسطس ٢٠١٦تتوسع دائرة المعاناة،التي يواجهها العمال الأجانب في المملكة العربية السعودية بعد توقف العديد من الشركات إما عن دفع رواتب وأجور الآلاف منهم أو استغنائها عن خدماتهم. وتفيد مصادر رسمية إلى أن هناك نحو 24 ألف فلبيني وباكستاني وهندي بين المتضررين. ووصل الآمر بعدد كبير منهم إلى المعاناة من الجوع، الأمر الذي استدعى تدخل سفارات بلدانهم لتقديم المعونات الغذائية والطبية.
وقد استدعى تفاقم المشكلة التدخل الشخصي من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لمعالجتها. وشملت أوامر الملك تجديد الإقامة ومنح تأشيرات الخروج على حساب الدولة، وتكليف الخطوط السعودية بالنقل المجاني للعمالة الراغبة في العودة إلى بلدانها، ومحاسبة الشركات التي تخلت عن التزاماتها تجاه هؤلاء.
هل هي بالفعل مشكلة محدودة؟
ليس سرا أن العمال الأجانب أساسا، لاسيما الآسيويين منهم، سواء في السعودية أو في منطقة الخليج يعانون من التمييز والانتهاكات في الإقامة والعمل والدفاع عن حقوقهم. وبشكل متكرر تفيد منظمات حقوقية بأن الآلاف منهم يتعرضون للاستغلال والامتناع عن دفع مستحقاتهم المالية.
ولا يغير في الأمر رد وزير العمل السعودي مفرج الحقباني على الاتهامات بالقول إن "المشكلة ليست عامة، بل تتعلق بشركة أخلت بالتزاماتها وخالفت نظام العمل". ويقصد بذلك شركة "سعودي أوجيه" التي تمتلكها عائلة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري. فقد سرحت هذه الشركة لوحدها أكثر من 6000 عامل وتركتهم منذ أشهر دون مال أوطعام. وبدوره يَعتبر أيمن حبيب، الأكاديمي والإعلامي السعودي بأن هناك مبالغة في القلق على العمال الأجانب في السعودية. ويرى حبيب في حوار مع DWعربية بأن هذا الأمر يأتي في إطار التحامل على السعودية وتشويه سمعتها.
غير أن أحمد بنشمسي المتحدث الإقليمي باسم "هيومن رايتس ووتش" من بيروت يرى عكس ذلك. وقال في حوار مع DWعربية، عبر برنامج "السلطة الخامسة" ليسري فوده، إن "الظروف القانونية والمعيشية للعمالة الأجنبية سواء في السعودية أو دول الخليج الأخرى تبعث على القلق الشديد لأسباب عديدة أبرزها نظام الكفالة، الذي يضع العامل الأجنبي تحت رحمة كفيله في العمل والحركة".
أسعار النفط تحرم الشركات من العقود
لكنْ، وبعيدا عن الجدل في صحة تقارير المنظمات الحقوقية من عدمه ترصد الوقائع حقيقة أن مشاكل الكثير من العمال الأجانب في السعودية والخليج تفاقمت لأسباب اقتصادية مردها إلى تدهور أسعار النفط، الذي يشكل مصدر الدخل الأساسي لهذه البلدان. فتدهور الأسعار حرم الكثير من الشركات الخاصة، لاسيما في قطاع البناء من العطاءات والعقود الحكومية، التي تشكل مصدر الدخل الأساسي لها.
وتعد شركة "سعودي أوجيه" مثالا صارخا على المشكلة. وعلى ضوء استمرار التدهور المذكور وتزايد العجز في الميزانية السعودية وتجميد الكثير من المشاريع لا يتوقع أن يكون مصير مئات الآلاف من العمال الأجانب أفضل خلال الأشهر والسنوات القليلة القادمة، لاسيما وأن هناك محاولات حثيثة لتفعيل برامج "السعودة" كإحدى سبل مواجهة الأزمة. ويعمل في السعودية وحدها حوالي عشرة ملايين عامل أجنبي من بين 25 مليون من العمال الأجانب، المتواجدين في منطقة الخليج، والذين يشكلون 80 بالمائة من إجمالي عدد سكان تلك المنطقة.
"السعودة" على حساب العمالة الأجنبية
منذ عقود تحاول السعودية توطين الوظائف عن طريق ما يسمى برامج "السعودة"، التي تعني إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية. ومع تراجع الإيرادات بسبب تدهور أسعار النفط من جهة وتزايد أعداد العاطلين السعوديين عن العمل من جهة أخرى ازدادت الضغوط على سلطات العمل السعودية، التي أصدرت قرارات تحظر عشرات المهن والأعمال على العمالة الوافدة على أن يتم تطبيق ذلك مرحلة بعد الأخرى خلال السنوات القليلة القادمة.
ويشمل الحظر بشكل أساسي وظائف في قطاعات تجارة التجزئة والاتصالات والصيدليات والصحة. ومع بدء تطبيق هذه القرارات يتوقع فقدان عشرات الآلاف من العمال الأجانب لوظائفهم فيها، وهو الأمر الذي سيجبرهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية. ويستند هذا التوقع على مطالبة القطاع الخاص بتوظيف أكثر من 4 ملايين سعودي في غضون 15 عاما حسب ما جاءت به خطة الإصلاح الطموحة "رؤية السعودية 2030"، التي طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بهدف إنهاء اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط.
وعلى ضوء تراجع إيرادات الذهب الأسود، ومعدلات النمو والإنفاق الحكومي، عدا العسكري منه، يتوقع توفير غالبية هذه الفرص على حساب العمالة الأجنبية، التي تشكل حوالي 85 بالمائة من عمالة القطاع الخاص السعودي حتى الآن.
تبعات سلبية على دول عربية أخرى
مما لا شك فيه أنه وبغض النظر عن مدى السرعة في تطبيق خطط سعودة سوق العمل، فإن مستقبل العمالة الأجنبية في السعودية والخليج يزداد قتامة يوما بعد الآخر؛ بسبب الضغوط الاقتصادية المترتبة على ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، وتدهور أسعار النفط وصعوبة إيجاد بدائل في هذه الدول. وهو الأمر الذي لا تقتصر تبعاته السلبية على دول الخليج وحسب، بل أيضا على دول آسيوية وعربية مصدرة للعمالة بشكل كثيف مثل مصر واليمن ولبنان والأردن. وستكون مواجهة هذه التبعات أصعب من أي وقت مضى بسبب ضعف الاستقرار السياسي والأمني والإرهاب والفوضى التي تجتاح مناطق ودول بكاملها في الشرق الأوسط. وإذا ما استمر هذا الوضع فإن الحديث عن التعافي الاقتصادي سيبقى أسير الأدراج إلى حين. وما الخراب، الذي حل بالسياحة في مصر وتونس وسوريا سوى أحد الأدلة على ذلك.