تحقيق برلماني.. لماذا فشلت مهمة الجيش الألماني في أفغانستان؟
٦ يوليو ٢٠٢٢
"إنها كارثة بالكاد تحظى باهتمام إعلامي"، هكذا قال البرلماني الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي رالف شتيغنر خلال جلسة برلمانية حول الوضع في أفغانستان. كان شتيغنر يتحدث عن المجاعة في البلد المدمر اقتصاديًا، لكنه كرس معظم خطابه للنهاية الفوضوية لمهمة الجيش الألماني في أفغانستان في آب/أغسطس 2021. ومن المقرر الآن الوقوف على سبب تلك الكارثة في لجنة تحقيق برلمانية يرأسها شتيغنر.
وطرح شتيغنر في البوندستاغ السؤال الأساسي الذي سيشغل اللجنة وهو: "كيف تم الوصول إلى التقييم المشكوك فيه للوضع وإلى استيلاء طالبان السريع على السلطة والانسحاب المتسرع من أفغانستان؟". ويبدو أن وكالة الاستخبارات الاتحادية الألمانية (BND)، المسؤولة عن جمع المعلومات في الخارج، أخطأت في التقدير، فلم تكن تتوقع أنه يمكن للإسلاميين المتطرفين أن ينجحوا في هزيمة القوات الأفغانية النظامية، ومعها الحكومة، في غضون أيام قليلة.
صعوبة التحقيق حول المهمة بأكملها!
يرى شتيغنر أنه من الصواب التركيز في اللجنة التي يرأسها على العامين الأخيرين فقط من مهمة الجيش الألماني في أفغانستان والتي بدأت في 2001، مشيرًا إلى أن أي شخص يدعو إلى إجراء تحقيق حول (تاريخ) المهمة بأكملها لا يدرك "أنه وبالرغم من أن بعض الأخطاء قد حدثت خلال 20 عامًا، إلا أن مثل هذه الفترة الزمنية لا يمكن أن تعالجها لجنة تحقيق (صغيرة)". ولذلك من المقرر أن تهتم بذلك مجموعة عمل موسعة في نفس الوقت.
ويوافقه في ذلك الباحث السياسي تورستن غروميز من "مؤسسة هيسن لأبحاث السلام والنزاعات" (HSFK). ويتساءل غروميز في حديث لـDW: "كيف حدث أنه تم تقدير الوضع بشكل خاطئ تمامًا؟"، مضيفًا أنه من المثير للاهتمام أن المهمة كانت مدعومة من قبل تحالفات حكومية مختلفة، ويتابع: "كلها تتحمل بطريقة ما جزءًا من المسؤولية".
حزب اليسار: المهمة كانت مغامرة خاسرة
عندما يتعلق الأمر بحزب اليسار المعارض، يتوقع غروميز أنهم سوف يتمسكون أكثر من أي وقت مضى بموقفهم الرافض لمهمة الجيش تلك في أفغانستان، ويوضح: "خصوصًا لأنهم، بتأثير حرب أوكرانيا، يتعرضون لضغوط أكبر لتبرير سياستهم الخارجية".
خلفية ذلك هي توافق الأصوات داخل حزب اليسار عندما يتعلق الأمر بدور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحلف شمال الأطلسي "الناتو" في الحرب. ويرى غروميز أن الحزب يمر بعملية توضيح، ولذلك فإن مسألة ما حصل في أفغانستان بالنسبة له فرصة لـ"تطمين النفس"، ويضيف: "سيقولون كنا دائمًا على حق وليس علينا تغيير كل شيء".
وتتحدث خبيرة السياسة الخارجية لحزب اليسار، سيفيم داغديلين، بشكل مشابه عندما يتعلق النقاش بأفغانستان في البوندستاغ، مشيرة إلى أنه "لم يكن الانسحاب النهائي فقط هو الخطأ الأساسي، بل كان الخطأ هو 20 عامًا من الحرب"، مؤكدة أن حزب اليسار كان ضد حرب أفغانستان منذ البداية.
وتعتبر داغديلين أن إجراء التحقيق المشترك، الذي تقدمت به كل من الكتل البرلمانية لأحزاب الائتلاف الحكومي الحكومة (الاشتراكي والخضر والليبرالي)، وكتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي، "مناورة لتشتيت الانتباه"، وتوضح: "ما لا يريدونه بالتأكيد هو مراجعة شاملة لمشاركتهم في الحرب بأفغانستان"، مشيرة إلى مقتل نحو 200 ألف شخص في الحرب، من بينهم 59 جنديًا ألمانيًا "فقدوا حياتهم في هذه المغامرة التي لم لكن لها أي معنى"، على حد تعبيرها.
"متى تعتبر المهمات الأجنبية احتلالًا؟"
من ناحية أخرى يريد رئيس لجنة التحقيق، رالف شتيغنر، أن يعرف "ما إذا كان من الممكن، وفي ظل أي ظروف يمكن أن تكون الرغبة بقلب المجتمع رأسًا على عقب أو السعي لتغيير النظام هدفًا مشروعًا لمهمات أجنبية".
الخبير في الشؤون السياسية يان كولر، الذي يعرف أفغانستان جيدًا عبر العديد من الرحلات إليها منذ 2003، لديه أفكار مماثلة. يتساءل كولر في حديث لـDW: "متى يُنظر إلى التدخل العسكري على أنه احتلال؟"، كما يتساءل فيما إذا كان الوجود العسكري على مدار فترة طويلة من شأنه أن يجعل الوضع الأمني أفضل أم أسوأ من منظور محلي. ويضيف كولر أنه من المهم النظر إلى الفرص والمخاطر التي ظهرت في نقاط زمنية مختلفة.
المشاركة العسكرية والمدنية والدبلوماسية
ولا يعتقد كولر، الذي يعمل في لندن وأوسنابروك، أنه يمكن القول ببساطة إنه بعد 20 عامًا من المشاركة العسكرية والمدينة والدبلوماسية، تغير الكثير نحو الأفضل، مشيرًا إلى أن الحقيقة "تقع في مكان ما بالوسط"، ويتابع: "من الصعب جدًا إجراء تقييم تاريخي نهائي لشيء كهذا".
ويرى كولر أنه سيكون من المنطقي النظر إلى تطورات فردية، والتساؤل: هل نشأت في أجزاء مختلفة من البلاد من مجموعات سكانية بنفسها، أم بسبب التزامات الولاء تجاه الأمريكيين؟
إضاعة فرصة إشراك طالبان في الوقت المناسب؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، يعود كولر بتفكيره إلى بدايات التدخل العسكري الدولي في أفغانستان. في ذلك الوقت، في عام 2001، بحث مؤتمر بطرسبرغ الدولي عن حل سلمي في أفغانستان. لكن - كما ظهر بشكل درامي بعد 20 عامًا - لم يتم إيجاده.
يقول كولر إنه وكجزء من "عملية بطرسبرغ"، تم استبعاد طالبان. وبدلاً من ذلك، تم البحث عن ممثلين آخرين "ممن يُعتقد أن لديهم قوة حقيقية". بالنظر إلى الوراء، يعتقد كولر أن هذا كان خطأ. ففي السنوات الثلاث الأولى بعد التدخل العسكري، "ضاعت فرصة إشراك طالبان وهي في حالة ضعف سياسي"، على حد تعبيره، وبعد ذلك استعادت الحركة قوتها.
ترامب أضعف الحكومة الأفغانية!
وبحسب قناعة كولر، كان من الممكن إنهاء مهمة القوات الدولية في أفغانستان - رغم كل الأخطاء - بطريقة مختلفة. لكنه يعتبر الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع طالبان في عام 2020 بشأن انسحاب القوات -بتجاوز الحكومة الأفغانية- "قاتلاً". فبذلك الاتفاق "أضعف (ترامب) بشدة" الحكومة الأفغانية تحت قيادة أشرف غني، وفقًا لكولر، الذي يقول إن هذه كانت السكة الأخيرة التي كان من الممكن تغيير مسارها. بعد ذلك، "لم تعد عملية السلام بين الحكومة وطالبان ممكنة"، كما يقول كولر والذي يوضح: "الانهيار المفاجئ للحكومة وهروب غني دمر الفرصة الأخيرة للتسلم المنظم للسلطة الذي أرادته القوى الأكثر اعتدالًا بين طالبان".
بين الديمقراطية وتغيير النظام
يقول الباحث في شؤون السلام والنزاعات تورستن غروميز إنه يرجو أن تناقش كل من لجنة التحقيق ومجموعة العمل البرلمانية قضية أفغانستان بشكل "مفتوح النتائج"، مشيرًا إلى أن الأمر يتعلق بتعلم الدروس لاتخاذ قرارات أفضل في المستقبل، ومضيفًا أن ذلك يشترط ألا يكون هناك تركيز على ألمانيا فحسب، لأن المهمات جزء لا يتجزأ من إطار دولي، على حد تعبيره.
ويرى غروميز أيضًا أنه لا ينبغي النظر إلى مهمة الجيش في أفغانستان بمعزل عن غيرها، موضحًا أن الجدل السياسي غالبًا ما يميل إلى الانتقال من أقصى الطرفين إلى الطرف الآخر، وقد يؤدي ذلك إلى وصف أفغانستان بأنها "حالة فردية تمامًا"، لا يتعلم منها المرء الكثير، أو إلى التأكيد أن "أفغانستان (كمثال) موجودة في كل مكان وتمثل جميع المهمات الخارجية". ويعتقد غروميز أن الموقفين خاطئان.
ومن وجهة نظر غروميز، يجب أن يكون المرء أكثر تحديدًا، في موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، على سبيل المثال، مشيرًا إلى أن السياق مهم، ويقول: "هل يتعلق الأمر بمهمات بعد حروب أهلية أم أثناء نزاعات لاتزال مستعرة؟ هل الأمر مرتبط بتغيير النظام أم لا؟"، موضحًا أن هناك العديد من العوامل التي يجب مراعاتها.
أما فيما إذا كانت لجنة التحقيق ومجموعة العمل البرلمانية الموسعة بشأن أفغانستان ستحققان الأهداف المرجوة، فسيظهر ذلك بحلول عام 2025 على أبعد تقدير. حينها تنتهي الفترة التشريعية الحالية ويتعين على اللجنتين تقديم تقاريرهما النهائية. ومن المقرر البدء بالعمل بعد نهاية الإجازة الصيفية البرلمانية في ألمانيا في أيلول/سبتمبر. وعادة ما تكون الاجتماعات مفتوحة للجمهور.
مارسيل فورستيناو/م.ع.ح