"تحالف الراغبين" ـ مبادرة إسبانية للاعتراف بدولة فلسطينية
٢١ مايو ٢٠٢٤على المستوى الدبلوماسي على الأقل، سيسجل شهر مايو/أيار 2024 في التاريخ الفلسطيني باعتباره شهرًا مهماً للغاية، فخلال تصويت، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفلسطينيين المزيد من الحقوق. وكل ما يحتاجون إليه هو الحصول على حق التصويت للظفر بالعضوية الكاملة.
تحسن وضع الدبلوماسيين الفلسطينيين في الساحة الدولية يبدو صار وشيكاً، خمس دول أوروبية تتجه للاعتراف رسميًا بفلسطين كدولة ذات سيادة. فمن ناحية، جاء هذا التوجه تضامناً مع السكان المدنيين في قطاع غزة. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تموضع لصالح حل الدولتين في الصراع المطروح منذ سنوات في الشرق الأوسط، أما الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل، فتعارض هذا الطرح بشدة.
بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن هدف الحرب هو "القضاء" على الحركة التي تحكم قطاع غزة. كما أعلن أنه يريد التحكم بقطاع غزة الفلسطيني على المدى الطويل. لكن بسبب التدخل العسكري القاسي الذي أدى حسب أرقام فلسطينية، إلى مقتل أكثر من 35 ألف مدني، والوضع الإنساني المتردي في قطاع غزة، تتعرض إسرائيل الآن لضغوط دولية كبيرة.
إسبانيا ـ هل تعد وسيطاً نزيها في الشرق الأوسط؟
تنوي كل من إسبانيا وإيرلندا خاصة، زيادة الضغوط على إسرائيل خلال هذه الفترة من خلال الاعتراف بفلسطين كدولة. وقد أجرى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لقاءات عديدة حول هذا الموضوع مع شركائه الأوروبيين خلال الأشهر الأخيرة. ووفق تقارير، فقد كان سانشيز أول من طرح المبادرة على مستوى الاتحاد الأوروبي، لكن وبسبب رفض ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد، أسس "تحالف الراغبين" من الداعمين للفكرة.
تتمتع إسبانيا بعلاقات جيدة مع العديد من الدول العربية، خاصة الموجودة منها في منطقة شمال إفريقيا، إضافة إلى تركيا. وقد حافظت جزئياً على هذه الروابط منذ عهد فرانكو (1939-1975). في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ، أسهمت هذه الدول في حماية إسبانيا من العزلة الاقتصادية والسياسية. وبعد انتهاء دكتاتورية فرانكو عام 1975، أقامت إسبانيا علاقات اقتصادية وديبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1986.
خلال السنوات اللاحقة، اكتسبت إسبانيا مكانتها كوسيط محترم بين إسرائيل والدول العربية. واعتبر مؤتمر الشرق الأوسط الذي عقد في مدريد عام 1991، بمثابة بداية عملية أوسلو للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.
إيرلندا: تضامن ذو جذور تاريخية!
كانت إيرلندا أيضًا داعمًا قويًا للفلسطينيين منذ انطلاق الحرب الحالية في غزة. وفي حفل تنصيب رئيس الوزراء الجديد سيمون هاريس في منتصف أبريل/نيسان، كان سانشيز أول ضيف رسمي يستضيفه في دبلن ــ ومن الواضح أن النهج المشترك حول هذه القضية كان الموضوع الأساسي للاجتماع. وتدعو الحكومة الإيرلندية منذ عام 1980 إلى حل الدولتين ، أي دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة إلى جانب دولة إسرائيل.
في إيرلندا، يمكن تفسير الارتباط القوي بفلسطين بأحداث تاريخية، فقد بدأ الأمر مع المسؤول الحكومي البريطاني آرثر بلفور، الذي كان مسؤولاً عن أيرلندا، التي استعمرتها بريطانيا العظمى في أواخر القرن التاسع عشر ورفضت منحها الحكم الذاتي. وفي عام 1917، وكان حينها وزيرا للخارجية البريطاني، قد أصدر وعد بلفور، والذي تحدث فيه نيابة عن حكومته عن وطن لليهود في فلسطين، التي كانت آنذاك تحت السيطرة العثمانية. بعد فترة وجيزة أصبحت المنطقة محمية بريطانية، وخدم هناك غالبية رجال الشرطة الذين قاتلوا بوحشية ضد المتمردين الأيرلنديين كقوات شبه عسكرية.
تمت مقارنة تدفق اليهود إلى الشرق الأوسط ذي الأغلبية المسلمة، باستيطان البروتستانت البريطانيين في شمال جزيرة إيرلندا الكاثوليكية. يربط بعض الإيرلنديين الصراع في إيرلندا الشمالية بالصراع الدائر في الشرق الأوسط.
دعم من سلوفينيا ومالطا والنرويج!
تدعم الحكومة اليسارية في إسبانيا، وحكومة اليمين المعتدل في إيرلندا بعضهما على الرغم من الخلافات السياسية. ومن أجل إعطاء وزن أكبر لنهجها المشترك، فقد عملتا على الحصول على دعم دول أخرى.
كما وعدت سلوفينيا بالاعتراف بدولة فلسطينية بحلول منتصف يونيو. أما مالطا فتخطط للتحرك بعد ذلك. والدولتان عضوان في الاتحاد الأوروبي.
خلال أبريل/نيسان الماضي، كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد صوت لصالح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، لكن الأمر فشل بسبب الفيتو الأمريكي .
النرويج، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي ولها ارتباط وثيق بالاتحاد الأوروبي، تدرس من جهتها الاعتراف بفلسطين خلال فصل الربيع المقبل. ووفقاً لوزير الخارجية إسبن بارث إيدي، تأمل أوسلو أن تؤدي هذه الخطوة إلى قيام دولة فلسطينية متحدة سياسياً بدلاً من استمرار سيطرة حماس.
وتعترف السويد من عام 2024 بدولة فلسطينية .
مواقف متباينة داخل أوروبا!
داخل الاتحاد الأوروبي، اعترفت دول أوروبا الوسطى والشرقية بالدولة الفلسطينية حتى الآن. بالنسبة لهذه البلدان، يعود هذا الاعتراف إلى الماضي الاشتراكي، حيث كان هناك تقارب قرب إيديولوجي مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. بينما تبدو بعض دول هذه المنطقة، وأبرزها جمهورية التشيك والمجر، على أنها أكثر دعماً لإسرائيل، على الرغم من احتفاظها بعلاقات دبلوماسية مع الفلسطينيين.
ويبقى أن نتابع ما إذا كان التحالف الإسباني الإيرلندي سوف يتوسع أكثر. ففي بلجيكا، تواجه الحكومة هناك صعوبات في تحديد الوقت المناسب. وأما البرتغال فقد أبتعد حاليا عن الأمر بعد التغييرات الحاصلة هناك لصالح حكومة محافظة.
دول أخرى، مثل ألمانيا، لها علاقات مع السلطة الفلسطينية ولكنها غير مستعدة للاعتراف بها كدولة حتى تعترف إسرائيل بذلك.
ويبدو أن مثل هذه الخطوة سيبقى مستحيلة، ما دامت حماس، التي تصنفها العديد من الدول كمنظمة إرهابية، خاصة ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تشكل أحد عوامل القوة السياسية في الأراضي الفلسطينية.
أعدته للعربية: م. ب.