بيربوك.. أول وزيرة خارجية في ألمانيا تؤكد جدارتها بالمنصب
١٤ مارس ٢٠٢٢دخلت أنالينا بيربوك التاريخ قبل ثلاثة أشهر حين أصبحت أول سيدة في تاريخ ألمانيا تتولى حقيبة الخارجية فيما صادف مرور الشهور الثلاثة الأولى لتوليها المنصب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.
لم تكتف بيربوك بهذا السبق التاريخي، لكنها أثبتت جدارة في تولي منصب الخارجية في أوقات الأزمات خاصة عقب قيام روسيا بغزو أوكرانيا. إذ برزت بيربوك كواحدة من أكثر السياسيين شعبية في ألمانيا، وأشاد كثير من المحافظين بإدارتها الدبلوماسية الألمانية في هذه الأوقات الصعبة.
وكان صدى ذلك جليا في استطلاعات الرأي حيث كشف الاستطلاع الشهري الذي يجريه مركز "دويتشلاند تريند" أن بيربوك جاءت في المرتبة الثانية بعد المستشار أولاف شولتس في استطلاع شهر مارس/ آذار 2022 حول أداء أعضاء الحكومة.
ووفقا للاستطلاع، فقد أعرب 50 بالمائة من المستطلعين عن رضاهم وإعجابهم بأداء بيربوك بزيادة كبيرة بلغت 14 نقطة مئوية عن نفس الفترة من الشهر السابق.
ويرجع هذا الإعجاب بأول وزيرة خارجية في تاريخ ألمانيا إلى الكيفية التي أدارت بها بيربوك الدبلوماسية الألمانية في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما بدا ذلك جليا على موقع تويتر حيث أشاد الألمان بالسياسية والزعيمة السابقة لحزب الخضر حتى وصل الأمر إلى القول بأن بيربوك "خُلقت لتكون" وزيرة خارجية وأنها كانت "الخيار الأمثل" لتولي حقيبة الخارجية.
وقد أشار المحللون إلى أن بيربوك قبل إجراء الانتخابات العامة في ألمانيا العام الماضي كانت المرأة الوحيدة المرشحة لخلافة المستشارة أنغيلا ميركل وهي فقط كانت تجهر بالقول بأن خط أنابيب "نورد ستريم 2" بين ألمانيا وروسيا لم يكن سوى خطأ. وكان المستشار أولاف شولتس قد أعلن قبل أسبوعين تعليق المصادقة على تشغيل الخط لأجل غير مسمى.
جرأة ووضوح في الخطاب
وقد أشادت وسائل إعلام ألمانية مثل مجلة "دير شبيغل" و صحيفة "دي تسايت" بالطريقة التي تحدثت بها بيربوك عن الأزمة في أوكرانيا والتي اتسمت بالجرأة والوضوح، خاصة خلال زيارتها موسكو قبل أيام من بدء الغزو الروسي حيث لم تظهر عليها أي ملامح ارتباك رغم تسارع الأحداث على الحدود الروسية-الأوكرانية آنذاك.
وفي خطابها أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، كانت بيربوك تنظر إلى نظيرها الروسي سيرغي لافروف وتوجه حديثها مباشرة إليه بقولها: "أنت تسيء استخدام سلطة بلادك كعضو دائم في مجلس الأمن.. قد يمكنك أن تخدع نفسك، لكن لا يمكنك خداعنا."
وفي تعليقه، كتب الصحافي الألماني بول أنطون كروغر، المتخصص في السياسة الخارجية بصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، إن بيربوك لم "تحاول الاختباء وراء العبارات الدبلوماسية الفارغة. هذا جيد وكنا ننتظر ذلك منذ وقت طويل".
وقال كروغر إن بيربوك خلال الأشهر الأولى لتوليها منصبها أكدت على صحة ما شددت عليه في السابق، بأن "التحول إلى الطاقة المتجددة في أسرع وقت ممكن.. أصبح الآن إلزاميا".
وأشار إلى أن هذا الأمر يعود لسببين: الأول لحماية المناخ والثاني يتعلق بالقضايا الجيوسياسية، وهو الأمر الذي اتضح صوابه الآن إذ تحاول الدول الأوروبية تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
وقد سلطت باربرا كوستولنيك، مراسلة إذاعة بافاريا العامة في وزارة الخارجية الألمانية، الضوء على كيفية تجاوز بيربوك التوقعات.
وكتبت في مقال "عندما خطت بيربوك، وهي زوجة وأم في عامها الأربعين، خطواتها الأولى في مقر الخارجية الألمانية، سمعنا كثيرا من الشكوك والتحفظات والاستياء. وقد طرح العديد من المراقبين المتخصصين في السياسة الخارجية تساؤلا عادة ما يُطرح عندما تتولى سيدة أي منصب رفيع مفاده: هل تستطيع إنجاز المهمة؟".
تجدر الإشارة إلى أن حملة بيربوك الانتخابية لخلافة ميركل تعرضت لانتقادات عبر الانترنت، بل طالتها فضائح بسيطة مثل سرقة أدبية عام 2021 والتأخر عن دفع ضريبة خاصة بمكافأة عيد الميلاد فيما اعترفت بيربوك بهذه الأخطاء وقدمت اعتذارا في عدة مناسبات ما جعلها في موقف دفاعي وهو الأمر الذي دفع البعض للاعتقاد بضعفها.
وفي ذلك، قالت كوستولنيك "لقد بدأت بيربوك عملها بحذر"، لكنها سرعان ما أظهرت جدارة وقيادة حاسمة وواضحة لتمثل ألمانيا على المسرح العالمي. وقد جاء هذا الوضوح جليا في البيان الذي أصدرته بيربوك فور بدء روسيا غزوها لأوكرانياإذ قالت: "لقد استيقظنا اليوم على أوروبا مختلفة.. لقد تفاجأنا، لكننا لسنا عاجزين". وأشار مراقبون إلى أن كلمات بيربوك كانت على قدر كبير من الصدق والوضوح واتسقت مع المزاج العام في ألمانيا.
"المرأة الشابة"
وصادفت حملة بيربوك لخلافة ميركل وأيضا الأيام الأولى لتوليها منصب الخارجية، تساؤلات طرحتها الأصوات المعارضة المحافظة حول مدى جدارة واستعداد الأم الشابة لتكون على رأس الدبلوماسية الألمانية؟
بيد أن بيربوك مضت قدما في عملها وأكدت على أنه إذا كان بمقدور جاسيندا أرديرن الجمع بين رئاسة الحكومة في نيوزيلندا وحياتها الأسرية فإن الأمر يمكن أن يتحقق في ألمانيا أيضا.
ولدى بيربوك ابنتان هما الآن في المدرسة الابتدائية، فيما قدم زوجها استقالته للتفرغ لرعاية ابنتيهما في ظل انشغالات الوزيرة.
ولم تتعرض بيربوك لانتقادات من الأصوات المحافظة المعارضة فقط بل تعرضت أيضا للسخرية من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في أيامها الأولى في منصب الخارجية خاصة إزاء كل زلة لسان تقع فيها؛ فعلى سبيل المثال انتشر مقطع فيديو يُظهر بيربوك وقد وقعت في خطأ لفظي فبدلا من نطق كلمة Pressefreiheit التي تعني بالألمانية حرية الصحافة، نطقت كلمة Fressefreiheit والتي تعني بالألمانية "حرية الأكل".
وفيما يتعلق بالمواقف المتحيزة التي اتخذت ضدها بسبب كونها سيدة تتولى منصب الخارجية، يبدو أن الجميع لم يتخل عن هذا الانطباع. ففي فبراير/ شباط وصف مراسل صحيفة "تاعسشبيغل" كريستوف فون مارشا الوزيرة أمام شاشة التليفزيون بكونها "المرأة الشابة" عندما تساءل عن جدارتها في تولي منصب الخارجية خلال رحلتها إلى أوكرانيا، حيث زارت عددا من الجنود وكانت ترتدي سترة واقية وخوذة عسكرية على رأسها. وقد أثارت تعليقات كريستوف فون مارشا الكثير من الانتقادات واتهامات بالتمييز على أساس الجنس.
من جانبها، ترى أغنيس بروغر، الخبيرة في الشؤون الدفاعية في حزب الخضر، أن العنصر النسائي في شخصية بيربوك صب في صالحها خاصة مع اندلاع الصراع في أوكرانيا. وفي مقابلة مع DWاستشهدت بروغر بتصريحات صدرت لبيربوك عندما قالت إن "الأمن يتحقق عندما تتمكن العائلات والأطفال في وسط أوروبا في العيش في سلام وأمان".
وأضافت بروغر أن هذا الأمر أكدت عليه وزيرة الخارجية أيضا بعد رحلتها إلى منطقة دونباس بأوكرانيا عندما أجابت على سؤال مفاده: متى سوف يتحقق الأمن؟ بقولها: "عندما تشعر النساء بالأمان سيشعر الجميع بالأمان".
الاهتمام بالبيئة وحماية المناخ
عقب تولي بيربوك منصبها في ديسمبر/ كانون الأول، تعهدت بنقل مسؤولية السياسة المناخية الدولية من وزارة البيئة إلى وزارة الخارجية، إذ شددت أنها سترأس المفاوضات عن ألمانيا في مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ. ما يعني تصدر قضية المناخ أولويات أجندة الخارجية الألمانية خلافا لما كان عليه الوضع في الحكومات السابقة.
ورغم ذلك، فإن قضية المناخ لا تزال تأتي في مرتبة أقل أهمية باستثناء تعيين بيربوك المديرة التنفيذية لمنظمة "السلام الأخضر" الدولية، جنيفر مورغان، مبعوثتها الخاصة من أجل المناخ، قبل ثلاثة أسابيع.
وسواء أكانت بيربوك ستمضي قدما في تعزيز شعبيتها على المدى الطويل، فإن ما بات جليا أنها استغلت الأشهر الثلاثة الأولى في منصبها لإثبات جدارتها والرد على من شكك في قدرتها على أن تكون على رأس الدبلوماسية الألمانية.
إليزابيث شوماخر / م ع