الموقف من روسيا والعلاقة معها.. امتحان صعب للحكومة الألمانية
٨ يناير ٢٠٢٢ينص اتفاق الائتلاف الحكومي بين الحزب الاشتراكي وشريكيه الخضر والليبرالي، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، على أنها يجب أن تكون موحدة وينبغي تطوير استراتيجيات مشتركة بين مختلف الإدارات والوزارات "من أجل زيادة تماسك عملنا الدولي" وهو ما يعني بكلمات أخرى أننا "نريد أن نتحد من الناحية الجيوسياسية".
هذا الكلام الوارد في اتفاق الائتلاف الحكومي، ليس أكثر من إعلان للنوايا الحسنة، حيث أن المستشار أولاف شولتس، من الحزب الاشتراكي، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، من حزب الخضر، لديهما وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالسياسية الخارجية، وأبرز مثال على ذلك العلاقة مع روسيا والموقف من سياساتها. فخلال حملتها الانتخابية هاجمت بيربوك خط أنابيب نقل الغاز الروسي نورد ستريم2، حيث ترى أن هذا المشروع سيجعل ألمانيا أسيرة سيد الكرملين فلاديمير بوتين، فيما يتعلق بسياسة الطاقة. في حين أن شولتس ينظر إلى خط الأنابيب هذا على أنه "مجرد مشروع اقتصادي خاص تماما" بعيد عن السياسة.
في حالة الشك، على وزيرة الخارجية دعم المواقف التي رفضتها حين كانت سياسية معارضة قبل مشاركة حزبها في الائتلاف الحكومي. لذلك لن تستطيع بيربوك عرقلة ومنع مشروع نورد ستريم2. وأملها الوحيد هو أن ترفض الوكالة الاتحادية للشبكات الموافقة على تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم2. لكن ليس من المرجح اتخاذ قرار وحسم هذا الموضوع في النصف الأول من العام الجاري، حيث يجب أولا فحص ودراسة القضية من وجهة نظر قانون الاتحاد الأوروبي.
توافق بيربوك مع نظيرها الأمريكي
لكن الخلاف بشأن نورد ستريم2 قد يفجر باكرا أزمة في السياسة الخارجية للحكومة الألمانية، إذا استمر التصعيد في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. وقد تحدثت بيربوك حول ذلك مع نظيرها الأمريكي، أنطوني بلينكن، خلال زياتها الرسمية الأولى إلى واشنطن. لقد تم الاتفاق على أننا "سنتخذ إجراءات فعالة مع شركائنا الأوروبيين، إذا استخدمت روسيا الطاقة كسلاح أو إذا كان هناك المزيد من الإجراءات العدوانية"، هذا التحذير الواضح من بيربوك للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يصب في مصلحة المستشار شولتس أيضا، إذ أن كلامها يأتي ضمن إطار اتفاق الائتلاف الحكومي بشأن العلاقة مع روسيا بشكل عام، حيث جاء فيه "نطالب بإنهاء فوري لمحاولات زعزعة استقرار أوكرانيا، والعنف في شرقي أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم المخالف للقانون الدولي".
شولتس يريد أن يمسك بملف العلاقة مع روسيا
لا أحد يعتقد أن روسيا ستعيد شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا التي اقتطعتها عام 2014، حتى لو لم يقل ذلك شولتس وبيربوك صراحة. ولعدم إظهار الضعف مقابل بوتين، يجب أن تكون هناك استراتيجية واحدة وتوافق تام بين وزارة الخارجية ومكتب المستشارية. لكن صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار، أثارت الشك حول ذلك، حيث جاء في تقرير لها أن المستشار شولتس يريد أن يمسك هو بملف العلاقة مع روسيا.
وهناك حديث عن بداية جديدة، ومن أجل ذلك تم التحضير لاجتماع بين المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمكن أن يعقد خلال شهر كانون الثاني/ يناير الجاري. وإذا صحت هذه التكهنات، فإنها لن تكون مفاجئة. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور ينص على أن المستشار هو الذي يحدد المسار السياسي، إذ جاء في المادة 65 من القانون الأساسي أي الدستور الألماني "يضع المستشار الاتحادي الخطوط العامة لسياسة الحكومة ويتحمل مسؤوليتها. ويدير كل وزير اتحادي مجال مهامه في إطار تلك الخطوط العامة باستقلالية وعلى مسؤوليته الشخصية".
بكلمات أخرى: القول الفصل للمستشار شولتس، والسياسة الخارجية يتم رسمها في المستشارية، وقد ازداد نفوذ المستشارية في هذا المجال كثيرا بعد عام 2000، وخاصة في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل بين عامي 2005 و2021. حيث رسمت السياسة الخارجية وصورة ألمانيا لدى العالم. ويبدو أن خليفتها شولتس يريد أن بتابع ذلك، ولكن بنبرة أخرى، حيث جاء في حوار له مع DW خلال حملته الانتخابية "نحن بحاجة لسياسة شرقية (تجاه أوروبا الشرقية) جديدة".
باستخدامه مصطلح "سياسة شرقية جديدة" ذكّر شولتس بسياسة عدم التصعيد والانفراج التي اتبعها المستشار الأسبق وحامل جائزة نوبل للسلام، فيلي براندت، الذي انتخب عام 1969 كأول مستشار اشتراكي. والذي كان يهدف من خلال سياسته تلك على المدى الطويل إلى إنهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي والدول الشيوعية سابقا. وقد تم تحقيق ذلك عام 1989 بسقوط جدار برلين وإعادة توحيد ألمانيا عام 1990.
الكثير من الأمور تتعلق بأوكرانيا
ما يتمنى شولتس تحقيقه خلال عام 2022 بالنسبة للعلاقة مع روسيا، ذكره أيضا في حواره مع DW وهو القبول "بأن يكون هناك المزيد من الانسجام الأوروبي". ما قد يعنيه هذا على المدى الطويل هو أن تصبح أوكرانيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، طبعا معروف أن بوتين لا يعتقد ولا يقبل بذلك. لكن رغم ذلك، فإن المستشار أولاف شولتس يراهن على ما راهن عليه براندت في تلك الحقبة وهو ما يسمى بـ "التحول عبر التقارب".
وقد جاء في اتفاق الائتلاف الحكومي بشأن العلاقة مع روسيا "نحن ندرك أهمية العلاقة الجوهرية والمستقرة، وسنواصل السعي لتحقيقها. نحن مستعدون لحوار بناء". ولكي ينجح هذا الحوار، يجب أن يتحدث شولتس وبيربوك بصوت واحد، والاختبار العملي لذلك قد بدأ للتو.
مارسيل فورستناو/ ع.ج