بفتوى رسمية ...فقراء سوريا يتركون الصوم للمُترفين
٢٤ أغسطس ٢٠١٠
علاء م. شاب في السابعة والعشرين يزن الآن أكثر من مائة كيلو بينها خمسة كيلوغرامات جاءته خلال النصف الأول من أوائل شهر رمضان المبارك، علاء ابن لعائلة غنية وهو لذلك ليس مضطرا للعمل والتفكير بتكاليف المعيشة، ولذا فهو يصوم وينام بهدوء خلال النهار ويتناول طعامه من مختلف الأصناف عند المساء، وبعد العاشرة ليلا يذهب إلى المقاهي الراقية المنتشرة على الكورنيش الجنوبي لمدينة اللاذقية ليسهر ويدخن النارجيلة مع بعض أفراد عائلته وأصدقائه حتى الصباح.
مثل هذا الصوم الهادئ والحياة الرغيدة لا تستطيع غالبية السوريين وعائلاتهم التنعم بها في شهر الصوم الذي يعد أهم أشهر السنة بالنسبة لهم. أما سبب ذلك فمرده إلى دخولهم المحدودة وارتفاع أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية بشكل أكثر من المتوقع، إضافة إلى حرارة صيف هذا العام الكاوية التي زاد معدلها عن 40 درجة مئوية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وهكذا عزف الكثيرون عن الصوم أمثال العامل في مجال الكهرباء جابر عصفور وعائلته، وهو يقول بأن دخله المحدود وعمله اليومي لا يسمح له بتحمل نفقات الأيام الرمضانية من مأكولات شهية ودعوات الإفطار العائلية، يضاف إلى ذلك أنه لا يستطيع العمل في الورش الكهربائية في ظل درجات حرارة مرتفعة ونهار طويل دون شراب وطعام.
"العين بصيرة واليد قصيرة "
وإذا كان جابر يأتي إلى البيت مرهقا من العمل فيتناول طعامه ويخلد إلى بعض الراحة قبل النوم من أجل الاستيقاظ باكرا للذهاب إلى عمله، فإن أعدادا كبيرة من الشباب السوريين تمل من الجلوس في البيت كونها عاطلة عن العمل. "أقضي أمسياتي الرمضانية متسكعا في الأسواق التجارية حيث أتفرج مع أصدقائي على الألبسة الفاخرة والمجوهرات الثمينة مرورا بالمقاهي والمطاعم الراقية التي لا يمكننا الدخول إليها بسبب أسعارها العالية"، يقول عامر م. خريج قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة تشرين. ويتساءل زميله سومر ح. خريج أحد المعاهد المتوسطة، "كيف لي أن أصوم دون دخل"، ويرى سومر بأن الصيام ينحسر في صفوف أبناء الطبقات الفقيرة، بينما ينتشر لدى الفئات الميسورة لأنه ليس لهؤلاء مشكلة مع العمل والمال. ويضيف سومر، "حقيقة لا أشعر لا أنا ولا عائلتي بروعة الشهر الفضيل لأنه ليس لدينا القدرة على الوفاء بمتطلباته لا على صعيد الطعام والألبسة ولا على صعيد الزكاة، وكما يقول المثل اليد قصيرة والعين بصيرة".
وهناك بعض العائلات التي فضلت ادخار بعض المال على صيام رمضان من أجل الوفاء بمصاريف اللوازم المدرسية لأبنائها. "المدارس على الأبواب حيث سيتم افتتاحها بعد عطلة عيد الفطر مباشرة، وأولادي بحاجة للكتب والدفاتر والأقلام وبطاقات النقل وعليّ أن أوفر بعض المال لذلك. ولذا لم أتمكن من صوم رمضان هذا العام"، تقول ربة البيت منى صقور. وكذلك الأمر بالنسبة لسامر مرعشلي الذي أعطى أيضا تأمين لوازم أولاده المدرسية الأولوية على صيام رمضان".
مفتي الجمهورية يسّهل الإفطار
غير أن الضائقة المادية لم تكن لوحدها السبب في عزوف عامر وسومر وأمثالهما عن الصوم هذا العام، فالحر الشديد هذا الصيف بشكل لم يسبق له مثيل حسب محطات الأرصاد الجوية في ظل نهار طويل دفع الكثيرين للعزوف عن الصوم لعدم قدرتهم على تحمل مشقته جسديا. وقد كانت للفتوى التي أصدرها مفتي الجمهورية بدر الدين حسون دور كبير في التشجيع على الإفطار، حيث تضمنت الفتوى عدم الممانعة في إفطار العمال خلال الحر الشديد. هذه الاجازة استفاد منها مثلا محمود خلف الذي يقول" أنا أعيش من مهنتي في طلاء المنازل، وأغتنم الفرصة في شهر الخير كون العائلات الميسورة تطلي بيوتها استعداداً لعيد الفطر". ويرى محمود بأن عدم قدرته على الصوم هو بسبب الحر الشديد، الأمر الذي يجعله بحاجة لاستهلاك المزيد من الماء والسوائل عدا ذلك فإن جسمه لا يتحمل العمل. وكذلك الحال بالنسبة لفادي بيرق، تاجر ألبسة، الذي استغنى عن الصيام هذه السنة بسبب الحر الشديد وانقطاع الكهرباء. "أقضي ساعات دون كهرباء وتكييف، مما جعلني لا أتحمل الصوم".
الصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام وشراب
غير أن الامتناع عن تناول الطعام والشراب خلال شهر رمضان، لا يعني بالنسبة للكثيرين عدم الوفاء بشعائر وقواعد أخرى تعد من أركان الصوم كالزكاة والصدق والصلاة. " أنا صائمة عدا عن الطعام والشراب، حيث أقوم بالزكاة ومساعدة الفقراء والمحتاجين، فالصوم ليس محصورا بالطعام والشراب"، كما تقول دارين الشيخ الطالبة في كلية التربية بجامعة دمشق. وفي نفس السياق يقول شادي الشايب، مدرس "الصوم يعني بالنسبة لي الصدقة بالمال والطعام على المساكين والفقراء حسب قدرة الشخص على القيام بذلك، وهذا ما أقوم به". ويرى ياسر الذهبي، موظف في إحدى الدوائر الحكومية بأن الصوم فقد الكثير من دلائله ومعانية إزاء التبذير والإسراف الذي يرافقه من قبل الأغنياء على الطعام واللباس ودعوات الإفطار وغير ذلك. ويتساءل الذهبي هل يتوافق هذا مع القيم الرمضانية التي ينبغي أن تدفعنا إلى التوفير من أجل مساعدة الفقراء والمحتاجين ودعم المشاريع الاجتماعية.
عفراء محمد – اللاذقية
مراجعة: عبده جميل المخلافي