"مسلمة أنا أم مسيحية"؟ ـ جدل في سوريا حول التربية الدينية
١٢ يونيو ٢٠١٠"لم أكن أنفصل عن زملائي المسلمين إلا في حصة مقرر التربية الدينية، الأمر الذي جعلني لا أحب هذا المقرر كونه يولد الشعور لدي بالاختلاف مع الآخر"، على حد تعبير معلمة اللغة الإنجليزية مارينا زكور. ويتم تدريس هذه المقرر في المدارس السورية على أساس فصل الطالب المسيحي عن زميله المسلم بحيث يتلقى الأول التربية المسيحية، بينما الآخر التربية الإسلامية. "أشعر بالحرج والاختلاف عندما يُنادى بالمسيحي إلى صف آخر خلال حصة المقرر"، كما يقول طالب الصف الثاني الثانوي ميشيل طنوس. وتبدو مشكلة الفصل هذه في الصفوف الابتدائية على حد قول المشرفة الصحية لميس شويحنة، وتروي لميس عن قصة طالبة في الصف الثاني الابتدائي طُلب منها أن تلتحق بصفها فوقفت لتتساءل: ومن أكون أنا، مسيحية أم مسلمة؟ هذا الموقف لا يزال يستحضر إلى ذاكرة لميس ويشعرها بالحزن، كما تقول.
"نحن لا نكذب، بل انتم"
في مقابلة مع موقع سيريا نيوز وصف الدكتور محمد حبش عضو البرلمان السوري عملية فصل الطلبة خلال تدريس مقرر التربية الدينية بأنها موقف غير حضاري يتناقض مع العملية التربوية ويعمق الشعور بالاختلاف بين الطلبة. ويضيف حبش بالقول إن مثل ذلك من شأنه ترسيخ الأحكام المسبقة وتوسيع الفجوة في معرفة كل طرف عن الآخر، لاسيما وأن مناهج التربية الإسلامية لا تتطرق إلى المسيحية إلا بنصوص قصيرة عن الإنجيل، بينما لا تتطرق مناهج التربية المسيحية إلى الإسلام. وهذا ما يلمسه الطلاب في معايشاتهم اليومية أمثال الطالب الجامعي م. أ. الذي يتذكر بأن زميله كان ينعته بالقول "نحن لا نكذب وإنما الآخرين هم من يكذبون"، وبدوره كان يرد علي زميله بالقول: " "بل انتم من يكذب وليس نحن".
مطالب بمقرر "أخلاق عامة"
تدريس مقرر التربية الدينية على أساس الفصل بين الطلاب حسب انتمائهم الديني يثير منذ سنوات جدلا كبيرا في سوريا. وتزايد هذا الجدل مؤخرا مع تزايد الأصوات المطالبة بإلغاء المقرر واستبداله بمادة "أخلاق عامة" تتناول الأديان والمعتقدات في إطار تاريخي وثقافي على أساس المحبة والتعايش المشترك بعيدا عن التفرقة والحساسيات. وقد شهدت المواقع الإلكترونية السورية مؤخرا نقاشات وآراء تؤيد هذه الفكرة. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر رأي الباحث السوري عمار ديوب، الذي يرى بأن تدريس مقرر تربية دينية في سوريا بهذا الشكل يعد ممارسة قسرية، لاسيما وأن السوريين ينتمون إلى أديان ومذاهب متعددة. وقال ديوب في مقابلة مع موقع "سيريا نيوز" بأن تدريس الدين بهذه الطريقة إلى جانب تدريس مقررات أخرى على أساس الأسباب والقوانين الوضعية يخلق لدى الطلبة "وعيا انفصاميا متناقضا مع الواقع"، وهو أمر يساعد على تغليب "الوعي الأسطوري والتكفيري" برأيه. وأضاف ديوب بأن "الدين بطبيعته لا يحمل قيم المواطنة، وعليه لا بد من إعادته لأن يكون علاقة شخصية بين الأشخاص وربهم".
"المشكلة ليست في الدين بل في طريقة تعليمه"
غير أن آخرين يرفضون فكرة إلغاء تدريس الدين بسبب دوره الكبير في المجتمع السوري حسب عبدالله ناصر، مصمم أزياء. وقال ناصر بأن "الدين ينظم الحياة ويزرع فينا الأخلاق والصفات الحميدة، أما المشكلة التي نعاني منها فليست مع الدين، بل مع الذين يعلمونه بطريقة أحادية الجانب". ويتساءل زميله عمر اللافي عما إذا كانت مادة الأخلاق العامة التي يطالب البعض بها قادرة على تربية جيل يتمتع بأخلاق رفيعة. ويؤيد اللافي إبقاء الأمور على ما هي عليها الآن لأنه "سيأتي يوم نتهكم فيه على أساتذة الأخلاق كما نتهكم على أساتذة التربية الدينية الذين لا يقومون بواجباتهم التربوية كما ينبغي".
تعديلات وحلول وسط
وبين مؤيد ومعارض لإلغاء مادة التربية الدينية، هناك من يدعو إلى إيجاد حل وسط يقوم على تعديل مقرري التربية الدينية المسيحية والإسلامية بحيث يتضمن كل منهما مبادئ الديانة الأخرى بطريقة تنطوي على القبول بالآخر واحترام دينه. ويبدو الجانب الرسمي متحفظا حول الحديث في الموضوع، رغم عدة محاولات قامت بها "دويتشه فيله" لأخذ آراء المعنيين في الموضوع، غير أن الموجه الأول لمادة التربية الدينية المسيحية السيدة لينا خوري أبدت في مقابلة مع موقع "سيريانيوز" فكرة التعديل دون ذكر تفاصيل بهذا الخصوص. وكشفت خوري دون تفاصيل أيضا عن تغييرات سيتم إدخالها على منهاج التربية الدينية خلال العام الدراسي القادم. وعبرت خوري عن رفضها لفكرة دمج مادتي التربية المسيحية والإسلامية بمادة واحدة يتم تعليمها لجميع الطلاب بسبب خصوصية كل منهما، حسب رأيها. ويؤيد فكرة الدمج هذه شخصيات سورية معروفة أمثال الدكتور محمد حبش عضو البرلمان السوري. ويطالب حبش بمقرر ثقافة دينية يتضمن معلومات عن كل الأديان ويتم تدريسه لجميع الطلاب في مختلف المدارس. وفي هذا السياق يقول حبش بأنه ينبغي ترك تعليم العبادة للمساجد والكنائس، أما المدارس فعليها "تقديم ثقافة دينية بعيدة عن اتهام احد للآخر بأنه مشرك وكافر".
عفراء محمد - سوريا
مراجعة: عبده جميل المخلافي