هل تفاقمت أزمة المغرب وإسبانيا بقرار البرلمان الأوروبي؟
١١ يونيو ٢٠٢١دخلت الأزمة بين المغرب وإسبانيا منعرجا جديدا بعد إصدار البرلمان الأوروبي قراراً الخميس (العاشر من يونيو/حزيران 2021) أعلن فيه "رفضه استخدام المغرب للمراقبة الحدودية والهجرة وخصوصا القصّر غير المرافقين، كآلية ضغط ضد الاتحاد الأوروبي".
وفي الوقت الذي يبقى فيه القرار سياسياً بالأساس نظراً لأن الإجراءات التي ينادي بها البرلمان الأوروبي لا تلزم بقية مؤسسات الاتحاد، إلّا أنه قد ينقل التوتر المغربي-الإسباني من مستوى ثنائي بين دولتين إلى مستوى بين دولة وتكتل تجمعهما شراكة على عدة ملفات.
بيدَ أن القرار قد لا يظهر مفاجئاً، إذ سبق للمفوضية الأوروبية أن أعلنت أن الاتحاد "لن يخضع لأيّ إملاءات أو أي ضغوط"، كما صرّح نائب رئيسة المفوضية مارغاريتيس شيناس أن "أوربا لن تسمح لأحد بترهيبها"، وذلك بعد تدفق آلاف المهاجرين من المغرب إلى مدينة سبتة، في سياق توتر مغربي-إسباني بعد استقبال مدريد لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي لأجل العلاج، وهو ما استنكره المغرب بشدة.
كيف صدر القرار؟
جاء مشروع القرار باقتراح من حزب " اسيودادانوس " الإسباني، وهو حزب كتالوني يدافع عن الوحدة الإسبانية وتقوية الاتحاد الأوروبي. وتبيّن نسخ المشروع المنشورة في موقع البرلمان الأوروبي جدلاً واسعا حول المصطلحات والعبارات وكذلك المحاور التي ترغب الأحزاب الأوروبية أن يتضمنها القرار.
ومن أمثلة ذلك، وبدل كلمة "يرفض" الواردة في القرار النهائي، يتضمن المشروع الذي قدمه النائب خوردي كانياس مصطلح "يتأسف (البرلمان)"، وكذلك عبارة "يعتبر (البرلمان) أن التوظيف غير المقبول للهجرة من المغرب"، بينما ذهب النائب عن حزب بوديموس الإسباني اليساري، ميغيل أربان كرسبو، أبعد من ذلك، ووضع في مشروعه 30 نقطة شديدة اللهجة، منها "الإدانة الشديدة للسلطات المغربية"، قبل أن يتم التوافق على صيغة توافقية من ثماني نقاط خففت اللهجة الواردة في الكثير من المداخلات.
ويشير القرار إلى "مخاطرة القصر غير المرافقين والعائلات بحياتهم لمحاولة العبور"، كما يتضامن مع سكان سبتة خلال الأزمة ويشيد باستجابة السلطات الأمنية الإسبانية والمنظمات غير الحكومية، ويؤكد مرة أخرى "موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الصحراء الغربية، أي عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة"، كما "يشدد على الاحترام التام غير القابل للنقاش لوحدة دول الاتحاد الأوروبي"، وأنه لا يمكن التسامح مع "تقويض السيادة الإقليمية للدول الأعضاء".
غير أن القرار رحّب كذلك بخطوات المغرب لأجل تسهيل إعادة القصر غير المرافقين وفق المصالح العليا للأطفال ووفق القوانين الوطنية والدولية، كما "تأسّف لتعميق الأزمة" بين المغرب وإسبانيا، وأعرب المصوتون عن أملهم في ألا تقوض علاقات الجوار والتعاون بين المغرب وأوروبا، داعين إلى تغليب الحوار الدبلوماسي وتعزيز شراكة الجانبين.
ويقول حسين مجذوبي، دكتور في الإعلام ومتتبع للعلاقات المغربية-الإسبانية، إن النواب الإسبان في الفرق الكبرى بالبرلمان الأوروبي "لم يراهنوا على التصعيد بل على تنبيه المغرب، ثم حشد الدعم لإسبانيا".
لكن حكومة مدريد حققت داخل هذا البرلمان لنفسها ثلاثة أشياء حسب تصريحاته لـDW عربية : "تحميل المغرب مسؤولية الأزمة، تأكيد الاتحاد الأوروبي على اسبانية سبتة ومليلية، ثم جعل الأوروبيين يتفقون على موقف موحد بشأن نزاع الصحراء؛ أي دعم الأمم المتحدة". ويضيف المتحدث أنه "بعيدا عن التهويل أو التقليل، القرار مقلق جدا في مضمونه وفي عدد المصوتين عليه".
قرار يعمق الأزمة؟
تبيّن بعض المؤشرات على الأرض أن الأزمة ليست في طريقها للنهاية، إذ رفض مجلس النواب الإسباني أمس مقترحًا من الحزب الشعبي كان يرغب من خلاله بدفع الحكومة الإسبانية إلى معالجة سريعة للأزمة لإعادة العلاقات مع المغرب لسابق عهدها.
كما أوردت وكالة رويترز اليوم على لسان مسؤول حكومي إسباني أن بلاده "تدرس إلغاء اتفاق يسمح بالمرور دون تأشيرة من المدن المغربية إلى جيبي سبتة ومليلية"، وهو اتفاق كان يتيح للمغاربة المنحدرين من بلدات قريبة من الجيبين الدخول إليها دون تأشيرة لكن دون التنقل إلى بقية مناطق إسبانيا أو الاتحاد الأوروبي.
وجاء الرد الرسمي المغربي اليوم في بيان لوزارة الخارجية، إذ شدّد على أن الأزمة توجد بين المغرب وإسبانيا وليس مع الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن "توظيف البرلمان الأوروبي في هذه الأزمة له نتائج عكسية"، و"يندرج ضمن منطق المزايدة السياسية قصيرة النظر"، كما اعتبر أن ما جرى "مناورة لا تنطلي على أحد، تهدف إلى تحويل النقاش عن الأسباب العميقة للأزمة".
وانتقدت الخارجية المغربية قرار البرلمان، وقالت إنه "يتنافى مع السجل النموذجي للمغرب فيما يتعلق بالتعاون في مجال الهجرة مع الاتحاد الأوروبي"، وكذلك مع "روح الشراكة بين الطرفين"، بل "يضعف مبدأ هذه الشراكة". وأورد البيان أن المغرب "ليس في حاجة إلى ضمانة في إدارته للهجرة. ولم يعد مقبولا وضع الأستاذ والتلميذ. فالوصاية طريق مسدود".
واستثنى المغرب هذا العام الموانئ الإسبانية من عملية عودة جاليته المقيمة بالخارج، وهو قرار لم تربطه مدريد بالأزمة وأرجعته إلى أسباب صحية، إلّا أن منابر إعلامية أسهبت في ذكر الخسائر التي ستطال إسبانيا جراء القرار الذي لم يكن كذلك في صالح الجالية المغربية التي تعوّد جزء واسع منها على استخدام هذه الموانئ.
ووفق قول مجدوبي، فالعلاقات بين المغرب وإسبانيا دخلت "نفق غياب الثقة"، بسبب تشديد الرباط على ضرورة أن تراجع مدريد موقفها من ملف الصحراء، فيما ترفض مدريد ذلك وتستند إلى أحزابها والاتحاد الأوروبي. وضع قد يكون له تأثير على علاقات الرباط بهذا الاتحاد، خصوصا أن "جودة العلاقات بينهما تراجعت منذ سنوات، ليأتي قرار البرلمان الأوروبي ويشكّل منعطفا مقلقاً ويزيد من درجة توتر لا يخدم مصلحة الطرفين، أي الاتحاد الأوروبي والمغرب" حسب قوله.
سبتة ومليلية.. الجانب الآخر للنقاش
كان لافتاً أن قرار البرلمان الأوروبي أشار في فقرة كاملة إلى أن جيب سبتة يمثل "حدودا خارجية للاتحاد الأوروبي"، و"حماية وأمن سبتة يهمان بشكل كامل الاتحاد الأوروبي"، ما أثار موجة غضب على الشبكات الاجتماعية بالمغرب، ولم ترك الرباط رسمياً على ما أثاره البرلمان الأوروبي حول سبتة.
وفي الوقت الذي توصف فيه سبتة ومليلية بـ"المحتلتين" في المغرب، لم تطرح الرباط على الصعيد الدبلوماسي في السنوات الأخيرة ملف المدينتين، كما لم ترد بما يخالف تصريحات مدريد عندما طالبت بـ"احترام سيادة أراضيها" غداة استدعائها السفيرة المغربية نهاية العام الماضي، لطلب إيضاحات حول تصريحات صحفية لرئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني طالب فيها بفتح نقاش حول المدينتين.
لكن حسن أوريد، المؤرخ السابق للمملكة المغربية، يقول لـDW عربية إن قرار البرلمان الأوروبي "سابقة خطيرة ركّز على ما اعتبره حدود أوروبا"، في حين أن الوضع هناك (أي سبتة ومليلية) هو " من مخلّفات الاستعمار، وهو وضع احتلال لمدينتين توجدان في إفريقيا"، ما يجعل القرار "يضفي الشرعية على الاستعمار".
ويتخوّف أوريد من أن يدفع هذا القرار العلاقات المغربية-الإسبانية إلى أن تصبح "بؤرة توتر حضاري" بدل أن تشكّل "همزة وصل حضاري"، وذلك لأن القرار "يفضي إلى هذا التمايز، خصوصاً بعد رد البرلمانين العربي والإفريقي" (أصدرا بيانين منفصلين رفضا فيهما تدخل البرلمان الأوروبي في الأزمة المغربية-الإسبانية)، مشيرا إلى أنه "بدلا من التجني على المغرب، كان يجب على البرلمان الأوروبي النظر في حلّ مشكل الهجرة –الذي يتجاوز الرباط- بمقاربة شمولية".
بيد أنه في الجانب الآخر، أرسل البرلمان الأوروبي رسالة مفادها ضرورة معالجة أزمة الهجرة بحلٍ أكبر غير المقاربة الأمنية التي يرفض المغرب تحويله فيها إلى دركي. وحث البرلمان في قراره أوروبا والمغرب على التعاون، مبرزاً اقتناعه بأن "تعاون الاتحاد مع دول الضفة الجنوبية يجب أن يقوم على أهداف طويلة الأمد كمعالجة الأسباب الرئيسية للهجرة غير النظامية من خلال حلول كتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير تعليم ذي جودة للأطفال".
إسماعيل عزام