بعد ترسيم حدوده مع إسرائيل.. هل يصبح لبنان "دولة نفطية"؟
٣٠ أكتوبر ٢٠٢٢خرج موضوع استخراج الغاز في لبنان عن إطاره التفاوضي، ففي 27 أوكتوبر تشرين أول الحالي وقع لبنان وإسرائيل على اتفاق ترسيم الحدود البحريةبعد أشهر من المفاوضات التي تمت بوساطة أمريكية. ووقع كل من الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة الإسرائيلي يائير لبيد رسالتين منفصلتين للموافقة على نص الاتفاق. وفي مقر الأمم المتحدة في جنوب لبنان، جرى تسليم الرسائل إلى الوسيط الأمريكي أموس هوكستين.
إنقسام لبناني حول نتائج الخطوة
ووسط إعلان لبنان الموافقة على ترسيم الحدود البحرية، انتشرت آراء تعتبر أنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً وأن "الإنفراج" المالي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحصول على العائدات لمعالجة الأزمة المالية التي تعصف بلبنان منذ أواخر عام 2019، فيما يعتبر آخرون أن اتفاق ترسيم الحدود واستخراج الغاز سيكون تكراراً لسيناريوهات هدر سابقة.
ويرى المغترب اللبناني رمزي مغبغب الذي نقل مطعمه من بيروت إلى سلطنة عمان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 اغسطس آب 2020، أن "الضبابية وعدم المصداقية" صفتان لصيقتان بالطبقة الحاكمة اللبنانية التي ألفت"سرقة أموال الشعب اللبناني". مشددأ على أن "المغتربين اللبنانيين ليس لديهم ثقة بالطبقة الحاكمة التي لها تاريخ حافل بالفساد والمحاصصة"، ويعطي مغبغب مثلاً على ما يصفه بالتجارب الفاشلة في ادارة القطاعات الخدماتية للدولة مثل ملف الكهرباء والسدود وملفات اخرى، التي كانت سمتها الأساسية السمسرة والعمولات التي كان يدفع ثمنها المواطن اللبناني.
بالمقابل، لا تتوافق المواطنة اللبنانية كلوديت حويك مع ما تصفه بالنظرة التشاؤمية للأمور في هذا الملف، لافتة أنها "متفائلة بالنسبة لإنجاز الترسيم الذي تراه حلماً لبنانياً سيضع لبنان على طريق التعافي الإقتصادي بمراقبة أممية تتمثل بالأمم المتحدة، بحسب وصفها.
لكن تفاؤل كلوديت هذا ليس بالأمر المطلق، إذ تشير إلى تاريخ الإدارة اللبنانية مع هدر الأموال العامة، لتقول:"على الرغم من تفاؤلي إلا أن العبرة النهائية تبقى بإدارة الملف وتتنفيذه مستقبلاً".
تخوف من إدارة الملف
في لبنان ترقب لمرحلة ما بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والتي ستطلق مرحلة التنقيب عن النفط والغاز وتطوير الحقول المحتملة.
ديانا القيسي، مستشارة المبادرة اللبنانية للنفط والغاز، تترقب مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق لتفعيل عملها الرقابي ضمن المبادرة اللبنانية للنفط والغاز التي تتطوع لمراقبة العقود وعمل شركات التنقيب الأجنبية في البحر والشركات اللبنانية التي ستقدم لها الخدمات في البر.
إذاً وعلى الرغم من كثرة الحديث في لبنان مؤخرأ عن أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز، تبقى الحقيقة أن لبنان ليس بلداً منتجبا للنفط أو الغاز لأنه لم يكتشف الغاز المزعوم بعد بكميات تسمح بالاستخراج وتغطية التكلفة.
وفي هذا السياق يقول الخبير الإقتصادي باتريك مارديني، أنه حتى لو بدأ لبنان بالتنقيب عن الغاز فورا وتأكد وجود كمية ونوعية تجارية مناسبة، فهو لن يستطيع تصدير الغاز قبل 8 سنوات، حينها يمكننا على الأقل البحث في جدوى إنشاء صندوق سيادي.
لكن مارديني الذي لا يثق حتى بعملية إنشاء صندوق سيادي لإدارة قطاع الغاز، يعطي مثالاً على الصندوق السيادي الحالي المتمثل باحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، ليقول: "في موضوع احتياطي مصرف لبنان ظن الشعب اللبناني أن إدارته رشيدة وأن حاكمه مستقل عن السلطات السياسية وأن أمواله يتم توظيفها على شكل أوراق مالية آمنة خارج لبنان؛ فإذا به يكتشف خلال الأزمة التي بدأت أواخر عام 2019 أن المصرف المركزي أعطى دولارات الاحتياطي للحكومة بطريقة ملتوية. مقرضاً إياها بالليرة عندما رفع توظيفاته بسندات الخزينة من 29% في العام 2012 إلى 58% قبيل أزمة العام 2019؛ ثم عاد وحوّل لصالح الحكومة ما أقرضها إياه بالليرة الى دولار، على سعر صرف ثابت بلغ حوالي 1500 ليرة لكل دولار".
وبهذه الطريقة بحسب مارديني "استحوذت الحكومة على 62.7 مليار دولار من المركزي، منها 25.4 مليار دولار صرفتها على الكهرباء و7.6 مليار دولار صرفتها على الدعم، وغير ذلك من المصاريف".
ويوضح مارديني أنه في ظل الصندوق السيادي، يمكن للحكومة الاستحواذ على الدولارات بشكل مباشر دون اللجوء إلى الطرق الملتوية. فإدارة الصندوق ستعينها الحكومة وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغير ذلك من الحجج لإنفاق هذه الأموال. وقد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي تكون مشابهة لتلك التي حصلت في احتياطي مصرف لبنان.
عندها - يحذر مارديني - ستتبخر أموال النفط والغاز (إن وُجِدت) كما تبخرت أموال المودعين، وسيحمل السياسيون، الذين أنفقوا هذه الأموال على مشاريع مكلفة وغير مجدية، المسؤولية لإدارة الصندوق (كما فعلوا مع مصرف لبنان) التي ستتنصل بدورها من المسؤولية متهمة الحكومة، يستنتج الخبير الاقتصادي اللبناني.
أما البديل المقترح عن الصندوق السيادي، أي إدارة الحكومة مباشرة للأموال عبر وزارة الطاقة أو المالية أو مجلس الوزراء، فيفتح برأي مارديني الباب على مصراعيه للتجاذبات السياسية ويزيد من شبهات الفساد وهدر الأموال. وفي حال كان الهدر في الصندوق السيادي يتعلق بكيفية إدارة الأموال التي قد يحصلها لبنان مستقبلا، فالأمر الداهم اليوم يتعلق بكيفية تلزيم (منح الدولة عروضا لشركة وتكليفها بإنجازها) عمليات التنقيب والحفر واحتمال الاستخراج. فقد تفرض الحكومة اللبنانية شريكاً لبنانيّاً على الشركات الأجنبية يتم اختياره على أساس الفساد والمحسوبيات، فيقتطع جزءاً يسيراً من مداخيل النفط والغاز قبل وصولها إلى الصندوق السيادي".
جرعة أمل من الحكومة
وبين الرأي الإقتصادي والتخوف من هدر عائدات لبنان المستقبلية أو البعيدة الأجل في قطاع النفط والغاز، يحاول وزير الشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار إعطاء جرعة أمل للبنانيين، واضعاً دخول لبنان في مصاف "الدول النفطية" في إطار المقدمة الحتمية لحل الأزمة الإقتصادية والمحفزات القادمة لمساعدة المواطنين اللبنانيين.
يكرر حجار في حديثه لـDW مقولة "يوجد فرق بين بلد نفطي وغير نفطي". معتبراً أنه بعد أن أصبح لبنان على خارطة الدول النفطية تقع مسؤولية الإستثمار الصحيح لهذا القطاع على عاتق الحكومات المقبلة التي ستوكل إليها مهمات التنفيذ.
"كلام مسؤول.. غير مسؤول"
بالعودة إلى نص الإتفاق، يتبين ان لإسرائيل شراكة اقتصادية في حقل قانا، ما يطرح السؤال حول إمكانية أن تبدأ "توتال" (الفرنسية) الحفر من الجهة الجنوبيةللبلوك رقم 9، أي جنوب الخط 23 لأسباب جيولوجية. لتلفت المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي، أن الحديث عن شراكة إسرائيل بنسبة 17% بحقل قانا سيحتم مفاوضة توتال معهم وبالتالي من المبكر الحديث ان لبنان حصل على الغاز.
وتعطي القيسي مثلاً أنه في عام 2011 كان هناك شراكة إسرائيلية مع قبرص بنسبة 1% في إحدى الحقول لكن الأخيرة لم تتمكن من إستئناف العمل فيه. وبالتالي فإن كل كلام عن أن لبنان أصبح اليوم بلدا نفطيا هو كلام غير مسؤول، تستنتج المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز.
وترأس شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال إنرجيز الكونسورتيوم الذي يضم شركة إيني الإيطالية، وتسعى شركة قطر للاستحواذ على حصة 30 في المائة، خلفًا لنوفاتيك الروسية التي انسحبت من الكونسورتيوم في سبتمبر أيلول الماضي.
وحصل الكونسورتيوم على رخصة للاستكشاف والتنقيب في المياه اللبنانية.
وبين التفاؤل والتشاؤم في إنجاز إتفاق الترسيم، لا تزال العملة اللبنانية تسجل تراجعا بقيمتها وصل لمستويات تاريخية، ذلك أن نمو الاقتصاد محكوم بإجراء إصلاحات بنيوية واستقرار سياسي غير مؤمن في لبنان اليوم بسبب شغور موقع رئاسة الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال، ناهيك عن أن مراهنة البعض على أن استخراج الغاز سيعالج مسألة الدين العام في لبنان، يشكل مخالفة صارخة لقانون الموارد البترولية اللبناني رقم 132/2010، الذي يتحدث صراحة عن أن عائدات الموارد النفطية هي ملك الأجيال القادمة ما يعني أنه لا يمكن إستخدامها للإيفاء بديون حالية.
محمد شريتح - بيروت