بعد استقالة الرئيس هادي..اليمن في مهب الفوضى والتقسيم
٢٣ يناير ٢٠١٥بات اليمن الذي كان حليفا أساسيا في حملة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم القاعدة، يعيش فراغا في السلطة بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي من منصبه، وذلك بعد ساعات قليلة من تقديم حكومة الكفاءات الوطنية التي يترأسها خالد بحاح استقالتها أيضا. غير أن قرار عبد ربه منصور يعتبر تحولا مفاجئا عن موقفه الأربعاء عندما عبر عن استعداده لتقديم تنازلات وقبول بعض مطالب الحوثيين وإشراكهم في الترتيبات الدستورية والسياسية للبلاد.
ومن جهته أكد الرئيس اليمني في رسالة الاستقالة أنه لا يمكنه البقاء في السلطة لأن البلاد وصلت إلى "طريق مسدود". وأضاف الرئيس هادي في بيان الاستقالة: "نحن غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيل الوصول إليه الكثير من المعاناة والخذلان وعدم مشاركتنا من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل المسؤولية للخروج باليمن إلى بر الأمان."ومن المنتظر أن يتباحث البرلمان اليمني استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي يوم الاحد في جلسة استثنائية.
مصير اليمن في مهب الريح
وبانتظار ما ستسفر عنه مباحثات البرلمان، تدخل استقالة الرئيس هادي البلاد في مرحلة فراغ دستوري وسياسي على حد تعبير ماجد المذحجي، الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، الذي أضاف في مقابلته مع DWعبربية أن" الرئيس هادي كان يشكل آخر رمز تبقى من الدولة والشرعية السياسية، هذه الشرعية التي كانت أساس ربط العلاقات بين الأقاليم اليمنية".
ولهذا فإن استقالة الرئيس هادي، على حد تعبير المذحجي، تفك الارتباط بين العديد من الأطراف والمركز في صنعاء، كما أنها تعزز عوامل الانقسام وتفتح المجال أمام اقتتال أهلي في ظل غياب صيغة وطنية جامعة مركزها صنعاء. ويشدد الخبير السياس اليمنيعلى أنه: "دون وجود شرعية أو دولة في صنعاء، يصبح مصير اليمن بأكمل، شمالا وجنوبا، في مهب الريح." غير أن الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء منذ 21 ايلول/سبتمبر من العالم الماضي حملوا الرئيس هادي مسؤولية الوضع الحالي واتهموه بعرقلة الحوار الوطني و"تغطية الفساد".
كما أعلن بيان للجان الشعبية الحوثية نشر الجمعة أن "الدستور ينص على أن تصادق الغالبية العظمى في البرلمان على استقالة الرئيس. وعليه فان الاستقالة لا تزال تنتظر". وهو ما أكده الإعلامي في جماعة أنصار الله الحوثية، حامد البخيثي، في مقابلته مع DW عربية، وقال بأن الاستقالة تعتبر غير مقبولة بحكم الدستور، مشيرا إلى أن " اليمن سيتجه نحو الوحدة وأن عبد ربه منصور هو من سعى إلى تقسيمها من خلال المسودة التي تقسم اليمن إلى عدة أقاليم." إضافة إلى ذلك شدد حامد البخيثي أن الحوثيين لا يسعون إلى الاستحواذ على السطلة والانفراد بها وإنما تنفيد مسودة الدستور:"نريد شراكة عادلة للسطلة، يتشارك فيها أبناء اليمنيين والشعب اليمني بكل مكوناته."
غير أن الحوثيين لا يلتزمون دائما بتعهداتهم، فهم يحتجزون مدير مكتب الرئيس المخطوف منذ الاسبوع الماضي، وذلك رغم تعهدهم إطلاق سراحه بموجب اتفاق تم التوصل إليه الاربعاء مع الرئيس المستقيل.
سيناريو انفصال الجنوب
وفي خضم هذه التطورات وتبادل الاتهامات بين الرئيس المستقيل وجماعة الحوثيين، قررت أربع محافظات جنوبية في اليمن بينها عدن رفض تلقي أوامر من صنعاء للوحدات العسكرية وقوات الأمن، بحسب بيان للجنة الأمنية. كما انضمت بعدها محافظة شبوة إلى باقي المحافظات الجنوبية الرافضة لتلقي أي قرارات من صنعاء.وهو ما يفسره بعض الخبراء كخطوة في اتجاه انفصال الجنوب وتقسيم البلاد و ربما بوادر حرب أهلية، خاصة بعد سقوط العاصمة صنعاء وانهيار الأجهزة الأمنية والعسكرية وسقوطها بيد جماعة الحوثي المسلحة والتي أصبحت تسيطر على جزء كبير من البلد ومؤسسات الدولة.
غير أن المحلل السياسي ماجد المذحجي، يستبعد انفصال الجنوب أو غيره من الأقاليم، مشيرا إلى أن مشروع الأقاليم لم يطبق بعد على أرض الواقع، ويضيف المذحجي بأن " فرص الاستقلال ضئيلة جدا، فرص الفوضى هي الأقرب." وذلك راجع إلى طبيعة التعقيدات السياسية في جنوب اليمن، المليئة بالانقسامات بين فرقاء الحراك الجنوبي والاستقطابات الإقليمية لقادة الحراك بين إيران والخليج والسعودية، بالإضافة إلى النشاط الواسع للقاعدة فيها. كلها عوامل تجعل "خيار الاستقلال، خيار غير حقيقي بقدر ماهو اتجاه فوضوي نحو الاستقلال وبالتالي عدم الاستقرار."
خطر "القاعدة"
عدم الاستقرار والفراغ في السلطة قد يعزز أيضا من نفوذ المنظمات الإرهابية في البلاد وعلى رأسها تنظيم القاعدة. ويعتبر اليمن معقل تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" والذي تعتبره واشنطن الفرع الأخطر في تنظيم القاعدة والذي تبنى الاعتداء الدامي على صحيفة شارلي ايبدو في باريس في السابع من كانون الثاني/يناير.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن هادي كان حليفا أساسيا للولايات المتحدة التي سمح لها بشن غارات عبر طائرات بدون طيار ضد مقاتلي تنظيم القاعدة فرع اليمن. ولكن مكافحة الارهاب ومحاربة تنظيم القاعدة شعار يتكرر في الخطاب السياسي لجماعة أنصار الله وهو ما يلجأ إليه الحوثيون لتبرير انتشارهم العسكري في البلاد. فهل يكون لذلك تأثير على اختيار الرئيس القادم للبلاد؟ وهل هناك شخصية توافقية تملك من القوة والنفوذ ما يكفي لمنع انزلاق اليمن للفوضى؟
من يخلف هادي؟
في هذا الصدد يقول ماجد المذحجي في مقابلته مع DW عربية:" نحن بحاجة إلى شخصية قوية، ولكننا بحاجة أكثر إلى مشروع واضح، فطريقة الإدراة الفاشلة والرديئة للرئيس هادي وعدم الالتفات لمطالب الشعب، بالإضافة إلى المبادرة الخليجية والدور الدولي الضعيف، هي التي أدت إلى الوضع الحالي" ويضيف المذحجي أنه لا ينبغي تكرار نفس الخطأ باختيار شخصية رمزية جامعة أو مخلص جديد، في حين "يجب التريث وتحليل العوامل التي أدت إلى الفشل."
وعن الأسماء المرشحة لتولي هذا المنصب يقول المذحجي أنه:" ليست هناك ترجيحات حاسمة ، يتردد مؤخرا كثيرا إسم الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، الذي يمكن اعتباره شخصية وحدوية، باعتباره أحد أطراف الحراك المعتدلة، والذي طرح إسمه ضمن تشكيل مجلس رئاسي أعلى لليمن." أما عن جماعة الحوثيين فيقول أنها كانت تريد الاحتفاظ بهادي رئيسا شكليا ولكنها فوجئت بقرار الاستقالة وهو ما بعثر أوراق الجماعة، التي رغم سيطرتها العسكرية على عدة مناطق إلا أنها لاتحظى بشرعية قانونية، سواء على المستوى الشعبي أو الدولي أيضا.
أمين بنضريف