سقوط صنعاء ضربة إيرانية مؤلمة للنفوذ السعودي
٢٢ يناير ٢٠١٥جاء سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في يد جماعة الحوثيين الشيعية بمثابة زلزال جديد من شأن ارتداداته أن تزيد من خلط الأوراق المتحكمة في تناقضات الصراع السني الشيعي بقطبيه السعودي والإيراني. ويرى الدكتور مصطفى اللباد مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية والإستراتجية في القاهرة في حوار مع DW أن التطورات الجارية في اليمن "تصب في صالح إيران لأنها الرديف والحليف الإقليمي للحوثيين، مقابل التشكيلة القبائلية التقليدية، حليفة السعودية".
إن سقوط صنعاء على مرمى من الحدود السعودية، يعتبر من الناحية الرمزية ضربة موجعة للرياض، وانجازا ثمينا لطهران التي ستعمل على توظيف هذا "الانجاز" كنقطة انطلاق جديدة لتوسيع دائرة نفوذها عند باب المندب والبحر الأحمر. على المستوى الداخلي يرى اللباد أن "الحوثيين جماعة منظمة استفادت من الثغرات الموجودة ووظفت التناقضات التي تخترق التحالفات القبلية، بل وتمكنت من تحقيق تفاهمات مع الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح". إلا أن هذا لا يمنع المحللين من اعتبار الحوثيين أداة لتنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة. ولم يتردد الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أعلن استقالته مساء الخميس (22 يناير/ كانون الثاني 2015)، من توجيه أصابع الاتهام لطهران، معتبرا أنها تحشر أنفها في الشؤون الداخلية لبلده بدعمها الواضح للحوثيين.
بين المبادرة والمراوحة
في قراءته للعبة الشد والجذب بين الرياض وطهران، يرى اللباد أن السعودية تعتمد في إستراتجيتها على المراوحة بمعنى أنها "تدافع عن الأمر الوقع (ستاتيكو)، في حين أن إيران تعمل على ربط تحالفات مع أصدقاء سياسيين سواء في لبنان، في العراق، أو في اليمن، باستثناء سوريا لتي تسعى فيها إلى الحفاظ على النظام القائم". ويستطرد الخبير المصري تحليله موضحا أن تجارب التاريخ تعلمنا أن من يكتفي بالدفاع عن الأمر الواقع دون تقديم بدائل، يكون في الغالب في الجانب الخاسر.
وليس واضحا بعد مدى قدرة السعودية على التعايش مع الوضع الجديد في اليمن، ومدى قدرتها على بلورة إستراتجية للرد. الأكيد هو أن خياراتها بهذا الصدد محدودة، ذلك أن حلفائها في اليمن مشتتون وفي وضع اقتصادي هش. كما "أن انهيار التحالف التقليدي بين قبيلتي حاشد وبكيل خلق فراغا استغله الحوثيون بشكل جيد" على حد تعبير اللباد. فهل ستضطر الرياض لدعم خصومها ك"التجمع اليمني للإصلاح" الذي ينتمي إلى تيار الإخوان المسلمين، وهو تيار تحاربه الرياض وأبوظبي بقوة وتعتبرانه تنظيما إرهابيا؟ هذا الوضع الجديد مفتوح على كل الاحتمالات، فمن غير المستبعد أن يؤدي النصر الحوثي لسكب مزيد من الزيت على نار النعرة الطائفية ويزيد بالتالي من حدة تطرف بعض الجماعات السنية.
"التوسع الإيراني بدأ بغزو العراق"
يرى الدكتور مصطفى اللباد أن التطورات الأخيرة لا ترجع أسبابها للربيع العربي فقط وإنما "تعود جذورها إلى عام 2003 الذي يمكن تحديده كبداية لانطلاق النفوذ الإيراني كما نراه اليوم، أي تاريخ احتلال العراق. فقد كان هذا البلد منذ عام 1921 موازنا جيوـ سياسيا لإيران وطموحاتها الإقليمية". وسقوط صنعاء في يد الحوثيين، وإن عجلت بها اعتبارات داخلية، تشكل في الواقع امتدادا لدينامية بدأت مع سقوط نظام صدام حسين وتكرست بتهميش كامل للقوى السنية وهيمنة الشيعة على صنع القرار في بغداد.
ويتزامن الاختراق الإيراني في اليمن مع انشغال كلي للقوى الغربية وحلفائها في المنطقة بمحاربة تنظيم "الدول الإسلامية" في العراق وفي سوريا. ويرى اللباد أن واشنطن تنظر لتوسع النفوذ الإيراني بشكل مختلف، إذ ترى أن من مصلحتها إحداث توازن بين طهران والرياض. "إن إدارة أوباما تعتقد أن بناء الاستقرار الإقليمي على السعودية حصرا، غير مفيد للمصالح الأمريكية وهو ما يفسر القدر المحسوب من الانفتاح على إيران". ومن غير المستبعد أن يكون الأمريكيون قد قبلوا بتوسع النفوذ الإيراني في اليمن كأمر واقع. فالحوثيون وإن كانوا يناهضون أمريكا، فإنهم ايضا من أعداء تنظيم القاعدة. كما أن إيران وإن لم تكن حليفة رسمية لواشنطن، فهي حليفة موضوعية في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".