بطرق مبتكرة.. النزاع حول سد النهضة ينتقل للعالم الافتراضي
١ يوليو ٢٠٢٠ما تزال أزمة مشروع سد النهضة الأثيوبي تثير جدلاً محتدماً على الساحتين المصرية والإثيوبية. إذ أن هذا المشروع الذي بدأت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ببنائه منذ عام 2011من المفترض أن يصبح عند إنجازه أكثر منشأة لتوليد الكهرباء من المياه في أفريقيا مع قدرة إنتاج بقوة 6 آلاف ميغاواط. غير أن هذا المشروع الحيوي لإثيوبيا يثير توترات حادة بينها وبين السودان ومصر اللتين تتقاسمان معها مياه النيل وتخشيان أن يحد السد من كمية المياه التي تصل إليهما.
ويعتبر هذا السد بالنسبة لإثيوبيا بمثابة روح جديدة لإنعاش هذا البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة يفتقد معظمهم الطاقة الكهربائية. إذ تكمن أهمية هذا المشروع في الكهرباء المتوقع توليدها منه وأهميتها من أجل الدفع بمشاريع تنموية من شأنها إحياء البلاد من جديد. في حين تخشى مصر أن يشكل السد تهديداً على تدفق مياه نهر النيل، الذي يعتبر "شريان الحياة" في البلاد التي تعتمد عليه للحصول على قرابة 90 في المائة من احتياجاتها من المياه. إضافة إلى مخاوف من آثار قد تكون مدمرة على اقتصاد مصر ومواردها المائية والغذائية.
"إنه سدي"
وقد انتقل هذا النزاع حول أزمة سد النهضة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، واشتعلت بتعليقات ومواقف حادة بين الجانبين المصري والإثيوبي مستخدمين السخرية تارة والإبداع تارة أخرى.
فقد أخذت الناطقة الرسمية باسم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، استراحة من التصريحات الرسمية لتنشر شيئاً مختلفاً على موقعها في تويتر: قصيدة من 37 بيتاً تدافع فيها عن السد الضخم الذي تبنيه بلادها على النيل الأزرق. ففي القصيدة التي حملت عنوان "إثيوبيا تتكلم"، كتبت بيلين سيوم: "أمهات يطلبن الراحة.. من سنوات من الفقر.. أبناؤهن يريدون مستقبلا مشرقاً.. والحق في السعي لتحقيق الرخاء".
وكما تشير الأبيات فإن إثيوبيا تنظر إلى مشروع سد النهضة، البالغة كلفته 4,6 مليار دولار، بوصفه بالغ الأهمية لتنميتها ومدها بالكهرباء.
وانتقلت المشاحنات إلى تطبيق مقاطع الفيديو الجديد تيك توك. وكان من أكثر المقاطع تداولاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع لامرأة أإثيوبية تتحدث اللغة العربية وتقوم بسكب المياه في 3 أكواب مختلفة مشيرة إلى إمكانية حرمان مصر من مياه النيل:
وتعتزم أديس أبابا ملء السد الشهر المقبل، رغم مطالبة القاهرة والخرطوم بإبرام اتفاق بشأن عمليات تشغيل السد للحؤول دون استنزاف النيل. إلى ذلك يقوم الاتحاد الأفريقي بدور قيادي في المحادثات لتسوية المسائل القانونية والفنية العالقة كما ناقش مجلس الأمن المسألة.
وقد ظهر هاشتاغ #إنه_سدي عندما رد وزير المياه سيليشي بيكيلي، الذي أبدى اهتماما بالغاً بموضوع السد في مؤتمر صحافي في كانون الثاني/يناير في أديس أبابا على سؤال لأحد الصحافيين حول ما إذا كانت دول أخرى بخلاف إثيوبيا قد تلعب دوراً في تشغيل السد. في تلك اللحظة، حدق سيليشي في عيني الصحافي ليجيب ببساطة "إنه سدي"، ليتحول رده سريعاً إلى هاشتاغ.
وانضم آخرون ممن هم من غير الإثيوبيين إلى هاشتاغ "إنه سدي". فقد كانت آنا شوينيكا قد أقامت لمدة 4 سنوات في إثيوبيا وهي تعمل لمنظمة تدعم المقاولين المدنيين، وعادت مؤخراً إلى لندن. وفي آذار/مارس عزلت نفسها للاشتباه بإصابتها بكوفيد-19 فبدأت باستخدام مشط ومقص لرسم تصاميم على الموز.
وفي تغريدة على حسابها في تويتر نشرت رسماً على موزة يصور امرأة تحمل حطباً، مشيرة إلى أنه عندما يبدأ تشغيل السد فإن "عدداً أقل من النسوة سيضطرن لجمع الحطب للوقود".
ونشرت تغريدة أخرى مرفقة برسم مختلف على موزة تشجع فيها على بدء ملء السد:
على الجانب الآخر، لم يأخذ رواد مواقع التواصل الاجتماعي المصريون موقف المتفرج، وإنما كان الرد سريعاً ومشتعلاً في العالم الافتراضي. فنشرت إحدى رواد موقع تويتر باسم "تحيا مصر" مقطع فيديو من أنستغرام رداً على مقطع الفتاة الإثيوبية:
وقد نشر شخص باسم أحمد الديب تغريدة على حسابه في تويتر اعتبر فيها أن مشروع سد النهضة يشكل تهديداً أمنياً خطيراً على البلاد:
ونشر شخص آخر باسم صلاح أحمد تغريدة مرفقة بصورة يشير فيها إلى "العقوبة العسكرية" كرد على تشغيل السد :
كما شارك شخص باسم "عاشق تراب مصر" مقطع فيديو في تطبيق تيك توك مشيراً إلى أن "جولة صراع سد النهضة" ستنتهي لصالح مصر ببساطة :
فيما أشار مغرد آخر باسم حمادة إلى الأحقية التاريخية لمصر في مياه النيل:
تبادل الاتهامات
وفي حين يستمر الصراع بين شاشات العالم الافتراضي، استمر تراشق الاتهامات واستخدام الدعاية الكاذبة حول سد النهضة بين حكومات أطراف النزاع التي تتمسك بموافقها رغم تقدم الوساطة الأفريقية. فبينما تتفاخر إثيوبيا بطموحاتها المشروعة ومشروعها "العظيم" الذي سينهض بالبلاد، التي عانت من الفقر لوقت طويل، وينعشها اقتصادياً مؤكدة على أن مشروع سد النهضة هدفه الأساسي هو التنمية، ترى مصر في هذا المشروع تهديداً لوجودها وأمنها القومي.
وشهدت جلسة مجلس الأمن بشأن هذه الأزمة، خلافات واتهامات متبادلة بين الجانبين الأثيوبي والمصري، بعد رفض مندوب إثيوبيا لدى الأمم المتحدة، إحالة ملف أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، واتهامه مصر باتخاذ خطوات أحادية الجانب، فيما رفضت مصر هذه الاتهامات وتقدمت بمشروع قرار يطالب بدعوة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان إلى التوصل لاتفاق حول سد النهضة في غضون أسبوعين.
وقال مندوب إثيوبيا في كلمته إن إثيوبيا لن تتسبب بإلحاق الضرر بمصر أو السودان: "لدينا واجب وطني بحماية شعبنا وتحقيق الرفاهية له".
فيما اتهم سامح شكري، وزير الخارجية المصري، الجانب الإثيوبي بشن حملة غير مبررة طوال مسار المفاوضات، تتضمن مزاعم أنها تسعى لإرغام أطراف أخرى على القبول باتفاقات وتفاهمات ترجع لحقبة استعمارية غابرة.
ومن جهة أخرى، كانت إثيوبيا قد تحفظت سابقاً على تدخل أطراف أخرى في النزاع، لا سيما بعد محاولة وساطة قامت بها الولايات المتحدة، بناء على طلب مصر، وانتهت في شباط/فبراير إلى الفشل. واتهمت أديس أبابا في حينه واشنطن بالتحيز للقاهرة.
لكن أديس أبابا رحبت هذه المرة بمبادرة الاتحاد الأفريقي، مؤكدة أن "القضايا الأفريقية يجب أن تجد حلولا أفريقية".
الكاتبة: ريم ضوا