بداية جديدة في ليبيا - تحديات وآمال في عهد جديد
١٧ أكتوبر ٢٠١٢الطريق إلى منصب سياسي كبير في الدولة عادة ما يكون وعرا جدا ومن يريد ترأس الحكومة الجديدة في ليبيا فعليه أن يتحلى أيضا بكثير من الصبر، فعلى المرشح في البداية أن يفرض نفسه وفي مرحلة ثانية فريقه، فمصير كل من رئيس الحكومة ووزرائه مرهون بموافقة المؤتمر الوطني العام الليبي. وقد كان مصطفى أبو شاقور، الذي كان حتى فترة قصيرة يشغل منصب رئيس الحكومة، قد عايش بنفسه هذه القوة التي يتمتع بها المؤتمر الوطني، عندما فشل مرتين في الحصول على الموافقة على تشكيلته الحكومية. ولم يقبل المؤتمر لا بالتشكيلة الأولى، التي كانت تتركب من 27 عنصرا، ولا بالتشكيلة الثانية التي لم يتجاوز عددها نصف الأولى. وقد علل أعضاء المؤتمر قرارهم بأن المرشحين مجهولون ولا يمثلون الليبيين.
مصداقية علي زيدان مكنته من كسب السباق
وباختياره رئيسا للحكومة فقد حصل الدبلوماسي السابق والمعارض لنظام القذافي علي زيدان على فرصة لتدارك ما لم ينجح فيه سابقه. وإن لم يحصل زيدان على أغلبية الأصوات، إلا أنه تمكن من كسب 93 صوتا من إجمالي 200، ما يكفيه لتقلد هذه المنصب. وهكذا تمكن زيدان، الذي ينتمي إلى "تحالف القوى الوطنية" الليبرالي، من كسب السباق أمام منافسه محمد الحراري من حزب العدالة والبناء المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين الليبية. ويبدو أن مصداقية علي زيدان وتاريخه قد لعبا دورا مهما في اختياره من قبل أغلبية المؤتمر الوطني للمنصب الجديد. ذلك أن زيدان يعد من الأوائل الذين انشقوا عن نظام القذافي، حيث تخلى عام 1980 عن منصب سفير. وعاش منذ ذلك الوقت في المنفى في ألمانيا، حيث كان يكافح من أجل حقوق الإنسان في وطنه، الأمر الذي ساعده في كسب تأييد الكثير من الليبيين، وخاصة أولئك الذين لديهم تحفظات إزاء السياسيين الذين عاشوا أيام القذافي في أمن وأمان في المهجر ولم يهتموا كثيرا بالأمور السياسية في بلادهم بقدر ما كانوا يهتمون بأعمالهم وصفقاتهم التجارية.
من جهته، يرى أندرياس ديتمان، أستاذ علوم الجغرافيا والإثنيات في جامعة بون الألمانية، أن الرغبة الملحة لدى الكثير من الليبيين في أن يتمتع السياسيون بالمصداقية "يتسبب لهؤلاء في الشعور بالحرج". ويوضح أن في عهد القذافي لم يكن للسياسيين سوى خيارين: "إما أن يعيشوا في ليبيا ويتقلدون مناصب مهمة وبالتالي فهم مشكوك فيهم اليوم بأنهم انتهازيون، وإلا أن يعيشوا في المنفى لفترة طويلة." أما المعارضون الحقيقيون لنظام القذافي فقد ماتوا جميعا. وبالتالي فإن السياسيين، وفقا لديتمان، لا يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض وإنما بدرجات معينة. ويلفت إلى أن الليبيين يحددون مصداقية السياسيين انطلاقا من الأسباب التي دفعتهم إلى العيش في الخارج وكذلك انطلاقا من أعمالهم هناك.
المهمة الكبيرة والعويصة: تمثيل جميع الليبين في الحكومة
وفي الوقت نفسه يتعين على زيدان أن يقنع أبناء جلدته أيضا بقدرته على تشكيل حكومة تحوز على اعتراف جميع الليبيين على قدر الإمكان بأنها تمثلهم. وهذا يعني أن أعضاء الحكومة يجب أن ينحدروا من مختلف المناطق والجهات الليبية، فيما لم يكن التمثيل الجهوي يلعب في عهد القذافي أي دور يذكر. بل على العكس فإن القذافي قد تجاهل عن قصد فئات من الشعب الليبي وحتى أنه اضطهدها. "وإذا ما كانت هناك رغبة في خلق الشعور بالهوية الليبية، فمن الضروري أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. ولهذا السبب يتعين على السياسيين تطوير ثقافة سياسية جديدة، على ما يقول الخبير الليبي في الشؤون السياسية علي الغباشي. "المشكلة تكمن في أنه حتى الآن لم يكن هناك أي حزب سياسي قادر أو مستعد لإيجاد حلول توافقية. وهذا ما تحتاجه ليبيا في هذا الوقت بالذات، لأن الصعوبات هناك لا تزال كبيرة، ومنها المشكلة الأمنية التي يتعين حلها في أقرب وقت ممكن وكذلك ملئ الفراغ السياسي الذي تسبب فيه انهيار النظام السابق."
"عدم إقصاء الجماعات الإسلامية والحليولة دون تنامي نفوذها"
في حين يرى أندرياس ديتمان أن الأمر المهم للحصول على الاعتراف بالحكومة الجديدة هو "إلى أي مدى سيتمكن السياسيون من إدماج مختلف الجهات في ليبيا والفئات الاجتماعية واللغوية في البرلمان الجديد بصفة تجعلهم يشعرون بأنهم ممثلون". كما أن هناك مهمة أخرى لرئيس الحكومة وهي إرضاء جميع التيارات الإسلامية القوية. "فمن جهة لا يجب إقصاء هذه المجموعة، ومن جهة أخرى يتعين الحليولة دون إعطائها الكثير من السلطة" والحليلولة دون أن تلجأ هذه الجماعات إلى سياسة المواجهة انطلاقا من أسباب دينية. ولكن علي الغباشي يؤكد أن الحكومة بإمكانها الاعتماد على الشعب في هذه النقطة بالذات، لافتا إلى أن "الليبيين لن يقبلوا مرة أخرى أن تحاول بعض الجماعات تحقيق أهدافها بقوة السلاح. المواطنون يريدون رؤية الأسلحة فقط بأيدي رجال الشرطة والجيش."
عقب أربعين عاما من الديكتاتورية يسعى السياسيون الجدد إلى محاربة المصالح المختلفة بقوة الكلمة: تغيير راديكالي في الثقافة السياسية في ليبيا ويتعين على علي زيدان المضي في هذا الطريق قدما.