التهديد الإرهابي في المنطقة المغاربية يضع الأحزاب الاسلامية الحاكمة على المحك
٥ أكتوبر ٢٠١٢تزداد الدعوات الرسمية والأهلية في منطقة المغرب العربي لإحياء اتحاد المغرب العربي المجمد منذ نحو عشرين عاما، كسبيل للرد على التحديات الأمنية والاستراتيجية المتعاظمة. وفي صدارتها تحدي الجماعات الإرهابية، وقد حذر الرئيس التونسي منصف المرزوقي في مقابلة مع صحيفة الحياة نشرت قبل يومين من"خطر داهم يقرع أبواب بلدان المغرب العربي" التي قال إنها اصبحت بالنسبة للجماعات الارهابية وخصوصا القاعدة بديلا عن أفغانستان وباكستان.
وفي حوار مع DW رأى الخبير التونسي كما بن يونس رئيس منتدى ابن رشد المغاربي للدراسات ورئيس تحرير مجلة دراسات دولية التونسية، إن الأحزاب الإسلامية الحاكمة في المنطقة، ربما تكون" الضحية الأولى لتمدد الخطر الإرهابي في شمال افريقيا".
وفيما يلي نص الحوار مع كمال بن يونس:
DW: قبل يومين حذر الرئيس التونسي منصف المرزوقي من تعاظم الخطر الإرهابي على دول المغرب العربي. هل هناك معطيات دقيقة عن حجم الجماعات الإسلامية المسلحة النشيطة في شمال إفريقيا؟
كمال بن يونس: مما لا شك فيه أن الجماعات الإسلامية في شمال إفريقيا تشكل خطرا حقيقيا. خصوصا وأن هناك تداخلا بين هؤلاء الجهاديين وعصابات تقوم بتهريب المخدرات والأسلحة، وبعضها يستعمل الطائرات لنقل المخدرات من أفغانستان وبلدان أسيا إلى شمال إفريقيا.
وعندما انهارت الأنظمة في ليبيا، تونس ومصر، وبفعل الانفلات الأمني النسبي المقترن بالثورات العربية، تراكمت تحركات تلك الجماعات المسلحة وتضاعفت الأخطار الأمنية، وتداخلت مصالح العصابات المختصة في المخدرات والإرهاب بمصالح قوى محلية وإقليمية ودولية تريد أن تخنق الثورات العربية ومشروع الإصلاح الديمقراطي في دول شمال إفريقيا عبر افتعال أزمات وعمليات مسلحة وتفجيرات.
يأتي هذا في الوقت الذي توجد فيه أكثر من مليوني قطعة سلاح مشتتة في ليبيا، ورثها الشعب الليبي عن الميليشيات الموالية للقذافي و الجماعات المسلحة التي كانت تحارب ضده.
هناك إذن مخاطر حقيقية مرتبطة كما ذكر الرئيس منصف المرزوقي بمالي وبلدان الساحل والصحراء.
هل هناك معطيات دقيقة عن عدد هذه الجماعات المسلحة؟
ليس هناك أي طرف في العالم يمكن أن يقدم إحصائيات دقيقة لجماعات سرية تعمل في الظلام، سواء كانت جماعات تروج للمخدرات أو تلك التي تروج الأسلحة. كلما لدينا عبارة عن تقديرات، لكن هناك تأكيد على أن ما يسمى بـ"الجماعة الإسلامية المقاتلة في المغرب الإسلامي" أو ما يسمى بـ"الجماعات الإسلامية الجهادية" في الصومال ومالي متورطة مع جماعات مختصة في تهريب المخدرات والأسلحة من موريتانيا وغينيا بيساو ومالي وجنوب ليبيا في اتجاه بلدان الشمال.
هل تعتقد أن قوة هذه الجماعات زادت مع وصول الإسلاميين إلى الحكم في بعض بلدان شمال إفريقيا ؟
لا أعتقد ذلك، لأن هذه الجماعات تضع على سلم أولوياتها محاربة الحكومات الإسلامية المعتدلة أو التي توصف بالاعتدال. وإيديولوجية هذه الجماعات معادية للانتخابات ومعادية للديمقراطية، بل تعتبر ممارسة ذلك بدعة وكفرا.
الجماعات المتشددة والتي تنسب إلى الوهابية مورطة مع مافيات السلاح والمخدرات وتوظف لضرب تيار الإسلام السياسي والتيارات العقلانية في المجتمعات العربية من منطلقات دينية. إذن فأولى ضحايا هذه الجماعات المسلحة هي الحكومات التي أفرزتها الانتخابات في مصر وتونس وليبيا.
هناك مخاوف من نقل الجماعات الجهادية لقواعدها من أفغانستان وباكستان إلى شمال إفريقيا. برأيك هل هذا ممكن؟
لا أعتقد أن هذا السيناريو وارد، لأن أفغانستان وباكستان بلدان كبيران وفيهما تضاريس وجبال، ولديها الآن تراث عمره أكثر من ثلاثين عاما من عمل الجماعات المسلحة ومن التشدد الديني. وفي هذين البلدين ينتشر الفقر والجهل والأمية بنسب عالية، بينما تتميز بلدان المغرب العربي بنسبة الوعي والتعلم المرتفعة. وهناك دور فاعل للمجتمع المدني، وأغلبية الناس ينتمون إلى الطبقة الوسطى، والتيار العلماني أو الليبرالي مؤثر ويقظ، ويرفض أي عودة بالمجتمعات المغاربية إلى عهود سابقة.
هذا السيناريو إذن أعتقد أنه ليس واردا، بسبب وجود تنسيق أمني كبير بين الحكومات المنتخبة في تونس ومصر وليبيا مع الحلف الأطلسي ومع الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. بل إن الإسلاميين في الحكم يحاربون المتشددين ويعتقلونهم باستمرار، والمثال التونسي واضح في هذا الصدد.
هل يمكن اعتبار اعتداءات بعض السلفيين عن النساء في تونس امتداد لنشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في الصومال ومالي؟
أعتقد أولا أن السبب الرئيسي لظهور التيار السلفي المتشدد، وخاصة السلفية الجهادية هو تراكم عقود من القمع السياسي والتعامل الأمني الصِرف مع الظاهرة الإسلامية كظاهرة إيمانية ومجتمعية. رد الفعل كان هو اعتقال آلاف القياديين والنشطاء الإسلاميين وغلق مراكز التفكير والعلوم الإسلامية المعتدلة، في مرحلة برزت فيها عالميا وليس في العالم الإسلامي فقط صحوة إيمانية في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول.
والصحوة الإيمانية عندما لا تقترن بالعلم وبالتفكير والحوار تؤدي بالضرورة إلى التشدد والتطرف وبروز التأويلات المتشددة عوض القراءات العقلانية للإسلام. أدى هذا في العالم الإسلامي إلى توريط نسبة كبيرة من الشباب في قراءات متشددة وغريبة عن التراث الإسلامي.
ما حدث في تونس من الاعتداء على بعض النساء الليبراليات وبعض المثقفين مسألة عرضية غير مؤثرة في المجتمع، لأن نسبة المثقفين والعلمانيين والطبقة الوسطى مرتفعة، ولا بديل لأي حكومة حالية أو قادمة إلا التوافق مع التيارات المختلفة داخل المجتمع.
ففي الوقت الذي وقعت فيه الاعتداءات على النساء، كانت الشواطئ التونسية مليئة كالعادة تأوي يوميا أكثر من مليون مصطاف يوميا، وأغلبهم بالملابس الداخلية، كما كان الأمر منذ سنوات.
برأيك كيف يمكن لدول المغرب العربي وقف زحف خطر الجماعات الإسلامية الجهادية؟
بالنسبية للدولة هناك أمران. الأول: لابد لهذه الدول أن تتعامل بوضوح وبحزم وصرامة مع كل من يخالف القوانين ويعتدي على غيره سواء كان سلفيا جهاديا أو ملحدا أو ليبراليا. كل متطرف يعتدي على غيره لا بد أن يتعامل معه القانون والقضاء بحزم، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاك حقوق الإنسان والحريات الفردية للأشخاص. ثانيا: يجب تشجيع الحوار العلمي والفكري في وسائل الإعلام، مؤسسات التعليم، الجوامع والكنائس وفي كل مكان، لأن الرد الحقيقي على سوء التفاهم هو دفع الناس نحو الحوار وإعلاء مكانة المثقفين والمفكرين والعلماء على حساب الجهلة.
هل يوفر غياب التنسيق والوحدة المغاربيين مناخا ملائما لنشاط الجماعات الجهادية في شمال إفريقيا؟
طبعا كل مظاهر التعثر للحكومات الحالية في المغرب العربي، بما في ذلك تعثرها في بناء الاتحاد المغاربي الذي يكلف المنطقة سنويا مئات الآلف من فرص الشغل ويحرمها من نسبة نمو مرتفعة ويحرمها من مبادلات تجارية و شراكة اقتصادية مهمة... تخدم التطرف والتشدد ولا تخدم الحوار والديمقراطية وقيم الاعتدال.
كمال بن يونس: متخصص في الجماعات الإسلامية، رئيس منتدى ابن رشد المغاربي للدراسات ورئيس تحرير مجلة دراسات دولية