بدء الإحتفال رسمياً بسنة الشاعر الكبير فريدريش شيللر
بدأت سلسلة الاحتفالات التي تنظمها النخب الثقافية والاجتماعية في كافة الولايات الألمانية من أجل الاحتفاء بالشاعر الكبير فريدرش شيللر في ذكرى مئويته الثانية باحتفال كبير نظمته وزيرة الثقافة الألمانية في القاعة الرئيسية للمبني الجديد لأكاديمية الفنون الألمانية. وفي كلمتها الافتتاحية عبرت وزيرة الثقافة الألمانية كرستينا فايس عن سعادتها بالمشاركة في إحياء ذكري هذا الأديب الفذ. كما أشارت إلى أن هذه المناسبة تعتبر فرصة كبيرة لإعادة اكتشاف أعمال شيللر، الذي يجسد العصر الكلاسيكي في الأدب الألماني، وتقديمها للجمهور الألماني بصورة جذابة، إذ أخذت بيد المبادرة وقامت بإلقاء قصيدة شيللر الشهيرة "فالنشتاين" على مسامع الجمهور الحاضر.
أدب عالمي وليد المعاناة
عانى شيللر معاناة شديدة من نوبات حمى وأمراض كثيرة أنهكته جسدياً لدرجة أن الأطباء المعالجين له اعتبروا عودته إلى طاولة الكتابة بمثابة أعجوبة لا يمكن تفسيرها. وعلى الرغم من هذه الآلام المزمنة استطاع شيللر خلال حياته القصيرة ( 1759- 1805 ) كتابة أكثر من ثلاثين ديوانا شعرياً ومسرحية ورسالة أدبية مازالت تمثل حتى الآن علامات بارزة في مسيرة الأدب الألماني المعاصر. ووصف أستاذ الأدب والفلسفة رودغر سافرانسكي هذا التجسيد الفريد من نوعه للمعاناة والإبداع بقوله:"المثالية الحقة تعني أن تحيا بقوة الفكر وعشق الأدب عشر سنوات أطول مما يسمح به جسدك".
سيرة شيللر الذاتية
ولد فريدريش فون شيللر عام 1759 في بلدة مارباخ الواقعة في جنوب ألمانيا. وعلى الرغم من رغبته في دراسة اللغة اللاتينية وعلم اللاهوت، إلا أنه لم يحقق هذه الأمنية، حيث اضطر تحت ضغط الأمير كار اويجين إلى دراسة العلوم الإدارية والعسكرية. وبدأ شيللر أعماله الأدبية أثناء دراسته الجامعية القاسية حيث كتب قصيدة "المساء" التي حازت على إعجاب زملائه. وفي هذا الوقت كتب عمله الدرامي الأول "اللصوص".
صداقة فريدة من نوعها مع غوته
ارتبط شيللر في سنواته الأخيرة بعلاقة صداقة وطيدة مع الشاعر الألماني الشهير غوته وأصدرا سوياً في هذه الفترة عدداً من المسرحيات الغنائية، كما اشتهرا بإهتمامهما البالغ بدراسة الإسلام بصورة معمقة وإصدارهما عدد من الدراسات المنصفة للشرق. وأثر غوته تأثيراً كبيراً على حياة شيللر حيث سعى، بما يمتلكه من ثقل اجتماعي وثقافي إلى تأمين العمل له حتى يستطيع مواجهة صعوبات الحياة المادية ويخرج من براثن الفقر الذي عانى منه. كما شجع غوته صديقه على إصدار مجلته التي حملت عنوان "آلهة الفصول الأربعة" في عام 1795، وكذلك شجعه على إكمال ملاحمه الشعرية الشهيرة مثل "الغطاس" و"القفاز". وبموت شيللر فقد غوته صديق روحه وفكره وأًصيب بالقنوط والكآبة.
عالمية أدب شيللر
تتميز الرسالة الأدبية لشيللر بعالمية مفهومها وإنسانية محتواها، فأدب شيللر لم يعرف حدود الهوية القومية كما أن فكره لم يقتصر على مذهب أو ديانة معينة، لأنه آمن إيماناً راسخاً بمثالية الحرية الآدمية بمفهومها الذي يتجاوز كل القيود والحدود. في هذا الخصوص علق غوته على عمل شيللر "نشيد السرور" قائلاً: "لو نظرنا إلى أعمال شيللر كلها لرأينا أنها تعالج دائماً فكرة ومفهوم الحرية".
والجدير بذكره على الصعيد الفني هو أن شيللر لم يعتد معالجة تفاصيل ومواضيع صغيرة على غرار غوته، بل كان يعالج مواضيعه الأدبية بشمولية الحكيم وبنظرة الفاحص الذي يسمو بمواضيعه إلى مصاف الأدب السامي. وعلاوة على ذلك فقد أتقن شيللر صياغة الملاحم ونظمها بطريقة درامية فريدة من نوعها. ولكن الاحتفاء الأكبر بشيللر يبقي متجسداً في محاولة فهم أسرار الوجود الإنساني من خلال سبر ما أسماه هذا الأديب الفذ بـ"أغوار العلاقة المتوترة بين الطبيعة والداخل الإنساني".
لؤي المدهون