بحثاً عن فرص أفضل.. مصريون يهجرون "أم الدنيا" نحو ألمانيا
٢٩ أغسطس ٢٠١٨ما بين "سافر إليها وأنت مُغمض عينيك" و"ليست جنة الله على الأرض"، تختلف صورة ألمانيا لدى المصريين الحالمين بالسفر لها مقارنة بمن حقق منهم "الحلم" بالفعل. وفي ظل ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأفق في بعض مجالات الحياة يرغب الكثير من المصريين في الرحيل عن بلدهم ليس للنجاة بحياتهم، ولكن سعياً وراء فرصة لحياة أفضل يصعُب على العديدين تحقيقها بسبب أوضاعٍ سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة تمر بها مصر.
وألمانيا واحدة من الوجهات الرئيسية التي يحاول المصريون الحالمون بالهجرة الوصول إليها لأسباب متعددة. وما بين حقيقة الواقع المعيشي في ألمانيا وتصورات الحالمين فيها مساحة شاسعة يمكن أن تكون مسرحاً للكثير من الصور الخاطئة وغير الحقيقية عن طبيعة الحياة في ألمانيا.
موضة أم مهرب؟
طلال فيصل، طبيب نفساني وروائي مصري، لم يحلم مُسبقاً بالعيش خارج "أم الدنيا"، لكن الأقدار ساقته إلى خارجها، وهو يعيش اليوم في ألمانيا بهدف اكتساب الخبرة العملية في اختصاصه والتعليم الجيد والحصول على درجة علمية تؤهله للعمل داخل مصر وخارجها مع تحقيق عائدٍ ماديٍ يوفر له الحياة الكريمة.
ووقع اختياره على ألمانيا لأن شروط الالتحاق بالنظام الطبي فيها أقل تعقيداً مقارنة بدول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن بات ذلك مستحيلاً في مصر، كما يقول، ما دفعه إلى شد الرحال عنها.
لكن الطريق إلى ذلك لم يكن سهلاً، عن ذلك يقول فيصل: "حاولت التأقلم على الوضع في مصر لأكثر من مرة لكن الأمر كان صعب جداً. في نهاية المطاف وجدت أن أفضل الحلول هو السفر للخارج".
ويضيف الطبيب الشاب في حوار مع DW عربية: "أنا من جيل كامل حضر حلم الثورة والتغيير ثم لم ينتج أي شيء، بل على العكس تحول الوضع إلى الأسوأ، وبتلك اللحظة عندما يكون هناك طموح كبير جداً ولا يتحقق تزيد نسبة الإحباط".
ويرى فيصل أن الرغبة المتزايدة في السفر لألمانيا تعود لنشاط سوق العمل وتنوع المؤسسات بما يؤدي إلى زيادة الطلب على اليد العاملة. ويُضيف الطبيب المصري أن العامل الثاني لجاذبية ألمانيا هو سوق العمل فيها، فقد حصلت ألمانيا على سمعة كبيرة في مختلف المجالات خلال السنوات الأخيرة. "الجميع يتحدث عن ألمانيا وتجربتهم وشكل الحياة فيها بما يخلق نوعاً من رواج فكرة الهجرة إليها لدى الشباب الراغب في السفر بشكل عام".
يُذكر أن الجهاز المركزي للإحصاء في مصر كشف في أرقام أُعلنت مؤخراً أنه بنهاية عام 2017 جاءت ألمانيا بالمركز الثالث من حيث عدد المصريين المقيمين بالدول الأوربية، إذ بلغ عددهم قرابة سبعة وسبعين ألف شخص، أي بعد إيطاليا وفرنسا.
هرباً من البطالة
في قصة أخرى، لدى أنطوان تامر وزملائه من طلاب هندسة الميكانيكا مخاوف من إيجاد فرص عمل مناسبة بعد تخرجهم في جامعة القاهرة، ووضع ألمانيا مهرباً له من البطالة التي تنتظره بعد التخرج، ما دفعه إلى تعلم الألمانية هو الآخر حتى قبل حصوله على شهادته الجامعية.
عن ذلك يقول الشاب المصري في حوار مع DW عربية: "فرص عمل مهندسين الميكانيكا في مصر ليست عديدة في الوقت الراهن بسبب الاعتماد على استيراد العديد من المكونات الدقيقة الصنع من الخارج". وهذا من أسباب البطالة بين خريجي الميكانيكا، كما يرى تامر. وفي هذا السياق كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مؤخراً أن معدل البطالة في مصر وصل بالربع الأول من العام الحالي إلى 10.6 بالمائة.
لا تختلف المصورة الصحفية إيمان محمد عن الأخرين كثيراً فهي لديها أسبابها المهنية التي تدفعها نحو محاولة العمل بألمانيا. تقول إيمان: "اعتماد المصور على العمل بالقطعة يتسم بالمخاطرة، كما أن الصحف التي تنشر موضوعات عن مصر تُفضل التعامل مع مصورين أجانب عن المصريين".
وتضيف المصورة في حوار مع DW عربية بالقول إن تدفق آلاف اللاجئين على عدد من الدول الأوروبية خلال الأعوام القليلة الماضية وتطورات هذا الملف يزيدان من فرصها على الصعيد المهني، "فوجود أشخاص من جنسيات وثقافات مختلفة في مكانٍ واحد يعتبر مصدر لمئات القصص الصحفية".
حين تبدأ المصاعب
"هوس السفر لأوروبا".. هكذا وصف شاب مصري، مُهدد حالياً بعدم تجديد إقامته بألمانيا، محاولاته غير الناجحة للاستقرار والعمل بألمانيا. ويحكي الشاب المصري، الذي فضل عدم ذكر اسمه، عن حلمه قائلاً: "قبل سفري تخيلت أن مصر هي جهنم بينما أوروبا هي الجنة ولهذا فضلت الجنة عن البقاء مع أهلي وأصدقائي، لكني اكتشفت بعد قدومي أن أوروبا ليست الجنة المنشودة كما نتصورها".
يؤكد الشاب أنه مثلما ألمانيا ليست جنة فهي ليست ناراً كذلك، لكن يجب على الحالمين بالسفر أن يكونوا أكثر واقعية. ويضيف قائلاً: "الحياة هنا ليست سهلة وعليك العمل والتدريب والدراسة طوال الوقت، وأنا هنا لا استمتع بالأشياء الجميلة بسبب وحدتي وغياب أهلي".
لا ينفي وجود تلك الصورة الوردية لدى البعض إدراك أخرين للحقيقة. تُعبر إيمان محمد عن قلقها من التيار اليميني في أوروبا وتتخوف من تعرضها للاضطهاد، لكنها قررت أن تكون واقعية قائلة "اعلم أن الحياة لن تكون الأجمل فأنا أسعى للقدوم إلى ألمانيا وأنا مُدركة تماما أنني سأنحت الصخر حتى اخلق لنفسي فرصة وحياة جديدتين".
من جانبه يُصنف طلال فيصل الصعوبات التي تواجه المصري في ألمانيا إلى نوعين؛ أولهما عام مرتبط بالتواجد بعيداً عن الوطن والأهل والطقس الدافئ والشوارع شديدة الحيوية معظم الوقت في مصر. ويضيف: "أما النوع الثاني من الصعوبات فمرتبط بالتواجد في ألمانيا بالتحديد. بجانب صعوبة اللغة الألمانية"، ويوضح طلال قائلاً: "كما يقول الأوروبيون أنفسهم، فإن ألمانيا شديدة الجفاف عاطفياً، ناهيك عن التعقيد البيروقراطية للمعاملات الورقية والعواقب المترتبة على إهمالها".
أحكام وتجارب
يؤمن محمود خُليف، طبيب مصري يعيش في مدينة دورتموند منذ أكثر من عشر سنوات، أن الحياة بألمانيا لها مميزات وعيوب كأي مكان أخر بالعالم، لكنه لم يندم محمود على قرار سفره. ويعلل ذلك بالقول في حوار مع DW عربية: "ألمانيا تعطيك فرصة التقدم للأمام طالما أنك مثابر وتبذل المجهود المطلوب لتحقيق النجاح".
على الجانب الأخر، يصف محمود الحياة الاجتماعية في ألمانيا "بالصعبة" ولهذا ينصح المصريين الراغبين في السفر بإتقان اللغة الألمانية أولاً للاختلاط في المجتمع والاندماج فيه، ولتجنب الشعور بالانعزال والحصول على فرصة عمل جيدة.
كما يرى محمود أن هناك عوامل تُحدد فرص النجاح في ألمانيا كالمدينة التي تعيش بها والأشخاص التي تعمل معها وأسلوبك في التعامل مع الأخرين وقدرتك على تحمل الضغوط خاصة بالمرحلة الأولى. ويضيف محمود: "نعم، هناك بعض العنصرية، لكنك لا تستطيع الحكم بعنصرية كل المجتمع من عدمها وأنت خارجه... وإذا ما أردت التحقق من ذلك فعليك الاستعداد لبذل مجهود حقيقي: سافر وخض تجربتك الذاتية!".
دينا البسنلي