العيش المشترك بعد الهجمات الإرهابية في باريس
١١ يناير ٢٠١٥يأتي سيرجي كل يوم سبت إلى سوق باربيز، لأن الأسعار هنا أرخص، ولأن الازدحام واختلاط أناس من جنسيات كثيرة يعجبه. كشيخ باريسي يرتدي وشاحا وجاكيتا أزرقا، لا يبدو سيرجي كأحد سكان هذه المنطقة، ولكن هنا يختلط الجميع ببعضهم: مهاجرون وسكان قدماء، وشباب ذوو بشرة سوداء بملابس مغني الراب، ونساء مسنات يرتدين حجابا داكن اللون ومعاطف، وأمهات شابات يدفعن عربات أطفالهم، وأيضا باعة ينادون كي يشتري الناس بضائعهم. "لا أعتقد أن الأجواء ستتغير في الحي هنا"، يقول سيرجي. "في الواقع ليس هناك مشاكل بين الناس هنا". لقد سمع الجميع كيف أدان إمام المسجد في باريس أعمال العنف. وهذه هي الأرضية من أجل العيش المشترك.
ماتيلداتدفع عربة الأطفال مع ابنها الصغير شاقين طريقهما وسط الزحام. هي تعيش أيضا في باربيز، ولكنها ليست متفائلة بشأن التطورات القادمة. "يشعر المرء بالتوترات بين الطوائف الدينية. إنه أمر خطير. ربما يتعلمون الآن مما حدث، بأن على الجميع احترام بعضهم"، تقول ماتيلدا.
أما فاطمة مزيد، التي تركت الحياة الطويلة على وجهها تجاعيدا واضحة، فتشتكي مما فعله الإرهابيون: "ليس من حق أحد أن يقوم بمثل ذلك ... إنهم ليس مسلمين (الإرهابيون) .. إنهم أوغاد". وبالمقابل، تشعر ببعض التعاطف مع الفاعلين، الذين نقلت جثثهم مع جثث الضحايا الـ17 إلى الطب الشرعي. "إنهم شباب غير سعداء في حياتهم، ورغم ذلك القتل مرفوض".
المسلمون مطالبون بإعلان موقفهم
فرانسواز تقطن على بعد ثلاث محطات بالميترو، ومن أجل الأسعار الرخيصة تأتي إلى باربيز. وهي لا تعتقد أن المناخ الاجتماعي في أحياء باريس المختلطة سيسوء بعد الاعتداءات. والأمر ذاته ينطبق على عموم فرنسا. ولكنها تطالب المسلمين بإعلان موقف واضح. وهو ما فعلوه تقريبا. كل الممثلون الرسميون للمسلمين بادروا بالنأي بأنفسهم عن الأعمال الدموية. ولكن هل سيكون هذا كافيا؟ فرانسواز تشير إلى أن حالة من عدم الاستقرار تسود الآن، والبعض يخشى من هجمات أخرى.
"لن نبدأ بالشك بجيراننا، ولكننا سنصبح أكثر يقظة"، يقول أحد مالكي محلات بيع الألبسة الشرقية، ثم يضيف: "لم أرى حالة من الرعب على الناس هنا. وليس هناك سبب لذلك.. سنخرج من هذه الأزمة أقوى من ذي قبل. الوضع في فرنسا مختلف عن بقية البلدان. بالنسبة لنا فإن حرية الرأي ذات مكانة مميزة، ونحن مستعدون للدفاع عنها".
وعلى ناصية الطريق هناك مجموعة من الشباب يرون الأشياء بشكل مختلف: "لسنا متفقين مع الجريمة، ولكننا لسنا شارلي"، يقول الشبان في إشارة إلى لافتات التضامن التي تقول: "أنا شارلي".
الحياة ستستمر
وعلى بعد 20 دقيقة بالسيارة من باربيز، ننتقل إلى عالم آخر. في باسي، المنطقة الباريسية الغنية الموجودة في الحي السادس عشر، نرى عبارة "Je suisCharlie" (أنا شارلي) على نوافذ البوتيكات ومحلات تصفيف الشعر الفخمة.
كشك بيع الصحف في ساحة كوستاريكا باع من الصحف ضعف الكمية المعتادة. مالك الكشك، الكهل الباريسي المرتدي لوشاح وقبعة الكارو التقليدية، يرى أن ما حدث "فظيع". ولولا أن ساقه مريضة، لانضم للمظاهرة الكبيرة مساء الأحد في باريس. "الناس خائفون ويشعرون بالغضب أيضا"، ولكن عقب بعض الوقت ستمر هذه السحابة: "الحياة ستستمر"، يقول الرجل.
جان فيليب وزوجته يجلسان في المقهى المجاور، ويعتقدان أن كل ما جرى سيصب في مصلحة فرانسوا أولاند. لأنه تصرف بشكل صحيح حتى الآن، في موقعه كرئيس للجمهورية، من أجل تهدئة المواطنين والدعوة للتماسك الاجتماعي. جان فيليب يقول ذلك، رغم أنه ضد أولاند وضد الاشتراكيين عموما. ويدعو جان لتعزيز عمل أجهزة الأمن الاستخبارات.
جان فيليب مطلع على أوضاع السجون في فرنسا، ويصفها بالفضيحة. ويرى أنه يجب مساعدة مثل هؤلاء الشباب الفاقدين للعمل ولفرص التقدم في الحياة، كي لا يتجهوا نحو التطرف أو الجريمة.
الطائفة اليهودية قلقة
وأمام باب المقهى تمر باربارا بيسرمان، برفقة العائلة والأصدقاء. "نحن هنا متميزون"، تشير إلى مجموعتها الصغيرة. ولكن هناك توترات في البلد، ومشاكل كبرى في ضواحي المدن، تقود إلى التطرف. باربارا، الحقوقية اليهودية الشابة، تقول إنها تنتمي من كل قلبها للجمهورية الفرنسية وللديمقراطية. ولكنها ليست الوحيدة بين من مجموعتها الدينية التي تشعر ببعض الرهبة هنا. "ولكن إلى أين سنذهب؟ لا أريد أن أذهب إلى إسرائيل. أما ألمانيا، فجدي البولندي لا يريد العيش هناك".
بعد أيام قليلة من الأحداث الدموية والدرامية التي لم تعش باريس مثلها منذ عقود، يفكر كثيرون هنا حول موقعهم في المجتمع الفرنسي، وحول مدى الأمان الذي يشعرون به عقب ما جرى، وأيضا حول موقفهم من هذه الدولة وقيمها. ولكن الكثيرين لم يخنعوا تحت وطأة الترهيب، ويعبرون عن مواقفهم بحرية، ويدعون إلى استمرار التعايش الاجتماعي.