باحث مصري: الإسلام السياسي في المغرب وتونس أكثر تقدما عن مصر
٨ ديسمبر ٢٠١١تدفع التغيرات السياسية في الدول العربية إلى صعود تيارات الإسلام السياسي وذلك في سلسلة من الانتخابات البرلمانية أدت إلى فوز حزب العدالة والتنمية في المغرب، النهضة في تونس، ومؤشرات قوية حول تقدم حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي في مصر.
د.أشرف الشريف المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمتخصص في جماعات الإسلام السياسي يحلل في الحوار التالي أوجه التشابه والاختلاف بين الحركات السياسية، مؤكداً أن الحركات الثلاثة ليست وجوه مختلفة لعملة واحدة. كما يحاول أشرف تحليل السيناريوهات المتوقعة لفوز حزب الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي في مصر.
دويتشه فيله: ما هى نقاط الاختلاف بين حزب العدالة والتنمية في المغرب، والنهضة في تونس والإخوان في مصر؟
أشرف الشريف: هناك خلافات كثيرة بين الثلاثة. أولها عمق التجربة السياسية على مستوى الممارسة والتنظير السياسي لدى العدالة والتنمية والنهضة في مقابل الإخوان المسلمين في مصر. فحزب العدالة والتنمية في المغرب يشارك في الانتخابات البرلمانية والمحليات منذ عام 1998 بل ويدير بعض المحليات في المغرب، بل حتي أن هناك معلومة لا يعرفها البعض أن حزب العدالة والتنمية في تركيا أخذ اسمه من حزب العدالة والتنمية في المغرب، وليس العكس لأن الحزب المغربي تم تأسيسه قبل الحزب التركى. أيضاً في المغرب القوى السياسية سواء اليسارية أو الليبرالية ليست في ضعف القوى السياسية المدنية في مصر، بل لها تواجد قوى على المستويين السياسي وعلى أرض الواقع في الشارع. حتى في الانتخابات الأخيرة أكثر من 70% من المصوتين صوتوا لصالح أحزاب مدنية فبالتالي تعلم حزب العدالة والتنمية في المغرب فن التفاوض والعمل السياسي المشترك.
أيضاً العدالة والتنمية ومنذ تأسيسه فصل بين العمل الدعوى والحزبي بشكل واضح، على مستوى الأشخاص والمؤسسات ومناهج العمل. بالتالي تغير خطابه من شئون الهوية إلى التدبير، فخطاب الحزب خطاب سياسي بحت وليس خطابا يفرض رؤية محددة للهوية.
أما حزب النهضة في تونس فللأسف لم يكن لديه تلك الخبرة وإن كان قد شارك في انتخابات عام 89 لكن بعد ذلك تعرضت الحركة للبطش وتم حظرها. لكن عندها مشروع فكرى وتأصيل نظرى لفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان. فالنهضة هى أكثر حركات الإسلام السياسي التي قدمت اجتهادات فكرية لتحديث المشروع الإسلامي منذ عام 1981. وهذا الأمر له علاقة بطبيعة التجربة التونسية كلها. فتونس لديها حركات مدينة وسياسية قوية، المجال العام في تونس ليس إسلاميا بشكل كبير كما هو الحال في مصر، تونس تحققت فيها خطوات كبيرة على مستوى الحقوق المدنية وحقوق المرأة. بالتالي فمن الصعب القفز على هذه الحقوق والمكتسبات، ولهذا كان على حركة النهضة أن تقدم رؤية سياسية ومشروع نهضوى أكثر حداثة ويتواءم مع الحالة التونسية.
بالنسبة للإخوان المسلمين في مصر فلدينا أكثر من مشكلة واختلاف عن الحركات الآخري، أولاً هناك مشكلة نظرية فهم يعلنون احتكامهم للديمقراطية وحقوق الإنسان لكنهم لا يقدمون تأصيلا إسلاميا نظريا واضح فقهي وشرعي للديمقراطية وحقوق الإنسان، عكس النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب.
النقطة الثانية هى العلاقة بين الحزبى والدعوى، فحزب الإخوان المسلمين تم تأسيسه منذ بضعة أشهر. بالطبع لدى الإخوان خبرة العمل السياسي وخاضوا الانتخابات قبل ذلك لكن كمستقلين وليس ككيان حزبي وذلك بالطبع لأنهم كانوا محظورين أمنياً. لكن حتي بعض تأسيس الحزب ما زال الحزب مجرد ذراع سياسي للجماعة بل تم اختيار هيئته التأسيسية ولجنته العليا من مكتب الإرشاد وليس بالانتخاب الأمر الذي يؤدى للخلط بين العمل السياسي والعمل الدعوى.
بالتالى فخطاب حزب الحرية العدالة (الإخوان المسلمين في مصر) يعتمد على ترسيخ الهوية أو تقديم خدمات للمواطنين، لكن لا يوجد مثلا برامج سياسية أو اقتصادية يمكنها أن ترسم ملامح المستقبل. على سبيل المثال حينما تقرأ برنامج حزب الحرية والعدالة حول تفصيلة اقتصادية بسيطة مثل هل هم مع ضريبة ثابتة أم تصاعدية لن تجدها واضحة وموقف الحزب منها غير واضح.
في مصر والمغرب يأتى فوز التيارين في وجود سلطة حاكمة تحتكر المهام السيادية للدولة الملك في الحالة المغربية والمجلس العسكري في الحالة المصرية، هل التيارات الإسلامية قادرة بفوزها في تلك الانتخابات على تقويض تلك السلطتين نحو ديمقراطية حقيقية أم سيفضلان العمل تحت ظل الأب الكبير؟
في الحالة المغربية أظن أن الأمور واضحة ومحددة فيها بشكل كبير، المؤسسة الملكية تظل هى المؤسسة المركزية في المغرب سياسياً ودينياً، الدستور الجديد أعطى صلاحيات جديدة للحكومة لكن يظل معه الكثير من المهام السيادية، ومعه الشرعية. والعدالة والتنمية يعترف بشرعية المؤسسة الملكية بصفتها ضرورة للحفاظ على وحدة تراب مغرب بالتالي فهو يختلف مثلا عن جماعة العدل والإحسان التي ترفض المشاركة في الحياة السياسية أو التعاون مع المؤسسة الملكية. وأعتقد أن المغرب ستكون البلد العربي الوحيد الذي سينجح في تحقيق إصلاح سياسي فوق في كل بلدان الربيع العربي.
بالنسبة لمصر فالوضع مختلف فشرعية المجلس العسكري شرعية مشكوك فيها أو متنازعه من أطراف كثيرة، وطبعا ليس لديه شرعية دينية كما الملك في المغرب. بالتالي فالأمور فيها تجاذبات أكثر. موقف الإسلاميين من المجلس العسكري في مصر حتي الآن غير واضح. وهناك تيارات نافذة داخل الإخوان تري أنه من الأفضل ألا يكون هناك نزاع مع المجلس العسكري والأفضل البحث عن سبل للشراكة لعدة اعتبارات:أولاً موازين القوى لأن المجلس العسكري عملياً هو المسيطر على جهاز الدولة. ثانيا، المجلس العسكري معه شرعية الخارج والاعتراف الغربي والدولي به. ثالثاً، على المستوى المصالح الإخوان المسلمين حركة محافظة جدا، ومن قلب المجتمع المصري موجودة في كل مكان، بالتالي هى جزء من شبكة المصالح الاقتصادية والاجتماعية المهيمنة على المجتمع المصري التي يسيطر عليها ويقودها المجلس العسكري، بالتالي ليس لديهم مصلحة في هدم هذا الدولاب والنظام.
ليس لدى الإخوان المسلمين مشروعا ثوريا يهدف إلى هدم هذه المنظومة التي تدير مصر، وليس لديهم أيضاً مشروع فاشي متماسك يهدف إلى بناء مؤسسات دولة جديدة.
لكن تيار الإسلام السياسي في مصر يقوده الآن حزبان الأول هو الإخوان والثانى هو السلفيين وشهدنا الفترة السابقة فشل كل مشاريع التحالف بين الطرفين، لكن ماذا عن فرص تعاونهم بعد دخول البرلمان؟
السلفيون حركة دينية عقائدية بالأساس، عندهم مشروع ديني عقائدي يحاول التأثير على ثقافة الناس وتغيير أخلاقهم وممارستهم العقائدية بشكل دعوى بالأساس . وحالياً في ظرف الانفتاح السياسي تصوروا أن أحد وسائل التأثير التى يمكن أن يستخدموها هى البرلمان كوسيلة لتعزيز نشاطهم الدعوى ونشر القيم السلفية التى يعتقدون فيها. لكن ليس لديهم قدرة على الحكم لأسباب كثير منها افتقاد الخبرة والمعرفة النظرية وحتى الكوادر السياسية إلى جانب أن الفكر السلفي بطبيعته فكر صدامى يسعى لترسيخ عزلته وتفرده بداية من أبسط الأشياء مثل التمسك بالمظاهر، بينما الإخوان على الطرف الآخر لديهم نزعة إلى التمادى مع المجتمع والاندماج فيه.
الإخوان أكثر قدرة على التفاوض مع المجلس العسكري والأحزاب الأخري وبالتالي لن يرضخوا لمزايدات السلفيين، توقعى أن التوافق بين الاثنين سيكون صعباً بل ستسعي التيارات الإسلامية المعتدلة إلى تهميش الأصوات المتطرفة مثلما يحدث في باكستان على سبيل المثال.
لكن هل يمتلك الإخوان القدرة على التخلى عن السلفيين، أليس من الممكن أن يؤدي تهميش الإخوان لبعض الأصوات المتطرفة ذات الشعبية إلى تراجع شعبيتهم وتأثيرهم؟
من الممكن أن يحدث ذلك بالطبع، ويكون له تأثير على شعبية الإخوان، لكنى أعتقد رهانهم الأساسي على قدرتهم على تحسين المستوى المعيشي للمصريين وتعزيز نفوذهم داخل جهاز الدولة وبالتالى تعويض أى نقص قد يحدث لقواعدهم الشعبية.
تتبنى التيارات الإسلامية بكل تنوعاتها خطابا يسعي لترسيخ صورة محددة عن الهوية المصرية والهوية الإسلامية، ونمط محدد من السلوك المجتمعي، هل تعتقد أن وصول التيارات إلى السلطة قد يؤدي إلى تنامي فكر فاشي جديد يفرض على المواطنين شكلاجديدا لحياتهم وعادتهم الاجتماعية؟
أعتقد أن الفاشية إمكانية غير مطروحة في مصر حتى لو أن البعض فكر فيها. وذلك لعدة أسباب، فلكى تصل إلى الفاشية تحتاج أولاً إلي قوى سياسية عندها ميليشات شعبية ومنظمة وقوية. في إيران مثلا نجح التيار الإسلامي أثناء الثورة وبعدها في حشد الطبقات الشعبية وتكوين ميليشات شعبية مسلحة استخدمها في تصفية خصومه. وهذا ليس موجود عندنا.
المجتمع المصري أيضاً علاقته بالدولة تغيرت منذ فترة طويلة نتيجة تراجع قدرات جهاز الدولة، بالتالى فالمواطن لم يعد يتحمل تدخل الدولة في حياته الخاصة بأى شكل. لا أستطيع مثلا تخيل جماعة من السلفيين يذهبون إلى إحدى القري ويحاولون غلق القهاوى. لن يقبل الناس ذلك وليس لدى التيارات الإسلامية القدرة التمويلية على عمل ذلك.
الفاشية مشروع سياسي بالأساس يهدف إلى السيطرة على موارد الدولة من أجل تطبيق رؤية محددة للهوية وأيضاً تطبيق مشروع سياسي واقتصادي واضح المعالم، السلفيين والتيارات الإسلامية ليس لديهم هذا المشروع السياسي الاقتصادي بحكم فقر فكرهم الاقتصادى والاجتماعى بالتالي المشروع الفاشي غير وارد لأن الناس لن تقبل بفاشية والوضع الاقتصادي سيء.
اجرى الحوار: احمد ناجي
مراجعة: هبة الله إسماعيل