انتخابات مجلس الشعب ـ "غضب مصري من التدخل الأمريكي"
٢٠ نوفمبر ٢٠١٠تخوض الحكومة المصرية في هذه الأيام "معارك" على أكثر من جبهة ومع أكثر من طرف محلي وأجنبي. فمع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، المقرر إجراؤها في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، كثفت القاهرة ضغوطها الأمنية على حركة الإخوان المسلمين بهدف "إقصائهم من المشهد البرلماني ولمنع تكرار تجربة انتخابات عام ألفين وخمسة"، حسب ما جاء في الموقع الرسمي للحركة؛ وذلك في إشارة إلى فوزها بحوالي عشرين في المائة من مقاعد البرلمان في تلك الانتخابات. كما اتهمت الجماعة السلطات باعتقال العشرات من أعضائها ومنع مرشحيها من القيام بنشاطات انتخابية ما أدى إلى وقوع صدامات، في عدة مدن مصرية، بين عناصر الأمن وأنصار مرشحي الإخوان.
أما المعركة الأخرى التي تخوضها القاهرة في هذه الفترة، ولو كلاميا، فهي مع حليفتها الكبيرة، أي الولايات المتحدة الأمريكية. فقد صعد بعض المسؤولين المصريين لهجتهم تجاه واشنطن متهمين إياها بـ"التدخل السافر في الشؤون الداخلية المصرية" وبإطلاق تصريحات "تستفز الشعور الوطني المصري"؛ وذلك في إشارة إلى تصريحات للناطق باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي قال فيها إن "الولايات المتحدة حريصة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في مصر" وكذلك دعوته القاهرة السماح لمراقبين دوليين بمراقبة الانتخابات النيابية المصرية.
"اليمين الأمريكي المحافظ يجول في أروقة البيت الأبيض"
وبلغ الغضب المصري، من إدارة الرئيس باراك أوباما، ذروته حين اجتمع عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي بأعضاء "مجموعة العمل الخاصة بمصر"، وهي هيئة منبثقة من المجتمع المدني الأمريكي تضم نوابا ديمقراطيين وجمهوريين تطالب واشنطن بممارسة ضغوط على القاهرة لإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد. فإنصات واشنطن لهذه المجموعة والمطالبة برقابة دولية على الانتخابات المصرية "تعني وكأننا أمام مشهد نرى فيه اليمين المحافظ يجول في أروقة البيت الأبيض والخارجية الأمريكية في ظل إدارة أوباما"، حسب كلام مجدي الدقاق، عضو أمانة التثقيف في الحزب الوطني الحاكم في مصر.
ويضيف الدقاق، في حوار مع دويتشه فيله، بأن واشنطن تعرف من خلال علاقتها بمصر مدى حساسية السيادة الوطنية وبأن "التدخل الأجنبي في الشأن المصري قضية مرفوضة وتحظى بإجماع وطني". إلا أن حسن منيمنة، كبير الباحثين في معهد هادسون الأمريكي، يستغرب من رد الفعل المصري على موقف واشنطن، لأن القضية لم تخرج من "الثوابت الأمريكية المتفق عليها بين الديمقراطيين والجمهوريين، والقائمة على دعم الديمقراطية في كل مكان". ويضيف منيمنة، في حوار مع دويتشه فيله، بأن ما صدر عن إدارة أوباما "لم يكن أمرا أو قرارا بل مجرد دعوة إلى الانفتاح على المعارضة وفتح الباب أمام المراقبة الدولية للانتخابات المصرية"، وبالتالي "لا يستحق كل هذه الردود الغاضبة" من مصر.
مراقبة دولية أم محلية؟
وبدوره يرى الناشط المصري ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، بأن الحكومة المصرية لا تدرك طبيعة التطور الذي حصل على المستوى العالمي فيما يتعلق بمراقبة الانتخابات؛ أي أن "منظمات المجتمع المدني تنتقل لمراقبة الانتخابات في كل مكان حتى في الديمقراطيات العريقة". ويميز أمين، في حوار مع دويتشه فيله، بين مراقبة الانتخابات وبين الإشراف عليها. فإذا كان الإشراف على الانتخابات شأنا "وطنيا يتعلق بالسيادة، فإن مراقبة الانتخابات ليست كذلك؛ بدليل أن بعض منظمات المجتمع المدني المصرية شاركت في مراقبة الانتخابات الأمريكية مؤخرا، فما المشكلة لو شاركت بعض المنظمات الدولية في مراقبة الانتخابات المصرية؟".
ويتساءل أمين أيضا عن أسباب تشدد الحكومة المصرية في هذه القضية طالما أن "الرئيس حسني مبارك وعد بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة". فإذا كانت القاهرة ستفي بوعودها وتقدم ضمانات حول نزاهة هذه الانتخابات فإن "المراقبة الدولية ستتحول إلى وسام شرف للحكومة المصرية لأن العالم كله سيشهد على أن هذه الانتخابات كانت حرة وبأنها جرت ضمن المعايير الدولية".
إشراف القضاة على الانتخابات وليس اللجنة العليا
وتطالب المعارضة المصرية ومنظمات المجتمع المدني بإلغاء التعديل الدستوري عام 2007، الذي تم بموجبه تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وبإعادة الإشراف المباشر للقضاة عليها، كما كانت الحال مع انتخابات عام ألفين وخمسة، حين حقق الإخوان المسلمون انتصارا وصف بـ"التاريخي". إلا أن مجدي الدقاق، القيادي البارز في الحزب الوطني الحاكم، يرى بأن اللجنة العليا للانتخابات تتكون من عدد من كبار القضاة الحاليين والسابقين (أحد عشر عضوا)، أي أن "الإشراف القضائي لا يزال مستمرا من خلال هذه اللجنة التي تملك صلاحيات واسعة وهي مستقلة تماما عن الحكومة المصرية والحزب الوطني".
إلا أن مدير المركز العربي لاستقلال القضاء ناصر أمين يرفض هذه المبررات، لأن المقصود بإشراف القضاة، حسب مفهوم المحكمة الدستورية، الذي صدر عام ألفين ينص صراحة على أن الإشراف القضائي يعني "أن يكون هناك قاضٍ في كل مركز اقتراع؛ وليس لجنة انتخابية يجلس أعضاؤها في مكاتبهم ولا يعرفون ما يحدث على الأرض من انتهاكات وتجاوزات". من هنا "نرى أن إصرار الحكومة على إبعاد القضاة عن العملية الانتخابية يعني أن هذه الانتخابات ستكون الأسوأ وستشهد المزيد من الانتهاكات والخروقات".
أحمد حسو
مراجعة: طارق أنكاي