انتحاريو لندن: سيرات ذاتية لا تمت للإرهاب بصلة
في الوقت الذي تؤكد مصادر مصرية رسمية أن مجدي النشار، طالب الكيمياء المصري الجنسية في جامعة ليدز (شمال انكلترا) والذي يشتبه بأنه صانع القنابل المستخدمة في تفجيرات لندن اعتقل في القاهرة "قبل أيام" وهو قيد الاستجواب الآن، يحتدم الجدل في الأوساط السياسية والأكاديمية حول الدوافع الحقيقية لمنفذي هذه العمليات الإرهابية. كما يأتي هذا الجدل، الذي يتسم بالعدائية المصحوبة بالارتباك والحيرة، بعد انتشار الفرضية القائلة بأن منفذي تفجيرات لندن الخميس الماضي كانوا شبانا عاديين يستمتعون بقضاء وقتهم كبقية الشبان البريطانيين.
وداعة لا تشي بالتطرف
وحتى في حالة ثبات صحة هذه الفرضية القائلة بأن المفجرين الانتحاريين الذين فجروا ثلاثة من قطارات مترو الانفاق وحافلة هم بريطانيون جاءوا من خلفية مهاجرة تقليدية، فإن الأسئلة لا تزال مطروحة حول خلفياتها الاجتماعية والسيكولوجية. وما يزيد عملية التحليل صعوبة هو أن غالبية هؤلاء الإرهابيين ينتمون إلى الطبقة الوسطي، علاوة على تمتعهم بتعليم عال واندماج اجتماعي ملحوظ. فأصدقاء المشتبه الأول تنوير يقولون "أنه كان طالبا جيدا وكان يلعب الكريكت في الفريق المحلي كما كان يعمل أحيانا في مطعم والده لبيع السمك والبطاطس المقلية، بينما يوصف شهزاد بأنه شاب رياضي يحب الفنون القتالية وكان يقود سيارة والده المرسيدس وكان له العديد من الأصدقاء في منطقة بيستون في مدينة ليدز. صديق عزيز محمد المقرب وصفه بأنه "شاب ممتاز". وقال "إن فكرة أن يكون قد شارك في الإرهاب أو التطرف سخيفة. وفكرة انه ذهب إلى لندن وفجر قنبلة لا يمكن تصديقها". وكتبت صحيفة "الغارديان" إن تنوير درس على الأرجح في مدرسة لونسوود في بيستون قبل أن يدرس علوم الرياضة في جامعة ليدز. ولم تكن له وظيفة منتظمة وسافر مؤخرا إلى باكستان. أما والده محمد ممتاز فهو أصلا من منطقة فايز أباد الباكستانية
والجدير بذكره في هذا السياق أنه يعيش في بريطانيا نحو 1.6 مليون مسلم ترجع جذور معظمهم إلى شبه القارة الهندية. وتعتبر بريك لين ذات الأغلبية البنجلادشية مثالا طبيعيا للجاليات الإسلامية المتلاصقة التي تنتشر في أنحاء المملكة المتحدة.
غضب بسبب معاناة المسلمين
وبينما يشير الخبراء المختصين بتحليل سيكولوجية العمليات الإرهابية إلى تشابه الهجمات في دول غرب أوروبا، إلا أنهم يحذرون من أن "العمليات الانتقامية المحتملة ضد المسلمين في بريطانيا ستزيد من احتمال تحول شبان متطرفين منعزلين إلى العنف الدموي للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم. وفي هذا الصدد يقول أحمد فيرسي محرر صحيفة "مسلم نيوز"الدافع وراء منفذي التفجيرات"هو الكراهية لما يرونه في العالم (...) مثل الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين ومقتل آلاف المسلمين في الشيشان وما يحدث في العراق". وأضاف انه بينما يستخدم معظم المسلمين السبل الديموقراطية مثل المشاركة في الانتخابات للإعراب عن آرائهم، فان قلة منهم تلجأ إلى سفك الدماء".
ومن جهته ألقى ماغنوس رانستورب مدير مركز دراسات الإرهاب والعنف السياسي في جامعة سانت اندروز باسكتلندا، باللوم على المتطرفين المعروفين بـ"المجاهدين العرب" ممن عايشوا الحرب في البوسنة والشيشان وكشمير وأفغانستان، واتهمهم بتجنيد أشخاص يمكن التأثير عليهم بسهولة خاصة من الشبان والعاطلين عن العمل في العالم الغربي. كما أنه أكد أن "هذه مشكلة كبيرة منتشرة في أوروبا" مشيرا إلى إن تزايد مشاعر العداء للأجانب والعنصرية والانتقام سيجعل الأمور أكثر سوءا.
القاعدة مصدر إلهام دموي للتنفيس عن الغضب
تتميز كل الأطروحات والإجتهادات التي تهدف إلى استيعاب ما لا يستوعب في الوضع الطبيعي بأنها أحادية الجانب وبسطحية أدلتها. المسلمون من جانبهم يصفوا هذه الأعمال بأنها غير إسلامية وبأنها "إهانة للدين"، فهذا الهجوم "ليس إسلاميا والقرآن الكريم ينص بوضوح على أن من قتل نفس واحدة فكأنما قتل الناس جميعا." أما تيار المحللين الأوروبيين المحافظ فإنه يلقي اللوم بدوره على "طبيعة هذا الدين العدائية". ولكن الإشكالية في الواقع أكثر تعقيداً: هناك البعد الاجتماعي الذي غالباً ما يلعب دوراً هاماً في المحيط الفقير غير المتعلم، وهناك البعد الديني المتميز بإنتقائيته وتحويله للدين إلى وسيلة كفاح ضد "العدو" باستخدام كل السبل والوسائل المتاحة له، وهناك البعد النفسي المرتبط بالسخط الناتج عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، علاوة على الغضب الناتج عن مذبحة سربرنيتشا التي قتل فيها الاف الرجال والفتيان المسلمين بالبوسنة والتي حلت ذكراها العاشرة في هذا الأسبوع. كما يزيد التمييز العنصري الطين بلة ويذكي روح الكراهية بين التجمعات الإسلامية في شتى أنحاء العالم. وفي ظل هذه المعطيات يسهل عمل "الفكر القاعدي" كمصدر إلهام للتنفيس عن الغضب العدائي. إن اقتلاع جذور "أيديولوجية الشر"، على حد تعبير توني بلير، لن يكلل بالنجاح طالما بقيت إستراتيجيات مواجهته على أرض الواقع ضحية التمحور الغربي حول الذات وبعيدة كل البعد عن العقلانية والموضوعية النقدية في التعامل مع أخطاء السياسة الغربية تجاه العالم الإسلامي.
لؤي المدهون