الهيب هوب في موريتانيا: صرخة رفض وأمل
٢٠ يوليو ٢٠١٣ظلت الأسر الفنية التقليدية المعروفة بـ "إيكاون" ترتبط بتاريخ القبيلة وتحافظ على مجدها وأصبحت هي الذاكرة الفنية والاجتماعية للمجتمع الموريتاني العربي البربري. ومازالت نفس العائلات تحتكر توارث مهنة الفن حتى اليوم. وزاد المردود المالي من تشبثها بهذه المهنة، طمعا بالإكراميات التي يجود بها الآخرون في حفلات الزفاف والمناسبات السياسية والاجتماعية.
شباب كسروا القاعدة الفنية في المجتمع
فرقة أولاد "لبلاد" لموسيقى الهيب هوب تعد نموذجا على قوة الإرادة والتحدي، ليس فقط لكونها نجحت في خلق جمهور واسع من الشباب وفئات اجتماعية أخرى، وإنما لقدرة أصحابها على الاستمرار في الساحة الموريتانية المحافظة باستخدام لون موسيقي دخيل على الموسيقى التقليدية المنتشرة في مختلف الأوساط.
ولهذا يستعرض حمادة، أحد عناصر فرقة أولاد لـDW عربية تاريخ نشأة الفرقة والصعوبات التي واجهتها: "لقدر قررتُ رفقة زملائي محمد واسحق ولمرابط تأسيس هذه الفرقة سنة 2011 في نواكشوط لتكون صوت من لا صوت له، وأطلقنا عليها اسم "أولاد البلاد" بزيها المحلى التقليدي الذي يحمل نفس الشعار".
ويضيف: "كانت تربطنا علاقات صداقة قديمة عززها ميلنا لموسيقى الهيب هوب التي بدأت تكتسح العالم آنذاك، وكان اختيارنا لاسم اولاد لبلاد تعبيرا عن التزامنا بالقضايا الوطنية لبلدنا، كمسألة تعزيز الوحدة الوطنية ومحاربة كل الأمراض التي تهدد هذا المجتمع مستخدمين كل اللهجات المحلية التي تعكس التعدد العرقي للمجتمع الموريتاني".
ولا يغفل رفيقه إسحق الطبيعة المحافظة للمجتمع الموريتاني الذي يرفض بشكل مطلق كل ما هو دخيل خاصة في مجال الفن ويسعى دوما للاحتفاظ بالصورة النمطية للفنان التقليدي الذي يغنى وفق أهواء من يدفعون له.
صعوبات البداية
ويسترجع اسحق صعوبة البداية الأولى والتحديات التي واجهتهم حين يقول "أدركنا منذ البداية أننا في مجتمع متخلف ولا يسمح لغير أبناء الأسر الفنية بممارسة الفن، ولهذا واجهنا الكثير من الانتقادات من قبل ذوينا وقبائلنا وحتى المجتمع".
ويعتقد اسحق أن استفزازهم للنظام السياسي أحيانا كان وراء بعض الصعوبات، ويضيف "واجهنا ضغوطا كبيرة من طرف وزارة الثقافة الموريتانية حيث حرمتنا من الدعم المادي الذي تستفيد منه بعض الفرق الفنية بسبب انتقادنا لبعض سياساتها مع الفنانين، وقد بلغ ذلك الضغط أوجه عندما وقفنا ضد انقلاب الجيش عام 2008".
الهيب هوب والسياسة
واستبعد اسحق أن يكون لفرقة أولاد لبلاد أي اهتمام بالسياسة لكنه أكد على أن دور الفنان هو انتقاد كل ما يراه منافيا لمصلحة بلده وشعبه. "رؤيتنا تتمثل في أن الانقلابات هي التي منعت بلدنا من أي تقدم وقد دفعنا ثمن ذلك الموقف غاليا عندما تعرضنا لحصار مرير تمثل في حرماننا من تذاكر السفر لإحياء حفلات خارج البلاد".
وتغير الحال حين أدرك المجتمع أن الفرقة الموسيقية الشبابية تساهم في تنوير الشباب بتحذيرهم من خطر المخدرات والاغتصاب وانتشار الأمراض الفتاكة والأوساخ والفساد والتهميش والعنصرية والقبلية وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية".
ونجحت الفرقة في اعتماد لون موسيقى الهيب هوب الغربية بإيقاعاتها السريعة ومزجها بكلمات باللهجات المحلية الحسانية او البولارية والولفية والسوننكية.
ويبرر لمرابط، أحد عناصر الفرقة ذلك بقوله "الهيب هوب فن مستورد ولكننا جعلناه في إطار موريتاني بإدخال اللهجات المحلية، وقد استطعنا إصدار أول البوم بالتنسيق مع الفنانة الكبيرة المعلومة منت الميداح سنة 2007 وأصدرنا ألبومنا الثاني سنة 2012 مع الفنانة الراحلة ديمي منت آبه تحت عنوان كل شيء عادي، كما شاركنا في عدة حفلات مع فنانين كبار مثل فارس كرم وراغب علامة وتينيزيانو وشاب مامي".
تفاؤل حذر لمستقبل الهيب هوب
ولا يخفى لمرابط تفاؤله الحذر بشأن مستقبل فرقة أولاد لبلاد في موريتانيا: "نحن متفائلين بشأن تحقيق هدفنا السامي رغم أنه لا يمكن للفنان الموريتاني في الوقت الحالي الاعتماد على فنه كمصدر للعيش بسبب نقص التقدير والدعم وعدم حماية حقوق الملكية الفكرية".
محمد سالم ولد الشيخ باحث اجتماعي وخبير في الموسيقى الموريتانية يقيم لـDW عربية واقع الهيب هوب في موريتانيا ويتحدث عن مستقبلها على ضوء التحول الجديد الذي يشهده المجتمع فقال"مع الحداثة التي بدأت تغزو المجتمع في العشريتين الأخيرتين بدأ بعض الأشخاص من خارج الأسر الفنية يحاول إدخال بعض السمات الحديثة في الموسيقى الموريتانية فجاءت محاولات بسيطة في بداياتها". ويضرب مثلا بفرقة أولاد البلد التي شجع نجاحها ظهور فرق أخرى وبات لها حضور في كل النشاطات الاجتماعية والحملات الانتخابية.
وأعرب ولد الشيخ عن تفاؤله بمستقبل موسيقى الهيب هوب في موريتانيا لأنه يرى بأن لها جذورا في الموسيقى التقليدية مثل "أتهيدين" التي تشبهها في النغمة والإيقاع وفي الكلمات وقد بدا يستهوي الشباب.
وعبر بعض الشباب عن انطباعهم حول موسيقى الهوب خلال مهرجان "السلام عليكم" للهيب هوب الذي احتضنته العاصمة الموريتانية في نهاية حزيران يونيو الماضي بمشاركة فرق أجنبية ومحلية.
فقال صمبا صو أحد الشباب الحاضرين للمهرجان "لقد كنت حريصا على حضور كل مهرجانات وحفلات الهيب هوب التي تنظم في نواكشوط نظرا لتعلقي الشديد بهذا اللون الموسيقي، كما أنها فرصة تتيح لي متابعة نجومي المفضلين"
فيما قال موسى جارا "أعتقد أن الهيب هوب تختلف عن أنماط الموسيقى الأخرى لكونها تتيح لأي صاحب موهبة أن يلج هذا المجال دون عناء كبير لأنها لا تتطلب من صاحبها أن يمتلك صوتا جميلا بقدر ما تتطلب منه الكثير من التركيز والحس المرهف ودرجة كبيرة من الوعي، إنها موسيقى الشباب والتحرر والانطلاق".