القبلية في موريتانيا تكريس للطبقية أم إطار للتكافل الاجتماعي
١١ يونيو ٢٠١٣في منتصف شهر مارس الماضي تناولت بعض المواقع الالكترونية الموريتانية خبر اجتماع "لم الشمل" لقبيلة أولاد أدليم قرب العاصمة الاقتصادية نواذيبو شمال نواكشوط ، لتتوالى بعد ذلك مبادرات قبلية أخرى كان آخرها تنظيم قبيلة لقلال بولاية لعصابة 650 كم جنوب شرق نواكشوط اجتماعا طالبت فيه بالحصول على وظائف حكومية تتماشى مع حجم القبيلة في نفس الولاية.
وجاء في بيان وزعته القبيلة في 20 مايو الماضي أن" مجموعة لقلال تطالب بضرورة الحصول على مناصب سياسية تناسب حجمها في مقاطعتي كيفة وبومديد، رافضة في الوقت ذاته التسلق مع الآخرين لأنها عانت التهميش والإقصاء من المشهد السياسي في الولاية رغم قوة وزنها السياسي والثقافي والاقتصادي فيه".
وختم البيان بالقول" إن المجموعة القبلية كلفت لجنة داخلية بدراسة السبل الكفيلة بتحقيق مطالبها وتلبية تطلعاتها المشروعة بالمشاركة الفعالة في المشهد السياسي وبالتنسيق مع مختلف الفاعلين السياسيين للوصول لتلك الأهداف".
حظر نشر النشاط القبلي
هذه الدعوات واجهت رد فعل قوي لدى بعض التيارات السياسية والتقدمية في موريتانيا كان أولها بيان أصدرته تنسيقية أحزاب المعارضة في ولاية لعصابة في 20 مايو شجبت فيه بشدة ما اسمته "المنعطف الخطير الذي سلكته الأوضاع بالولاية من هيجان للقبائل بحماية السلطة".
ودعت أحزاب المعارضة بفتح تحقيق فوري حول ما جرى من ترخيص لأنشطة قبلية ضيقة يحظرها القانون "وحملت النظام الحاكم المسؤولية عن ما ستؤول إليه الأحوال في البلاد من تدهور جراء أعماله الطائشة ".
البيان قال كذلك :"إن ما نشاهده هذه الأيام من تحالف بين السلطات العمومية والقبائل بولاية لعصابه بداية التخطيط لمصادرة آراء الجماهير وبيعها مجددا في سوق النخاسة السياسية وإرجاعها للعصبيات المضمون انصياعها لإشارات الحاكم ،عكس المجتمع المدني المؤطر، الواعي بمصالحه. وليس ذلك إلا حلقة من حلقات الاستهتار بقوانين البلد ونظمه، حيث يحرم الدستور الموريتاني السماح لقيام التنظيمات على الأسس القبلية والعرقية".
لكن آخر رد فعل تمثل في التزام غالبية المؤسسات الصحفية المستقلة في موريتانيا برفض الترويج للقبيلة أو الجهة والعرق ابتداء من الاثنين 3 يونيو.
ونشرت في بيان موقع من قبل 27 مؤسسة إعلامية مستقلة "إننا نحن الموقعون لهذا البيان المسؤولون عن أهم وسائل الإعلام المستقلة في موريتانيا وسعيا منا للحفاظ على مكتسبات وركائز الدولة الموريتانية وتشبثا منا بقيم الجمهورية فإننا نعلن للرأي العام رفضنا لترويج أي مادة او إعلان أو خبر يمجد أو يخدم من قريب أو بعيد القبيلة ،الطائفة ، العرق على حساب باقي مكونات المجتمع".
"ونؤكد دعمنا لأي نشاط يسعى إلى تقوية النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية للجمهورية الإسلامية الموريتانية،كما نطالب كل الأطراف السياسية والاجتماعية والحقوقية العمل معنا انطلاقا من هذه الرؤية".
وكانت ولاية لعصابة التي احتضنت الحراك القبلي الاخير قد شهدت في الثالث من يونيو نشاطا نظمه بعض مثقفي الولاية تناول دور القبيلة في ظل الدولة الحديثة والقبيلة كظاهرة اجتماعية وتاريخيه ودورها السياسي بين الرفض والقبول.
وقد خرج مثقفو الولاية بتوصيات تقول بأن توظيف البعد القبلي يعد "مخيبا لآمال الشعب الذي كان يتوق إلى بناء دولة المؤسسات وترسيخ ثقافة الديمقراطية في زمن تحررت فيه الأمم من ربقة الظلم والاستبداد وأصبحت المجتمعات والدول تتنازل عن خصوصياتها الضيقة لتتكتل في اتحادات وأقطاب سياسية علها تجد لنفسها موطأ قدم بين مصاف الأمم المتقدمة".
القبيلة معيق للتنمية وأداة للاسترقاق
الدكتور الشيخ ولد دومان رئيس تنظيم التيار الوطنى التقدمي يرفع شعار إعادة كتابة التاريخ الموريتانيى على أسس منصفة للجميع، وله موقف حازم تجاه كل العقليات التي يصفها بـ"الرجعية" ،ويتحدث لـDW عن مبررات رفض القبيلة رغم ما يتحدث عنه البعض من جوانبها الايجابية.
ويقول"القبيلة بنية اجتماعية تقليدية تجاوزها الزمن وباتت تفرق بعد أن كانت تجمع وهي اليوم من أكبر معوقات التنمية والديمقراطية عكس البنى التى يقوم عليها المجتمع الحديث كالحزب والنقابة والشركة وأعتقد أن بناء الدولة الحديثة يتم حصرا على أنقاض القبيلة وليس من خلالها أو عبرها".
ويستطرد قائلا:لماذا هي معيقة ؟لأنها بنية هرمية تسلطية لا تقبل المساواة ولا تقيم وزنا لحقوق الانسان وهي المسؤولة عن الاسترقاق واضطهاد المرأة والنظرة الدونية للشباب، بل إنها ظلت وسيلة للضبط الاجتماعي تلجأ لها الدولة في حالات الضعف".
واختتم ولد دومان بالإجابة على من يعتبرون القبيلة إطارا للتكافل الاجتماعي بالقول "الدولة الحديثة على علاتها وضعفها هي التى علمت وعالجت وأمنت الناس وعبدت الطرق وأوقفت حالة حرب الكل ضد الكل بينما كانت القبلية مبررا للحروب بين القبائل في الماضي".
لكن الباحث الاجتماعي والدبلوماسي السابق محمد سعيد ولد همدي يقر بأن ما تشهده موريتانيا اليوم من هبة قبلية مجرد مظهر من مظاهر ضعف الدولة لكنه قلل من خطورة تنامى القبلية على التطور السياسي لموريتانيا، لان ما نشهده اليوم من عودة للقبيلة "مجرد موضة عابرة يلجأ لها بعض من فشلوا في إيجاد موطئ قدم في الأحزاب السياسية و فقدوا المصداقية أمام الرأي العام ولذا يعتقدون أنه يمكنهم تسويق القبيلة للدولة مقابل الحصول على مكاسب شخصية".
واعتبر المحلل الاجتماعي ولد همدي أن القبيلة يجب أن تحافظ على أهميتها من حيث الانتماء لكن يجب أن لا تكون أداة للسياسة والتفرقة، لأنها ليست آلة سياسية ولا آلة ضغط ولا يجب ان تكون آلة تفرقة.
الفراغ السياسي يشجع التعصب القبلي
أما الخليل ولد الطيب النائب البرلمانى عن حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم وأحد المدافعين عن النظام الحاكم فقد قال لDW إن "القبيلة ظلت دائما الإطار المؤسسي قبل دولة الاستقلال وقد تراجع نفوذها بعده ،لكنها اليوم تقوى كلما ضعف الشعور الوطنى،لكن هذا لا يعنى أنه ليست لها إيجابيات في التكافل الاجتماعي وصلة الرحم والتضامن بين المنتمين لها".
ورفض النائب البرلمانى الخليل ولد الطيب ان يكون عودة القبيلة اليوم مؤشرا على ضعف النظام الحالى بل "إنه من اكثر الانظمة استنارة وقوة ،لكن ضعف بعض الحركات السياسية الراهنة وممارستها للدعاية وعدم قدرتها على ملئ فراغ المواطنين هي التى تساهم في عودة التعصب القبلي "، على حد تعبيره.