النووي الإيراني ـ عد عكسي نحو الحرب أم اتفاق اللحظة الأخيرة؟
٣٠ ديسمبر ٢٠٢١هل اقتربت المباحثات النووية مع إيرانإلى نقطة اللاعودة، وبالتالي العد العكسي إما نحو مواجهة ستدخل المنطقة في نفق مجهول أو اتفاق شامل مع الجمهورية الإسلامية قد يفتح آفاقاً جديدة، حتى وإن كانت غير مضمونة تماما. في هذا السياق استأنفت طهران وواشنطن (27 ديسمبر/ كانون الأول 2021) محادثات غير مباشرة بهدف إنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015. ويبدو أن صبر القوى الغربية بدأ ينفذ بحكم التقدم البطيء للمفاوضات؛ فباتت تؤكد أنه لم يعد يتبق أمام المفاوضين سوى "أسابيع وليس شهورا" لإنقاذ المفاوضات.
وجدير بالذكر أن الجولة قبل الأخيرة (السابعة)، وهي الأولى من نوعها في عهد الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، لم تسفر عن نتائج، خصوصا بعد إضافة بعض المطالب الإيرانية الجديدة. ويذكر أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قرر عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، التي ردت بعد عام باستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم، ثم زيادتها.
وبهذا الصدد كتب موقع "تسايت أونلاين" الألماني (27 ديسمبر/ كانون الأول 2021) "تعمل ألمانيا ودول أخرى من أجل إحياء الاتفاق النووي. المحادثات توقفت بعد انتخاب المتشدد إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران. ولا تزال المفاوضات مستمرة منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، بنتائج متواضعة حتى الآن (..) لقد انتقد المفاوضون الأوروبيون والأمريكيون عدم استعداد إيران لتقديم تنازلات (..) القيادة الإيرانية الجديدة دعت مرارًا وتكرارًا لرفع جميع العقوبات الاقتصادية كشرط لتقليص البلاد لبرنامجها النووي. وعلى الرغم من أن الحكومة في طهران تؤكد بانتظام على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، إلا أن الدول الأخرى تشعر بالقلق من خطواتها. ويحذر دبلوماسيون من أنه لن يكون هناك متسع من الوقت لإنقاذ الاتفاق النووي، إذا استمرت طهران في الإصرار على أن الولايات المتحدة يجب أن ترفع العقوبات أولا"ً.
نفاذ الوقت ـ صبر المفاوضين الغربيين على المحك
أكد إنريكي مورا، مبعوث الاتحاد الأوروبي ومنسق المحادثات، قبيل اجتماع فيينا أنه "إذا عملنا بجد في الأيام والأسابيع المقبلة، سنصل إلى نتيجة إيجابية... سيكون الأمر صعبا جداً وسيكون شاقا. يجب اتخاذ قرارات سياسية صعبة في كل من طهران وواشنطن (..) هناك شعور ملح لدى جميع الوفود بضرورة انتهاء هذه المفاوضات في فترة زمنية معقولة نسبيا. مرة أخرى، لن أضع حدودا لكننا نتحدث عن أسابيع، وليس عن شهور". ويذكر أن طهران ترفض عقد اجتماعات مباشرة مع المفاوضين الأمريكيين، ما يجبر الأطراف الأخرى على التنقل بين الجانبين. وعبرت واشنطن أكثر من مرة عن إحباطها من شكل هذه المحادثات والتي تبطئ العملية برمتها، فيما يشكك المفاوضون الغربيون في نوايا طهران بكسب أكبر قدر مكن من الوقت.
يذكر أن اتفاق عام 2015 مكّن من زيادة الفترة الزمنية النظرية التي ستحتاجها طهران للحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية، إذا ما اختارت ذلك، إلى عام على الأقل، بدلا من شهرين إلى ثلاثة أشهر. ويعتبر معظم الخبراء أن تلك الفترة باتت الآن أقل مما كانت عليه قبل الاتفاق. وباتت القوى الغربية تبحث بشكل ملح عن رزنامة تحصر فيها المحادثات، بالتلويح بخيارات أخرى في حال فشلها. وفي تصريحات علنية سابقة، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس القوى العالمية لعدم السماح لإيران بإهدار الوقت في المحادثات النووية في فيينا.
ومن جهتها، حذرت واشنطن في الأيام الماضية من أنها لن تسمح لطهران باعتماد هذا الموقف لفترة طويلة، مؤكدة أن خطة بديلة لا تزال خطوطها غير واضحة قيد الإعداد. لكنها المرة الأولى التي تقول فيها دول، لا تزال موقعة على الاتفاق، إنها مفاوضات الفرصة الأخيرة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة فرانكفورته روند شاو" (16 ديسمبر/ كانون الأول 2021) "إن المفاوضات أصبحت لعبا بالنار، وربما ليست أكثر من خدعة. حتى سلاح الجو الإسرائيلي الحديث لا يمكنه بمفرده تدمير أجهزة الطرد المركزي الإيرانية تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم. وهذا يتطلب قنابل خاصة ذات اختراق هائل لا يملكها الجيش الإسرائيلي. كما رفضت الولايات المتحدة طلبا للدولة العبرية لتسليم طائرتين من أصل أربع مقاتلات حديثة يمكن إعادة تزويدها بالوقود في الجو. وبالتالي يبدو أن واشنطن مهتمة فعلا بخيار التدخل العسكري. غير أن الحرب النفسية بين إسرائيل وإيران متأججة. "مجرد خطوة واحدة خاطئة"، كان هذا عنوان لصحيفة "طهران تايمز" هذا الأسبوع، مع خريطة تحدد الأهداف المحتملة للهجوم في إسرائيل".
سلاح ذو حدين ـ العقوبات محور المحادثات
عبرت واشنطن (28 ديسمبر/ كانون الأول 2021) عن حذرها بخصوص تصريحات روسية إيرانية متفائلة بشأن تقدم مزعوم في المحادثات النووية، معتبرة أن تلك التصريحات سابقة لأوانها.
ويذكر أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أكد أن اتفاقا بات ممكنا إذا أبدت الأطراف الأخرى "حسن النية"، فيما أشار المبعوث الروسي ميخائيل أوليانوف إلى أن مجموعة عمل تحقق "تقدما لا خلاف عليه" في الجولة الثامنة من المحادثات.
واعترف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بحدوث بعض التقدم، لكنه أضاف أنه "من السابق لأوانه حقا معرفة ما إذا كانت إيران قد عادت بنهج بناء أكثر لهذه الجولة... نقيّم الآن، في سياق هذه المحادثات، ما إذا كان الإيرانيون قد عادوا بأجندة قضايا جديدة أو حلول أولية لتلك التي تم طرحها بالفعل".
وتشدد طهران على ضرورة رفع كل العقوبات الأمريكية قبل اتخاذ خطوات في ما يتعلق بالأنشطة النووية، لكن المفاوضين الغربيين يقولون إنه يتعين عمل موازنة بين الخطوات النووية والعقوبات في الاتفاقية، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. وبشأن نجاعة العقوبات كتبت صحيفة "فرنكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (الثالث من يونيو/ حزيران 2021) تقول إن هناك درساً يجب تعلمه بهذا الصدد "العقوبات فعالة إذا كانت، كما في عهد أوباما، يحترمها الجميع على المستوى الدولي. لكن العقوبات يمكن أن تكون ضارة إذا وجهت ضد شركاء سابقين، كما فعل ذلك ترامب. حصيلة ترامب تجاه إيران واضحة حتى الآن: لقد باتت الجمهورية الإسلامية قريبة أكثر من أي وقت مضى من القنبلة الذرية".
ويشتبه الغرب ومعه إسرائيل في أن إيران تريد كسب المزيد من الوقت لصالح برنامجها النووي الذي يقترب بشكل متزايد من عتبة القدرة على انتاج القنبلة الذرية. وتراجعت صادرات النفط، المصدر الرئيسي للدخل في إيران، تحت وطأة العقوبات الأمريكية. ورغم أن طهران لا تكشف عن بيانات بهذا الشأن، إلا أن التقديرات المستقاة من قطاع الشحن ومصادر أخرى تفيد بأن الصادرات انخفضت من نحو 2.8 مليون برميل يوميا في عام 2018 إلى 200 ألف برميل يوميا. وقدّر مسح الصادرات عند 600 ألف برميل يوميا في يونيو/ حزيران الماضي.
إسرائيل جهزت بنك أهداف لضرب إيران
كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (29 ديسمبر/ كانون الأول 2021) أن الجيش أعد بنك أهداف وأسلحة متطورة في حال تم قرار ضرب إيران، غير أن الصحيفة أكدت أن خبراء الجيش الإسرائيلي لا يزالون يعتبرون أنه من الصعب تحديد التداعيات والتبعات التي قد يؤدي إليها مثل هذا الهجوم. ووفق الصحيفة فإن الجيش قدم على ما يبدو للقيادة السياسية جملة من السيناريوهات المحتملة لضرب أهداف في إيران، دون قدرة على تقييم مدى تأثيرها على برنامج طهران النووي.
ووفقا للجيش، فإنه يستعد أيضا لتداعيات ضرب إيران، بما في ذلك احتمال حدوث جولة قتال مع حزب الله في لبنان أو حماس في قطاع غزة. وبحسب تقييم الجيش، فقد عززت إيران وطورت دفاعاتها الجوية على مدار السنوات الماضية، ما يجعل شن الضربة الجوية أكثر تعقيدا. كما تمكن الإيرانيون من زيادة ترسانتهم من الصواريخ بعيدة المدى بشكل كبير، والتي يمكن أن تصل بسهولة إلى أي نقطة في إسرائيل. ونتيجة لهذا التطور، وقّع الجيش الإسرائيلي عدة عقود خلال العام الماضي بهدف توسيع وتعزيز القدرة الدفاعية الجوية الإسرائيلية.
ورغم أن برنامج إيران النووي يشبه إلى حد بعيد قنبلة موقوتة، قد ينجح العالم في آخر لحظة من تفادي انفجاره. غير أن حتى التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي لن يعني بالضرورة حلا لجميع المشاكل مع الجمهورية الإسلامية، كما أظهر ذلك الاتفاق الذي أشرفت عليه إدارة أوباما وبايدن عام 2015 وأظهر بشكل واضح أن احتواء طموحات طهران النووية لن يجعل تأثير إيران السلبي على جوارها يندثر.
السلاح السيبراني في قلب الحرب بين إسرائيل وإيران
أدى هجوم إلكتروني في 26 من أكتوبر/ تشرين الأول، إلى خراب كامل للنظام الذكي الذي يشغل مضخات محطات الوقود في إيران البالغ عددها 4300 محطة، والذي يعمل باستخدام بطاقات إلكترونية تمكن فئة من المستهلكين الإيرانيين من الحصول على حصة شهرية من الوقود المدعوم. وبعد استنفاد تلك الحصة، يتعين على المستهلك تأدية السعر "الحر" غير المدعوم. الهجوم الإلكتروني هذا أدى إلى شلل كامل المحطات؛ فتشكلت طوابير من السيارات والدراجات النارية في انتظار التعبئة. وقد تمكن التقنيون بوزارة النفط من فصل المضخات عن النظام الذكي للتوزيع، قبل أن ينجحوا في إعادة ربطها بالنظام تدريجيا. وبعد أسبوع من الحادث، ألمحت طهران إلى إمكانية وقوف الولايات المتحدة وإسرائيل خلف ذلك الهجوم. ووفقا لمنظمة الطاقة الدولية، تحتل إيران المرتبة الثالثة عالميا من حيث احتياطيات النفط المثبتة، وحلّت خامسة عام 2020 بين دول منظمة "أوبك" المصدّرة للنفط، علما بأن العقوبات الأمريكية تؤثر بشكل كبير على صادراتها النفطية.
وعلى مدى الأعوام الماضية، كانت إيران هدفا لعديد من الهجمات الإلكترونية، وأبرزها ما حدث في سبتمبر/ أيلول 2010، حين ضرب فيروس "ستاكسنت" منشآت مرتبطة ببرنامجها النووي، في عملية اتهمت فيها إيران الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل بالضلوع فيها. ومنذ ذلك الحين، يتبادل الطرفان الاتهامات بتنفيذ هجمات إلكترونية عدائية ضد بعضهما البعض.
التكتيك الإيراني في المفاوضات
بعد وصول الرئيس الإيراني إلى السلطة، سرعان ما اتضح أن طهران لم تعد تفكر في البناء على نتائج اتفاق 2015، بل تراجعت عن تنازلات سابقة قدمتها. وشعرت القوى الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) بنوع من الإحباط. وتبين لها أنه بدون تغيير الجانب الإيراني لنهجه في المفاوضات، ستكون المفاوضات بلا جدوى.
وبهذا الصدد كتبت "أوغسبورغه ألغماينه" (السابع من ديسمبر/ كانون الأول): "السؤال هو ما إذا كان الرئيس الإيراني في طور لعب البوكر قبل الاستسلام في اللحظة الأخيرة، أو ما إذا كان سيقبل الفشل إذا لم يلب الغرب مطالبه. بعد توليه منصبه في الصيف، وقال الرئيس الإيراني إنه يريد تحرير بلاده من عبء العقوبات - لكن ليس بأي ثمن".
ومن شأن المفاوضات خلال الأسابيع المقبلة إظهار نوايا إيران الحقيقية، ففي حال تعنتها، فإن ذلك سيدعم مواقف المتشددين في الغرب وعلى رأسهم إسرائيل، الذين يعتبرون أن فقط الضغط السياسي والعسكري في التعامل مع طهران يمكن أن يؤدي إلى نتائج.
حسن زنيند