النازحون الفلسطينيّون من سوريا: شُرّدنا مرتين
٢٨ ديسمبر ٢٠١٢وسط منزل صغير في البقاع الأوسط من لبنان، تُختصر قضية النازحين الفلسطينيين بين تشريد تاريخي من أرضهم، ونزوح بفعل الأزمة السورية. هنا حيث انبرى بعض المسؤولين بينهم وزير الطاقة جبران باسيل، ليطالبوا بإغلاق الحدود في وجه النازحين الفلسطينيين، حساسية حقيقية تجاه هذا الشعب الذي لا يُنظر إليه إلا من خلال "بعبع التوطين"، حسب بعض المراقبين اللبنانيين.
في منزل متواضع في بلدة برالياس البقاعية، يستوعب 15 شخصاً من نازحي مخيم اليرموك في دمشق، تشتكي أم جهاد خلال حديثها لـ DW عربية، من فقدان الدعم المادي والصحي للنازحين الذين شُرّدوا مرتين؛ "فباستثناء بعض الإعانات الغذائية البسيطة من بعض الفصائل الفلسطينية، لا يوجد أي دعم للنازح الفلسطيني". وأكثر من ذلك، "صاحب هذا المنزل حين ازداد عددنا طالبنا بالرحيل وقد أعطانا مهلة قصيرة للخروج وحتى الآن لم نجد مأوى".
مساعدات الأونروا لا تكفي
وتشير ربة الأسرة الكبيرة التي تجمّع أطفالها حول مدفأة مازوت يكاد ينفد، إلى أن معظم العائلات الفلسطينية التي نزحت إلى لبنان ذهبت إلى المخيمات الفلسطينية أو إلى أقارب وأصدقاء. وعن الوضع التربوي أكدت قبول الأطفال في مدارس تابعة لمنظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا). وتنفي المرأة الخمسينية ما تحدث عنه بعض السياسيين عن استتباب الأمور في مخيم اليرموك وبدء عودة أهله إليه، قائلة "الوضع هناك لا يزال صعباً وزوجي لا أعرف عنه شيئاً"، لافتة إلى أن العودة لن تكون سهلة لأن معظم البيوت تم تدميرها.
أحد شباب اليرموك، الذي رفض الإفصاح عن اسمه حفاظاً على حياته كما قال، شرح لـ DW عربية، وضع النازحين والمعاناة التي يعيشونها، قائلاً "خلال يومين فقط نزح نحو 8000 شخص من مخيم اليرموك، وانتشروا في لبنان وفي مناطق يتواجد فيها الفلسطينيون بكثافة مثل برالياس وتعلبايا وسعدنايل في البقاع الأوسط. ويشير الشاب الذي تعرّف على أقاربه في برالياس بعد النزوح، وأقام عندهم، إلى أن الفصائل الفلسطينية تساعد النازحين أكثر من غيرها، فيما تقتصر مساعدات الأونروا على بعض الأغطية والمواد الغذائية. ويستغرب ما يصفها بـ "التصريحات العنصرية" تجاه الفلسطينيين رغم دخول أكثر من 100 ألف سوري إلى لبنان.
فلسطينيو مخيم اليرموك في ضيافة أهلهم من فلسطينيي 1948
وعن وضع الأطفال، تحدثت لـ DW عربية، مُنسقة التدعيم النفسي الاجتماعي بثينة الأسعد، فأوضحت طبيعة عمل المركز التأهيلي والترفيهي الذي تم استحداثه من قبل السفارة الكندية في بيروت، حيث خصصت شقة صغيرة في أحد أحياء بلدة برالياس لهذا الغرض. وقالت إن " نحو 500 عائلة فلسطينية وصلت من سوريا إلى هذه البلدة التي تضم تجمعاً فلسطينياً منذ العام 1948. وسط المركز المتواضع المؤلف من غرفتين، حيث كان الأطفال منهمكون بأشغال يدوية وألعاب، قال الأستاذ محمد لـ DW عربية، "أتيت من مخيم اليرموك مع النازحين وتفرغت لخدمة هؤلاء الأطفال وفق برامج مدروسة نقوم بتنفيذها معهم بحضور أخصّائية نفسية، حيث تتم معالجتهم من آثار الحرب.
السفير الفلسطيني لدى لبنان أشرف دبور، وفي اتصال أجرته معه DW عربية، أشار إلى تشكيل لجنة مؤلفة من منظمة الأونروا والفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات والأمن العام اللبناني لمتابعة موضوع النازحين الفلسطينيين من سوريا. وأكد أن "المجتمع الدولي مقصّر في تأمين دعم مادي للأونروا، التي طالبت بميزانية طوارئ لمواجهة هكذا حالات". وتحدث السفير الفلسطيني عن جهود سياسية واسعة أفضت إلى التوافق على إعادة النازحين السوريين إلى المخيم.
بدوره مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منطقة بيروت، فؤاد ضاهر، أكد لـ DW عربية، أن الجبهة غير معنية بما يجري في سوريا، وأن النازحين يجب عودتهم إلى مخيم اليرموك. لكنه أضاف "نحن لن نتخلى عن أهلنا سنساعدهم، مع أن المسؤولية الأساس تقع على عاتق الأونروا". وحول التصريحات التي صدرت عن وزير الطاقة جبران باسيل (التيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون) بخصوص إقفال الحدود في وجه الفلسطينيين النازحين، قال ضاهر "هم أصلاً لا يريدون الفلسطينيين الموجودين في لبنان فكيف سيقبلون بالنازحين من سوريا؟!"، مؤكداً في الوقت نفسه أن الخوف من التوطين لا أساس له لأن الفلسطيني لا يريد سوى العودة إلى وطنه.
موضوع اللاجئين الفلسطينيين تحول إلى سجال سياسي لبناني
وحول هذه القضية، تحدث أمين عام الحزب الديمقراطي اللبناني، وليد بركات، فقال لـ DW عربية، نحن لسنا ضد استقبال النازحين سواء كانوا فلسطينيين أم سوريين، فالتعامل معهم ينبغي أن يكون أخوياً. لكن بركات أوضح وجهة نظر حزبه القائلة بضرورة إعادة النازحين السوريين إلى "مناطق آمنة" في سوريا والفلسطينيين إلى فلسطين عن طريق قطاع غزة، "لأن لبنان غير قادر على استيعابهم". إلا أن بركات شدد على ضرورة عدم التعاطي مع الفلسطينيين بخلفية عنصرية، معتبراً أن تصريحات البعض حول إقفال الحدود لا يستهدف الفلسطينيين على قاعدة عنصرية أو الإساءة للشعب الفلسطيني.
أما وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني وائل أبو فاعور(الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط)، فانتقد "التصريحات التي لا تراعي الأوضاع الاجتماعية، ووصفها بالعنصرية، معتقداً بأنه "إذا كان لدى البعض مخاوف معينة (في إشارة إلى التوطين واختلال الميزان الديموغرافي لمصلحة طائفة معينة) فهناك ألف طريقة للتعبير عنها من دون التعرض للشعب الفلسطيني بهذا الشكل. وتحدث عن ضرورة إيجاد سياسة حكيمة من الدولة تجاه هذه القضية، مشيراً إلى أن وزارته وضعت آليات مع الأونروا لتأمين الدعم والمساعدات.
الصحافي الفلسطيني إرنست خوري (جريدة السفير- بيروت)، دعا خلال حديثه لـ DW عربية، إلى "محاكمة الوزير باسيل وكل من يطلق تصريحات عنصرية"، معتبراً أن "هذه التصريحات لم تطل فقط الفلسطينيين إنما السوريين أيضاً.. وهي تحظى بقبول شعبي كبير داخل لبنان وليس فقط من طائفة معينة"، مشيراً إلى حرب المخيمات التي أطلقتها حركة أمل ضد الفلسطينيين في الثمانينات. واعتبر خوري أن بعض اللبنانيين يحمل في داخله جبران باسيل، قائلاً "لا أستغرب هكذا تصريحات من التيار العوني".