الموصل والرقة- ماذا بعد نهاية تنظيم "داعش"؟
٢٨ يونيو ٢٠١٧موسيقيون يجلسون في بهو فندق في أربيل، وهم ينحدرون من الموصل. هنا في عاصمة الإدارة الإقليمية الكردية في شمال العراق وجدوا ملجأ مما يسمى بالدولة الاسلامية. لكنهم يفكرون في العودة. فهم يهيئون لمهرجان موسيقي بعد تحرير الموصل.
الموسيقيون لن ينتظروا طويلا، لأن المؤشرات توحي بانهيار مرتقب للميليشيا الجهادية في ثاني أكبر مدينة عراقية حتى ولو أن حوالي 100.000 شخص يُستخدمهم التنظيم كدروع بشرية، والقتال مستمر بكل عنف في المناطق التي مايزال داعش يستحوذ عليها في المدينة القديمة، حسبما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
نهاية داعش لا تعني نهاية النزاعات
ولكن مع طرد داعش من عاصمته غير الرسمية لن تنحل المشاكل لوحدها، لأن أكثر من نصف مليون شخص منذ بداية الهجوم على الموصل في الخريف الماضي هُجروا بسبب المعارك. ليس لأنَ الوقت سيستغرق سنوات لإيجاد ظروف مواتية لعودتهم فحسب، ولكن لأن طرد تنظيم داعش من شمال العراق سيترك فراغا في السلطة، لأن التحالف المناهض لداعش يضم إلى جانب فاعلين أجانب مثل الولايات المتحدة الأمريكية عددا من المجموعات المحلية التي تنشد بغض النظر عن طرد داعش أهدافا جد مختلفة.
فهناك قوى تعمل تحت إمرة الحكومة في بغداد أي وحدات مناهضة للإرهاب تحت مراقبة رئيس الوزراء أو وحدات تنتمي لوزارة الدفاع أو الداخلية. وهناك ميليشيات شبه عسكرية خاضعة "لحشد القوى الشعبية" الشيعية، وبعضها لها ارتباط مع إيران. كما أن هناك الأكراد البشمركة الذين ينتمي بعضهم "للحزب الديمقراطي في كردستان" الحزب الحكومي في شمال العراق لمنطقة كردستان المستقلة. كما أن هناك قبائل سنية محلية مختلفة أنشأت ميليشيات ودفعت بها في المعركة.
تطلعات استقلال كردية
الميليشيات الكردية والشيعية لم تلعب دورا يذكر في المعارك داخل الموصل، لكنها شاركت في معارك في محيط المدينة. ويعتبر الأكراد في شمال العراق أن هناك لحظة تاريخية سانحة لبناء استقلالهم. وقد حددوا الـ 25 من سبتمبر يوما لاستفتاء حول الاستقلال. وأشار ريناد منصور، خبير شؤون العراق إلى تفصيل هام مرتبط بهذا الاستفتاء، وهو أنه من المتوقع أن يتم أيضا فيما يسمى المناطق "المتنازع عليها" في المنطقة الغنية بالنفط المجاورة لكركوك. والميليشيات الشيعية شاركت في معارك لاسيما في غرب الموصل وقطعت الطريق الممتد هناك بين الموصل وسوريا. وبما أن هذه الوحدات شُكلت أصلا للقتال ضد تنظيم داعش، فسيكون من المنطقي حلها بعد نهاية التنظيم. ويقول الخبير منصور بأن الميليشيات الكبيرة ستعارض عملية تفكيكها وستبحث عن مهام أخرى ربما على طول الحدود السورية العراقية. ويفيد خبراء بأن عدد رجال الميليشيات الشيعية يصل في العراق إلى نحو 100.000 رجل لهم ارتباط قوي مع إيران التي "تحاول بقوة" ممارسة التأثير على الأرض.
بعد داعش في سوريا
هذه الإشكالية على غرار الموصل تظهر أيضا في شمال سوريا وشرقها. فهناك ضغط قوي على الرقة عاصمة داعش التي ستنهار قريبا. ومقاتلو الجبهة الديمقراطية السورية هم من يتحمل العبء الأكبر في الهجوم، وغالبيتهم تنتمي للحزب الكردي السوري. ويعتبر الأمريكيون الأكراد وسيلة نافعة في الحرب ضد داعش ويزودونهم بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية.
أما تركيا حليف الولايات المتحدة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي فتعتبر الأكراد -بسبب قربهم من حزب العمال الكردستاني -مجموعة إرهابية تمثل لها خطورة أكثر من داعش. ويتوقع الخبير ريناد منصور أن يهدف الأكراد السوريون بالاستيلاء على الرقة إلى البرهنة على وفائهم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وتقوية موقفهم التفاوضي. إلا أن منصور يعتبر أن الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا قوية جدا، رغم الصعوبات الأمر الذي سيشكل متاعب بالنسبة إلى الأكراد في تنفيذ مخططاتهم. ويقول منصور:"لا أتصور أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بعد طرد داعش من شمال غرب سوريا بإقامة مشروع استقلال".
محافظة دير الزور
الوضع جد متوتر في الرقة وحولها إضافة إلى أجزاء واسعة في محافظة دير الزور التي يستولي عليها تنظيم داعش. هناك تتنافس عدة أطراف على ملئ المواقع الاستراتيجية في سوريا ما بعد داعش. وفرص المواجهة ستزداد بين الأطراف المتعددة بحيث قد تزداد المنافسة على دير الزور. فالجيش السوري يحاول الوصول إلى المدينة والمحافظة قبل مقاتلي قوى سوريا الديمقراطية. وقد أدت إحدى الهجمات على الحدود السورية الأردنية العراقية إلى معارك مباشرة بين قوات سورية وأمريكيين. وتدير الولايات المتحدة الأمريكية هناك على الأرض السورية معسكر تكوين لمعارضي الأسد. واتفقت الولايات المتحدة مع الروس على إقامة منطقة محمية حول مدينة طنف، ويتم طرد القوى المساندة للأسد بالقوة من هذه المنطقة.
ويعتبر الخبراء أنه بغض النظر عن مهمة القضاء على تنظيم داعش، فإن الأطراف المشاركة في المعارك ستتصارع على مناطق بسط النفوذ.
ماتياس فون هاين/ م.أ.م