بعد التحرير من داعش ـ بؤس الفلوجة مستمر
٢٨ يونيو ٢٠١٧المشاهد في الفلوجة ماتزال مؤثرة حيث لايزال يعثر على جثت وسط انقاض البيوت المدمرة. ومرة واحدة في الأسبوع على الأقل يخضع الأطفال الذين أصيبوا بالذخيرة أو الألغام للعلاج في المستشفى الوحيد الذي مازال قائما في المدينة. ويقول حميد عبود فهد نائب مدير المستشفى :"نصف المدينة فقط تم إلى حد الآن تنظيفه من المتفجرات، والحكومة لا تملك المال، فيما يجب تنظيف الجزء المتبقي من المدينة وإعادة بناءها".
القادرون فقط غادروا المعسكرات المحيطة بالمدينة لإعادة بناء بيوتهم. وحتى بعد مرور سنة على التحرير مايزال يعيش الآلاف من السكان في تلك المعسكرات. وحتى في الأماكن التي يمكن للحكومة فيها دفع معايش للموظفين لا توجد أموال من الحكومة لإعادة تشييد البنايات الحكومية.
ومنذ الصيف الماضي يعاني الكثير من السكان من طفح جلدي ينسب سببه عبود لتأثيرات البيئة بسبب ذخيرة الحرب الأهلية وكذلك إرهاق الناس وتخوفاتهم. وكانت الفلوجة تعاني في السابق من مشاكل الصحة: فبسبب المتفجرات التي استخدمها الأمريكيون بعد الحرب في عام 2003 ضد القاعدة ظهرت حالات الإصابة بالسرطان، وقد ولد كثير من الأطفال بتشوهات. وحتى الحارس أمام مقر المستشفى يعترف بأنه لا يشعر بعد بالأمان بسبب الألغام المتناثرة في كل مكان.
تهديد مستمر من قبل داعش
المحاوف الأمنية لا تقتصر على الألغام فقط، بل أن كثيرين يفترضون أن انصار وداعمي تنظيم "داعش" مازالوا موجودين بين السكان. ويقول سكان الفلوجة بأنهم لا يثقون في التفتيشات الأمنية التي من شأنها الكشف عن مساندي داعش.
والكثير من الناس يعتبرون أيضا عائلات أعضاء تنظيم "داعش" تهديدا، ولذلك يتم منعهم من دخول المدينة. فأولئك الأقارب تم نقلهم إلى بلدة أميرية المجاورة أو يحاولون الاختلاط مع المدنيين الذين هربوا أثناء معارك السنة الماضية إلى مشارف المدينة. ويقول جمال ناجي، المعلم في إحدى المدارس بأن "الحكومة لا تدري كيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة". وهو يعتقد مثل آخرين بأن ذلك خطير. والكثير من الأطفال خضعوا لنوع من غسل الدماغ وقد تدفعهم العزلة والإهمال إلى تطرف جديد. ويقول ناجي:"يجب علينا إقامة مركز خاص لإنعاش ثقتهم الشخصية وفصلهم عن داعش، وإلا فإنهم سيرتمون في أحضان داعش".
الثقة نادرة
منظمة "الأمهات والأيتام" تدعم الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن، وأطفالهنّ الذين فقدوا آبائهم في المعارك بين القاعدة وداعش من جهة والقوات العراقية وحليفتها القوات الأمريكية من جهة اخرى. وتشير المنظمة إلى مخاطر اعتبار عائلات تنظيم "داعش" منبوذين كيفما كان موقف أعضاء العائلات من المجموعة الإرهابية. ويتساءل نائب مدير المنظمة جنيد خاسي نعامي:"ما هو الهدف من عزل الآباء عن الأبناء الذين انضموا رغم إرادة الوالدين إلى تنظيم داعش؟".
فيما يرى بعض أهل الفلوجة أنّ قوات الأمن الشيعية لها موقف آخر، إذ أنها تعتبر مبدئيا كل سني من أنصار داعش وتحمّل العائلات مسؤولية التهمة دون أن تبرهن محكمة على وجود تلك المسؤولية. وعلى الرغم من ذلك فإن تلك القوى الأمنية نفسها تسمح لبعض تلك العائلات بالعودة إلى المدينة والمجتمع. ويقول عبد الجبار حسين من منظمة "الأمهات والأيتام":"هم يشترون ببساطة هويات تعرضهم كمدنيين ذوي ثقة. وأنا أعرف أناسا في إدارة المدينة كان لهم ابن أو أخ في داعش. فالمال يحررهم". ويُذكر بأن بعض أعضاء داعش اشتروا حريتهم بدفع فقط 500 دولار، واتصالاتهم الجيدة في الإدارة مكنتهم من شطب أسمائهم من اللائحة السوداء.
ويروج في الفلوجة أن أعضاء الميليشيات الشيعية التي بقيت في المدينة بعد تحريرها لضمان الأمن فاسدون. "وبعض الرجال السابقين في داعش يعملون اليوم لصالح بدر، ويحملون السلاح، وينتمون للحكومة. من يمكن الثقة فيه هناك؟"، يتساءل حسين. وبدر هي إحدى المجموعات الشيعية القيادية.
مستقبل الفلوجة
وانعدام الثقة يشمل عناصر الميليشيات أكثر من عائلات داعش. ويقول حسين:"بعض أعضاء قوى الأمن يفعلون مثل ما يقوم به داعش. هم يلحقون الضرر ببعض البيوت ويستولون عليها للسكن فيها". وأضاف:"ما فعله داعش كان جريمة ضد الإنسانية. وإذا وجب أن يكون للفلوجة مستقبل، فلا يمكن أن يستمر هذا الوضع".
وهناك شكاوى كثيرة من الميليشيات. جمال ناجي يروي واقعة اعتقال أحد معارفه في نقطة تفتيش على مشارف المدينة. "فقط لأن عائلته لها اتصالات جيدة مع الحكومة تمكنوا من العثور عليه في زنزانة سرية حيث تم سجنه ودفع 10.000 دولار لتحريره. هذا أسميه مافيا".
وما يزيد من غضب الكثير من الناس في الفلوجة هو حقيقة أن 700 رجل تقريبا من الذين اعتقلتهم الميليشيات خلال التحرير قبل عام مازالوا مختفين. ويقول مدير مدرسة الشباب:" شقيقي واثنان من أبناء عمي مازالوا معتقلين، ولا أحد منهم ظهر إلى حد الآن". إنه يعتقد بأنهم تعرضوا للقتل. ويقول هذا الرجل إنّ الأمر لا يتعلق بداعش والميليشيات فقط، بل إنّ الناس لا يثقون في الحكومة.
فبعد التغيير في العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في 2003 فقد السنّة زمام السلطة لصالح الأغلبية الشيعية، ومنذ سنوات تشتكي الأقلية السنية من التمييز الحكومي.
يوديت نويرينك/ م.أ.م