المغربية الفائزة بجائزة الأمم المتحدة: عملي أصعب لكوني امرأة
٢٧ ديسمبر ٢٠١٣هي امرأة استثنائية بكل المقاييس، سخرت كل جهودها لخدمة قضية واحدة في المغرب هي حقوق الإنسان، وتحملت الكثير من المتاعب و المضايقات من أجل ذلك. مسارها النضالي الطويل توج بتعيينها رئيسة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لأول مرة في تاريخ الجمعية، وتعتبر من أوائل النساء اللائي يتم انتخابهن على رأس منظمة حقوقية كبيرة في المغرب.
تحولت خديجة رياضي إلى حديث الرأي العام المغربي خلال الأسابيع الأخيرة بعد الإعلان عن حصولها على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي أرفع جائزة عالمية في هذا المجال وتهدف إلى تكريم وتمييز الأشخاص والمنظمات الذين قدموا إسهامات بارزة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وقد سبق أن حصلت عليها أسماء معروفة مثل الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا والراحلة بي نظير بوتو وغيرهم. و تكون رياضي بذلك أول امرأة من العالم العربي تنال هذه الجائزة.
وفيما يلي نص الحوار وفيه تتحدث الناشطة خديجة رياضي لـ DW عربية عن فوزها بهذه الجائزة، وأوضاع حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني في المغرب، وأبرز العوائق التي واجهتها في عملها كامرأة مناضلة من أجل حقوق الانسان.
DW عربية: أولا، ماذا كان شعورك وأنت أول امرأة عربية تتسلم جائزة بهذا المستوى؟ و ماذا ستضيف هذه الجائزة للمناضلة خديجة رياضي؟
خديجة رياضي: أولا أريد أن أثير مسألة أساسية قبل الإجابة عن السؤال، وهو أنني امرأة أمازيغية وأنتمي لمنطقة تسمى العالم العربي رغم أن سكانها ليسوا كلهم عربا. أما ما أحسست به بعد حصولي على الجائزة هو فعلا اعتزاز كبير كمدافعة عن حقوق الإنسان وإنصاف من أعلى مستوى للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مقابل ما تعرضت له من اعتداءات وحملات حاولت تشويه سمعتها وأيضا حملات قمع مناضليها ومناضلاتها:
ولا بد أن أشير أن هذا التكريم الأممي جعلني أشعر بمسؤولية إضافية جديدة، وطاقة جديدة تعزز إصراري وعزمي على المضي في المساهمة في النضال الذي خاضته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاثين سنة.
فوزك بالجائزة قوبل بالكثير من ردود الأفعال الإيجابية واستقبلك موكب كبير من الحقوقيين والصحافيين والسياسيين المغاربة، لكن المغرب الرسمي تجاهل للموضوع رغم أنه مكسب كبير بالنسبة للمغرب، لماذا لم تتلق خديجة رياضي مثلا أية تهنئة من العاهل المغربي الذي دأب على تهنئة المغاربة الذين يتفوقون و يفوزون بجوائز عالمية؟
لطالما صرحت أن مسألة تهاني الجهات الرسمية هي مسألة شكلية لا تهمني. ولم أكن انتظر اهتماما من الجهات الرسمية بهذه القضية لأن ذلك سيشكل تناقضا من طرفها باعتبارها المسؤولة عن الأوضاع المتدهورة لحقوق الإنسان التي تناضل ضدها الجمعية التي أنتمي لها، وباعتبار الجهات الرسمية خاضت حملات التشويه والقمع ضد الجمعية ومناضليها بسبب نضالهم الذي استحقوا عليه هذا الاعتراف الأممي. وأنا جد معتزة بالاحتضان الذي قوبل به حصولي على هذا التكريم الأممي من طرف مناضلات ومناضلي المغرب والمنطقة المغاربية وأوروبا وحتى مناطق أخرى من العالم.
كما كان لاتصالات عدد كبير من المواطنين والمواطنات في مختلف مناطق المغرب منهم العديد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ساندت الجمعية قضاياهم، وقع جميل لدي. وأذكر أنني أهديت هذه الجائزة منذ الإعلان عنها مباشرة لمعتقلي الرأي ببلادنا وفي مقدمتهم معتقلو حركة 20 فبراير كإشارة رمزية لتضامني معهم ومطالبتي بإطلاق سراحهم.
كيف تنظرين إلى الوضع الحقوقي في المغرب، هل يعرف تقدما أم أنه مازال يواجه نفس المشاكل؟
تطور أوضاع حقوق الإنسان يعرف مدا وجزرا، لأن تقدمها يعوقه غياب الإرادة الساسية لدى الحاكمين في بلادنا. فالتقدم يحصل كلما كان هناك ضغط جماهيري قوي أو ضغط من جهات دولية، لكن يتم التراجع بمجرد أن يخف الضغط بسبب عدم استعداد الدولة لاحترام الحريات وحقوق الإنسان وإقرار الديمقراطية الفعلية. فالدولة تهتم فقط بصورتها في الخارج ومنذ عقود وهي تتعامل مع حقوق الإنسان بمنطق الواجهة.
لذلك، بدورها المكتسبات التي حققتها الحركة الحقوقية بفضل نضالاتها المريرة وتضحياتها الكبيرة في منتصف التسعينات وخلال بداية الألفية ــ من ضمنها مصادقة الدولة على عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتعديل بعض القوانين وتوسيع هامش الحرية ــ يتم التراجع عن ذلك بعد بضع سنوات وتبقى الإصلاحات التشريعية حبرا على ورق وتعود السلطة إلى اعتداءاتها على الحريات وقمعها للنشطاء. والسبب في ذلك أن تلك المكتسبات لم يتم وضعها في إطار مؤسستي، ضمن دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا، يؤسس لدولة الحق والقانون ويفصل بين السلط ويقر القضاء كسلطة مستقلة تحمي الحقوق والحريات.
مسارك النضالي طويل وحمل الكثير من الإنجازات، ألم يشكل يوما كونك امرأة عوائق إضافية في عملك النضالي؟
صحيح أنني تعرضت لحملات دعائية ضدي كامرأة، تتهمني بعدم الكفاءة، وتشكك في قدرتي على رئاسة الجمعية، كما استعملت صحف السلطة و"صفحات البلطجية" في الانترنت أساليب الافتراء والكذب لتمس بشرفي واعتمدت أساليب تقليدية كالتي استعملتها الأنظمة الفاشية والدكتاتوريات ضد النساء المناضلات والتي تعمل على تشويه صورة المناضلات لدى الرأي العام لضرب مصداقيتهن، وصلت حد اتهامي زورا بالاعتداء على مصور يعمل بإحدى الصحف وتم استدعائي من طرف البوليس واستنطاقي في الموضوع. كما سبق لوكالة المغرب العربي أن أصدرت أخبارا كاذبة عني قبل أن تصدر تصحيحا بعد تكذيب الجمعية لها.
هل تعتقدين أن بعض المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية بالخصوص فيما يتعلق بالمشاركة في صنع القرار السياسي وصدور بعض القوانين التي تحميها، كافية للقول أن أوضاع النساء المغربيات بدأت تتحسن؟
خاضت النساء المغربيات نضالات واسعة من أجل المساواة والاعتراف بحقوقهن الإنسانية، وتحققت عدد من المكتسبات بإلغاء عدد من فصول القانون المجحفة وتعديل بعض التشريعات، وتزايد عدد النساء في البرلمان والجماعات، إلا أن هذا لم يغير من واقع النساء شيئا فترتيب المغرب في مجال المساواة في الفرص بين النساء والرجال الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي مثلا يصنف المغرب في الحضيض ( 129 ضمن 135 دولة)، والأمية لازالت مستشرية وسط النساء ومؤشرات الوضع الصحي للنساء ونسب ولوج التعليم خاصة في العالم القروي متردية.
كما أن النساء المغربيات معرضات للعنف بشكل كبير إذ تؤكد الإحصائيات الرسمية أن ثلثي النساء هن ضحايا للعنف ببلادنا، ولازالت الحكومة تماطل في إصدار قانون لحمايتهن من هذا العنف.
وبماذا تفسرين "التناقض" بين الخطاب الرسمي عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب وبين ما يحدث في الواقع؟
التفسير الأساسي هو غياب الإرادة السياسية لدى الدولة في إقرار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لأن ذلك يتطلب تنازلات كبيرة من المتحكمين الآن في دواليب الحكم. خاصة أن غياب الحكامة الجيدة واستمرار الإفلات من العقاب يمكنهم من الحفاظ على العديد من الامتيازات والاستفادة من اقتصاد الريع وانتشار الفساد والرشوة. فهذه الأوضاع الاقتصادية وعدم جعل ثروات البلاد في خدمة التنمية هو السبب في أوضاع البطالة والفقر والتهميش التي يعاني منها أغلب المغاربة.
والمغرب يستفيد من الصورة المغلوطة التي يروجها عن وضع الديمقراطية ببلادنا ليكسب دعم الدول الأوروبية علما أن النخب السياسية الأوروبية وخاصة الفرنسية تستفيد كذلك من هذا الوضع وتساهم في ترويج تلك الصورة عن المغرب.
من خلال تجربتك في مجال حقوق الإنسان ما هي أبرز التحديات التي يواجهها عمل المجتمع المدني في المغرب؟
المجتمع المدني هو مفهوم واسع ويضم جمعيات في مجالات متعددة ولا تواجه مكوناته نفس التحديات، وإن كانت بعض المشاكل والصعوبات مشتركة بين الجميع كمشكل البنيات التحتية والتجهيزات ومسألة التشريع الذي لا يواكب تطور المجتمع المدني والدور الاقتصادي والاجتماعي الذي يلعبه.
لكن بالنسبة للجمعيات التي تشتغل على مسألة حقوق الإنسان والحكامة والديمقراطية وملفات أخرى ذات حساسية فإن التحدي الأساسي هو تحدي الاستقلالية عن السلطة، لأن الدولة تمكنت من تدجين أغلب الأحزاب التي أصبحت تدور في فلكها، وتمكنت من تمييع المشهد السياسي إلى أن فقد المواطنون والمواطنات الثقة في العمل السياسي وفي العمل الحزبي.
كما تحاول الدولة احتواء المجتمع المدني الممانع، لأنه يلعب دورا كبيرا في مواجهة السياسات العمومية المنتهكة لحقوق الإنسان. وعندما تفشل في ذلك تستعمل أسلوب الحصار والتشويه والتضييق، إنه أسلوب العصا والجزرة الذي يستعمله دائما "المخزن"(عبارة تطلق على السلطة المركزية في المغرب) ضد من يزعجه.
حاورتها: سهام أشطو