المغرب - معاناة مهاجرات عائدات من دول الخليج
٢٦ نوفمبر ٢٠١٥فاطمة شابة مغربية، 32 سنة، اعتقدت عام 2010 أن حلمها قد تحقق ، عندما حصلت على فرصة الهجرة إلى الإمارات العربية المتحدة للعمل هناك في أحد الفنادق. لكن بمجرد وصولها إلى دبي، اصطدمت بواقع آخر. وتحكي فاطمة أن الكفيل الإماراتي وعدها قبل السفر بالعمل في مطبخ الفندق، غير أنه سحب منها جواز سفرها، وأجبرها على ممارسة الدعارة. وقضت الشابة ستة أشهر هناك، وبعد استلامها لجواز سفرها، عادت للتو إلى مسقط رأسها بالدارالبيضاء.
شاع خبرها بين الجيران بعد عودتها من المهجر والحديث عن معاناتها، حيث تسكن أسرتها بأحد الأحياء الشعبية بالعاصمة الاقتصادية للمغرب. ودفعت بها مضايقات أفراد العائلة للانعزال، وتقول: "وجدت فرصة عمل بمطعم، واخترت العيش بمفردي بعيدا عن الاضطهاد"، وتتذكر فاطمة بحزن شديد، كيف كانت علاقتها بأسرتها جيدة قبل سفرها الى الخليج. أما الآن فقد تحولت حياتها إلى جحيم، بل إن عائلتها تفضل عدم ذكر إسمها في المناسبات.
منبوذة بسبب الإقامة في الخليج
والدة فاطمة تعاني هي الأخرى من أزمة نفسية بعد عودة ابنتها من الإمارات العربية المتحدة. وتوضح الأم في لقاء مع DW أن أبناءها أرغموا أختهم على السكن بمفردها، وتحكي قائلة: "حاولت إقناع أشقائها أنها كانت ضحية للاتجار بالبشر، لكنهم أصروا على إبعادها من وسط الأسرة". وتردف الأم بألم أن ابنتها غادرت الحي الذي ولدت فيه، بعيدا عن الأسرة والجيران، الذين باتوا يتفادون الحديث إليها.
وبحسب الأم، فإن ابنتها لم تعد تستطيع التواصل مع أشقائها، وحتى في المناسبات الدينية والعائلية يصعب عليها المشاركة في الأفراح والمسرات. وتقول الوالدة إن تصرفات أبنائها مع أختهم العائدة من الإمارات العربية المتحدة، تسبب لها في مرض نفسي، حيث إنها تتردد على طبيبة نفسية للعلاج.
من جهتها تحكي فاطمة بحزن أن هذه المعاناة قلصت من فرص زواجها، حيث هناك شباب يرفض الزواج من المهاجرة التي اشتغلت بدول الخليج. واغرورقت عينا فاطمة بالدموع، وهي تتأمل مستقبلها الغامض في تأسيس أسرة أو إنجاب أطفال، وتردف أنها ما زالت تتذكر كيف تقدم شاب لخطبتها قبل سنة، وحينما اكتشف أنها قضت شهورا بدبي، عدل عن رغبته في الزواج، وظل يماطلها بادعاء رفض أمه للمساعدته في عقد القران بها.
معاناة العائدات بسبب صور نمطية
يعبر الدكتور علي شعباني الباحث في علم الاجتماع عن اعتقاده أن موضوع هجرة المغربيات إلى دول الخليج العربي، يرتبط في ذهن المغربي بالدعارة والرقص،"هو ما ولد لدى المغاربة صورة نمطية تنطلق من أن جميع المقيمات بدول الخليج يمارسن الدعارة". ويحمل الباحث شعباني قسطا من المسؤولية لوسائل الإعلام التي ظلت تتناول الموضوع من زاوية واحدة، تجلت في الإخبار عن اعتقال متورطات في ممارسة البغاء بدول المهجر وترحيلهن إلى المغرب. ويعتقد الباحث أن وسائل إعلام تخصصت في البحث عن أمثلة سلبية لمآسي المغربيات بدول الخليج، رغم وجود أمثلة إيجابية أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للطبيبات والمهندسات والاستاذات المغربيات العاملات في قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين والكويت.
ويلفت الباحث شعباني أن عددا كبيرا من شبكات الاتجار بالمهاجرات المغربيات من دول الخليج أرسلت في السابق عقود عمل لهؤلاء على أساس العمل كفنانات، حتى يسهل عليهن المرور في المطارات. كما يعتقد الباحث في علم الاجتماع أن صورة المهاجرة لدول الخليج أصبحت منبوذة لدى المجتمع المغربي.
جمعيات للحماية من الاستغلال
مع تناول الإعلام لهذا الموضوع ظهرت جمعيات حقوقية للدفاع عن النساء اللائي يتعرضن للاستغلال الجنسي. ويؤكد المحامي بالعاصمة المغربية الرباط الأستاذ بوشعيب الصوفي، والذي يآزر جمعية "ما تقيش ولادي" المدافعة عن الاستغلال الجنسي للأطفال، أنه لا يتوانى في الدفاع عن العائدات من دول الخليج، أو حتى عن القاصرات اللائي يتعرض للاغتصاب من طرف مواطنين خليجيين داخل المغرب.
ويوضح الصوفي أن القانون الجنائي المغربي الجديد ركز في كثير من مضامين نصوصه الجنائية على تشديد عقوبات السجن بالنسبة للمتورطين في الاتجار بالبشر، ملاحظا أن القانون الجنائي السابق كان يتساهل نوعا ما مع المتورطين في أعمال التهجير. ويضيف المتحدث أنه من حق العائدات من دول المهجر اللجوء إلى القضاء إذا أحسسن أنهن كن ضحية إغراءات لممارسة الدعارة. وحول التضييق الذي تعاني منه المهاجرات العائدات، داخل الأسر، أوضح الصوفي أن المشرع، أكد في الكثير من نصوصه على أنه في حالة الاعتداء عليهن أو نعثهن بأوصاف تحط من كرامتهن، فالقضاء يتابعهم بتهم السب والقذف والتحريض على العنف.
ولا يشاطر الباحث شعباني المحامي الصوفي في رأيه، حيث يعتبر أنه رغم التشريعات الجنائية فمن الصعب محو الصورة النمطية الملتصقة بالمهاجرات إلى دول الخليج العربي. ملاحظا أن "هناك الكثير من التشريعات جرى تغييرها، لكن عقلية المجتمع ظلت على حالها".