المغرب: السلفيون في قلب الصراع حول العلاقة بين الدين والدولة في الدستور
١٨ يونيو ٢٠١١بمجرد عودته من منفاه الاختياري في المملكة العربية السعودية إلى مطار مراكش (وسط المغرب) أكد الشيخ محمد بن عبد الرحمان المغراوي زعيم التيار السلفي الذي يعرف بالسلفية "العلمية" (تختلف عن السلفية الجهادية في نبذ العنف) تشبثه بالفتوى التي كانت سببا في رحيله عن البلاد وإغلاق "دور القرآن" مقرات جمعيته في مراكش قبل سنتنين، ويتعلق الأمر بإباحته الزواج من الطفلة التي تبلغ سن التاسعة.
وبعدها بأيام عاد شيخ آخر اشتهر بخصومته الإيديولوجية مع المغراوي إلى الواجهة، إنه محمد الفيزازي أحد زعماء تيار السلفية الجهادية الذي أفرج عنه بموجب عفو ملكي بعدما كان يقضي عقوبة بالسجن إثر إدانته بالإرهاب بمناسبة تفجيرات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء. الفيزازي هاجم من وصفهم بـ"الملاحدة" و"وكالين رمضان" (أي أؤلئك الذين لا يلتزمون بفريضة الصيام في شهر رمضان)، داخل حركة شباب 20 فبراير. تصريحات الرجلين جاءت في مناسبات متعددة وخلال لقاءات جماهيرية نظم بعضها من طرف حزب العدالة والتنمية الإسلامي والمنظمات المرتبطة به في مدن مغربية عديدة، ما أثار قلق جماعات علمانية في البلاد، خاصة وأنها تأتي في خضم النقاش حول مراجعة الدستور المغربي التي يرجى أن يتضمن سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية.
وكان الملك محمد السادس أكد في خطاب أمس الجمعة (17 يونيو حزيران ) إدراج مساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية فضلا عن حماية حقوق الانسان العالمية في الدستور الجديد، ومذكرا بان الإسلام هو ديانة الدولة، بالاضافة إلى توسيع صلاحيات رئيس الحكومة.
"تكفير واغتصاب الأطفال"
انشغال الرأي العام والنخب السياسية والمدنية في المغرب بمواضيع الإصلاح الدستوري ومحاربة الفساد وحضور الإسلاميين إلى جانب اليساريين في مسيرات حركة 20 فبراير، لم يمنع بعض الجمعيات الحقوقية من إدانة تصريحات المغراوي المؤيدة لاغتصاب الأطفال. نجاة أنوار، رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" التي تعنى بمحاربة هذه الظاهرة، أكدت ذلك في حوارها مع دويتشه فيله: "نجدد إدانتنا لهذه الفتوى التي تعبر عن مغالطات وقراءة لا تاريخية للنصوص المقدسة. الجمعية سوف لن تدخر جهدا في سبيل فضح هده الكائنات التي تتغذى من الجهل والأمية لتنشر سمومها".
ومن جهته انبرى سعيد لكحل، الأستاذ الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، لمناظرة الشيخ الفيزازي على شكل مقالات وردود متبادلة. في سياق هذه المناظرة عاد الشيخ الفيزازي إلى تكفير مخاطبه تماما كما كان يكفر اليسار وصحف مغربية معينة قبل اعتقاله وإدانته بالتحريض على الإرهاب. يقول الفيزازي مخاطبا سعيد لكحل "والآن أتحداك على رؤوس الأشهاد أن تعلن للقراء الكرام أنك تؤمن بما نؤمن به نحن المسلمين المغاربة... افعلها إن كنت صادقا! ولئن فعلت لآتينك ولو حبوا معلنا لك أخوتي في الله وفي الدين والوطن".
ليرد المعني بالأمر قائلا "هذا يذكرني بمحاكم التفتيش وبمشهد المحاكمة السخيفة التي تعرض لها الراحل نصر حامد أبو زيد لما تحداه خصومه بمباركة من القضاء المصري أن يعلن الشهادة أمام المحكمة . فالإيمان عهد بين الله والعبد ، وليس لأحد أن يتلصص(يتدخل) على هذا العهد الذي لم يشترط فيه الله تعالى شهودا ولا عقدا مكتوبا ولا أوصياء ولا قرابين ، ولا جعل لبشر مهمة إجازته".
تحالف الإسلاميين
ظلت تصريحات الشيخين المغراوي والفيزازي رغم حدتها هامشية في النقاش السياسي العام بالمغرب إلى أن أعلن حزب العدالة والتنمية الإسلامي على لسان أمينه العام عبد الإله بنكيران ومحمد الحمداوي زعيم الجمعية الدعوية (التوحيد والإصلاح) القريبة من الحزب، الحرب على الدستور المرتقب عرضه على التصويت في غضون الأيام القليلة المقبلة، بدعوى أنه "لن يضمن مبدأ إسلامية الدولة"، وأنه سينص على "حرية العقيدة". في نفس الأسبوع أعلن المغراوي دعوته لأتباعه بالتصويت على العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة لكونه "الحزب الذي يحمي الإسلام".
خديجة الرويسي، رئيسة جمعية بيت الحكمة، تستغرب في حوارها مع دويتشه فيله: "صمت السلطات والقوى الديمقراطية الحداثية على هذه التهديدات وما سبقها من تصريحات عنيفة وعنصرية"، دون أن تستبعد "وقوف "اللوبيات التي تحنّ إلى الإستبداد وراء التحرك المشبوه لهذه الأطراف".
ومن جهته يرى عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث المتعاون مع مركز جاك بيرك بالرباط والمتخصص في شؤون السلفيين، في حواره مع دويتشه فيله أن "تسامح الدولة مع التيار السلفي في المغرب قائم منذ ظهور هذا التيار في سبعينيات القرن الماضي، باسثتناء التفجيرات الإرهابية في الدار البيضاء. لا يجب أن ننسى أن المغراوي أكد أكثر من مرة دعمه للملكية وإمارة المؤمنين في مواجهة حركة 20 فبراير". وأضاف الباحث أن "البراغماتية السياسية تفرض على السلفيين دعم حزب العدالة والتنمية لأن موقفهم اليوم ضعيف وهم بحاجة إلى من يدعمهم في معركة إعادة فتح دور القرآن التي أغلقتها وزارة الداخلية".
أما سعيد لكحل، الباحث المتابع لشؤون الإسلاميين، فيقول لـدويتشه فيله: "لا أعتقد أن الدولة متسامحة مع هؤلاء، إنما هي اليوم تتلقى ضربات من جهات مختلفة فتحاول مواجهة ضربات حركة 20 فبراير وامتصاص المطالب الاجتماعية والسياسية دون أن تجعل من مواجهة المتطرفين الإسلاميين أولوية".
صراع على الهوية
التقاء السلفيين مع إسلاميي العدالة والتنمية في مواجهة العلمانيين يبدو أكثر وضوحا من خلال اللغة التي أصبح يستعملها الإسلاميون في مواجهة العلمانيين. جمعية التوحيد والإصلاح، اتهمت الجمعيات الحقوقية الداعية إلى دستور علماني بـ"فتح للمخططات الإنجيلية المتطرفة التي تستهدف الوحدة المذهبية للمغرب والمغاربة".
خديجة الرويسي، تعلق على ذلك في حوارها مع دويتشه فيله قائلة: "تنصيص الدستور المغربي على كون المغرب بلدا مسلما عوض إسلامية الدولة، هو أمر طبيعي ينسجم مع الحقيقة السوسيو- ثقافية للمغرب، لأنّ الإسلام هو دين الأغلبية، ولأن الإيمان العقائدي لا يعبّر عن موقف المؤسسات بل هو إيمان الأشخاص والأفراد من المواطنين الذين يخضعون جميعهم للقانون داخل المؤسسات العمومية، في مساواة تامة فيما بينهم".
عدد من الجمعيات والصحافيين بدؤوا في الرد على الإسلاميين مؤكدين تشبثهم بنص الدستور على مبدأ "سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على التشريعات المحلية"، ما يحيل على أجواء الصراع الذي عاشه المغرب بين الديمقراطيين والمحافظين بمناسبة النقاش حول مدونة الأسرة قبل 10 سنوات.
إسماعيل بلاوعلي - الرباط
مراجعة: منصف السليمي